لقد تآلف المغاربة مع التظاهر من أجل قضاياهم الاجتماعية
في الشارع العام منذ ما يقارب 3 عقود ، حيث دشن هذه العادة خريجو الجامعات المعطلون
الذين وجدوا فيه
هامشا لاحتواء مطالبهم مع حكومة التناوب في التسعينات .
ومن ثمت غدا مبنى البرلمان بالرباط بمثابة حائط
المبكى الذي يستقبل أوجاع مختلف الفئات الاجتماعية و تظلماتهم ومطالبهم
وغدا شارع محمد الخامس بالرباط فضاء لامتصاص فائض
التوتر المجتمعي الذي لا يجد مكانا له ضمن لائحة الأحزاب المغربية الطويلة والمناوشات
المستمرة ما بين قوى الأمن و الفئات المحتجة المتأرجحة ما بين المرونة القصوى والمواجهات
الحادة أحيانا حسب الشروط و السياقات .
ولم يقتصر الاحتجاج على المركز برمزيته السياسية
والإدارية بل
عبر عن نفسه جهويا ايضا في الكثير من المحطات .
من هنا يمكن القول بأن الشعب المغربي راكم تجربة
مهمة في الاحتجاج السلمي والمسؤول كما راكمت السلطة تجربة مهمة في تدبير الاحتجاجات
باعتبارها حقا من حقوق الانسان تسلم به حينا وتصادره باشتراطات الترخيص المسبق عندما
يمس أحد الخطوط التي تلامس مدارات غير مسموح بها .
وهكذا تمكن المغرب من اجتياز امتحان ما يسمى بالربيع
العربي مع حركة 20 فبراير سنة 2011 بفضل نضج المغاربة وأيضا بفضل دهائه السياسي و مرونته
وقابليته للحوار وللتفاوض عكس الأنظمة المشرقية .
وهاهي ذي النسخة الثانية من الاحتجاجات تنطلق من
الريف المغربي إثر مقتل أحد تجار السمك مطحونا في حاوية أزبال منذ نصف سنة . وتحافظ
على هدوئها وسلميتها وأيضا على إصرارها
على مطالب اجتماعية تنموية ذات بعد جهوي محظ ,
لكن ليس كل مرة تسلم الجرة إذ لم تفلح السلطات في
احتواء هذا الغضب الصاخب في منطقة لها جروح تاريخية مع النظام المغربي وبحكومة هشة
فاقدة للمصداقية و للانسجام بل للسند الشعبي الكافي وأيضا للخبرة في مجال التفاوض السياسي
مع شباب يشعر "بالتهميش وبالحكرة " ويعي جيدا بأنها حكومة محكومة فاقدة لاستقلالية
القرار لذلك رفع السقف وطالب الحوار مباشرة مع المؤسسة الملكية .
ذلك ان ذكاءها السياسي لم يسعفها إلا في تبني الأطروحة
الأمنية المشروخة في كيل الاتهامات الجاهزة بالعمالة للخارج والسعي للانفصال و لزعزعة
العقيدة الدينية الرسمية للبلاد ,,اي التشيع
قافزة على الاسباب الواقعية للحراك ,
وهكذا تم اختلاق اسباب تسمح لهم باغراق المنطقة
باجهزة الامن والجيش لترهيب السكان والمحتجين
وباعتقال قادة الحراك بطريقة هوليودية لا تتناسب
وحجم التهم المرتكبة طمعا في إنهاء الحراك بقسوة مخزنية تنتمي لعهود السبعينات مما
جعل باقي المدن تنتفض تضامنا مع اهل الريف
وايضا حماية للحق في التظاهر وفي الاحتجاج رافعة
بدورها شعارات تتطابق كثيرا مع شعارات منطقة الريف بالإضافة الى مطلب اطلاق سراح المعتقلين ,
وعجت صفحات الشبكات الاجتماعية بصور الزفزافي الذي
غدا نجم المرحلة بامتياز
.
وتمططت الاحتجاجات إلى مدن أخرى الرباط ،البيضاء
،طنجة ، تاونات ،أكدير ، مراكش ،خنيفرة , بزخم لم يكن متوقعا
،منها ما قمع بقوة
وعنف سواء بالقوات العمومية أو بشبكة الموالين لاجهزة السلطة من منحرفين وشبكة الموالين
للسلطة المستفيدين من ريع ما ,
وحيث أن الاعتقال لم يوقف حراك الريف حيث اوجد قائدة
جديدة و أبدع أشكالا نضالية جديدة من بينها الإضراب العام ومقاطعة صلاة الجمعة التي
كانت خطبة الامام فيها حول الفتنة هي السبب المباشر في اعتقال قائد الحراك ورفاقه ولازالت
ليالي رمضان
تطوي صفحاتها بوقفات احتجاجية هنا وهناك ,,,,
وبهذا يكون الخوف المفرط من الفتنة وتداعياتها المحتملة
هو العنصر الذي أفرز إجراءات اتت بعكس ما ينتظر منها : انتشار
نار الاحتجاجات في هشيم جغرافيا التهميش .
ذلك أن جحافل المقصيين من تنمية غير رشيدة صنفت
المغرب في أسفل اللائحة برتبة 126 مطالبين بحقهم في الشغل و التطبيب والتعليم والبنيات
التحتية تشكل بدون منازع ذلك الحطب الذي تلقف شرارة حراك الريف فتطايرت شظاياه عبر
الخريطة المغربية بسرعة البرق أمام دهشة السلطات والحكومة و جوقة الأحزاب المتناسلة
كالجراد فقط للسطو على نصيبها من كعكة
الوطن من خلال مهمة واحدة ألاو هي الانتخابات والسعي
للكراسي وامتيازاتها الريعية ,متجاهلة حاجيات المغرب
العميق
وجحافله المهمشة لهذا الحد أو ذاك ,
وراح كل طرف يتملص من المسؤولية ليلصقها للآخر ككرة
طائرة تتقاذفها رياح الأوهام في سوق سياسة يغيب منها الصدق والمصداقية وتحضر فيها ملحاحية
المصالح الفئوية الضيقة
على حساب المصالح الكبرى لوطن قد لا يستحق هذا اللفظ
المقدس فعلا اذا لم يكن قادرا على احتضان كل مواطنيه بالعناية والحب اللازمين من خلال
نوعية الخدمات التي يقدمها وفق مباديء العدل والمساواة في توزيع الخيرات والخدمات والثروات
وفي ضمان الحرية والكرامة للجميع , مما يضمن ولاء
لامشروطا نابعا من الاحساس بالانتماء وجوديا ووجدانيا ,
فالمواطنة بالتأكيد هي واجبات يقوم بها الشخص تجاه
وطنه لكنها أيضا حقوق تعمق الشعور بالانتماء وتضمن الولاء اللامشروط والحصانة ضد كل
أشكال الاختراق الأجنبي الذي تلوح به السلطات دائما وأبدا ,
الوطن ليس ملكا لأقلية تراكم الثروات والامتيازات
ولاتخجل من ترفها الباذخ إزاء فقر مافتيء يتصاعد يوما عن يوم
الوطن ليس ملكا لمحترفي سياسة الريع الذين يرون
في المناصب
مجرد امتيازات تضمن لهم الفيلات والأسفار اللامتناهية
للخارج والأيبادات باهظة الثمن التي يمنحها البرلمان لنواب يلتهون بها ان حضروا لأن
القاعدة أن يغيبوا ولايخجلون بتلقي أجور عن
فترات طويلة لم يقوموا فيها بأي دور تجاه الوطن ,
كل هذا من ميزانية بلد بلغت فيه المديونية 81 في
المائة من الناتج الداخلي الخام وبات رهينة في أيدي الأبناك الدولية ,إلى اجل غير مسمى ,,,,,
ماهو دور الوزراء والبرلمانيين والأحزاب إذا لم
يكونوا قادرين على ربط جسور التواصل مع المحتجين والمحتجات ؟؟؟
لا أحد يختار استعراض غضبه في الشارع العام إلا
إذا لم يجد محاورا قادرا على استيعاب مطالبه وحاجياته ,
فهل تتوفق في ذلك مؤسسات الوساطة لتبرر وجودها في
حماية
الوطن من الانزلاقات المحتملة نحو مهاوي الخراب
؟؟؟
المركب تتلاطمه امواج في بحر يتجاذبه المد والجزر
ومسؤولية
حمايتنا جميعا تعود الى القائمين على شؤوننا باقل
الخسارات الممكنة
,
فهل سيتوفقون ؟؟؟
عائشة التاج ,المغرب