حوار الكاتبة
والقاصة د. زهرة عز لجريدة المنعطف حول موضوع: "العنف نتاج فشل السياسي في
تحقيق التنمية والكرامة، والثقافي التنويري يمكنه أن يصلح ما
أفسدته السياسة
"حاورها الإعلامي الأستاذ
عبد العزيز بنعبو"1) بداية نسأل عن المجتمع المغربي وعن جذور العنف فيه ، هل يشبه ما نعيشه حاليا ؟
لمعرفة الجذور الحقيقية للعنف في المجتمع المغربي يجب استحضار السياق التاريخي، وهو ما يجعلنا نستخلص أن العنف كما نعيشه اليوم دخيل وجديد على مجتمعنا، وأقصد العنف كظاهرة متشرة في المجتمع، خاصة العنف المرتبط بتبريرات دينية وقيمية وعقائدية، صحيح أن العنف ظاهرة بشرية عرفتها كل المجتمعات والأمم عبر التاريخ البشري نفسه، ولكن ما نعيشه اليوم، يجعلنا أمام ظاهرة مستحدثة، غير مرتبطة فقط بأفراد منحرفين أو جانحين ، يرتبط العنف لديهم بالسرقة واللصوصية عموما. إذ أن العنف كاد أن يتحول إلى ثقافة منتشرة في المجتمع، و موجهاً قيمياً لسلوكات المواطنين بشكل كبير. ولذلك فالتمعن في حالات العنف اليومية يجعلنا نستخلص أن تجلياته المتعددة في الأسرة، الفضاءات العامة...الخ، هو نتيجة انهيار في القيم، وانهيار أسس التربية والتعايش. ولذلك فحتى مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي كانت تربي الفرد على القيم النبيلة، وتمنحه المناعة الكفيلة باجتناب العنف والانحراف، أصبحت هي نفسها تنتج وتعيد انتاج العنف بقيمه التدميرية.
لذلك فما يميز العنف اليوم هو انتشاره كثقافة انتكاسية، يتخذ عدة تجليات وأشكال، فمن العنف المرتبطة بالتعاطي للمخدرات ، وخاصة القرقوبي، وباقي أصناف العقاقير،إلى العنف المرتبط بالجريمة، إلى العنف في الملاعب، والعنف الأسري، إلى العنف المرتبط بالاعتداء الجسدي على الحريات الفردية، تتشكل خريطة العنف في المجتمع.
2) هل نستطيع معرفة رأيكم في ما يجري من هجوم على الحريات الشخصية للفرد المغربي ؟
يشكل هذا المنحى من العنف في المجتمع، أحد أخطر تجليات ظاهرة العنف، لكونها مرتبطة بالفكري والقيمي في أبعاده الدينية، وقد اشتدت وثيرة هذا المنحى مؤخراً، خاصة بعد الربيع العربي، بشكل يجعلنا ندق ناقوس الخطر المحدق بالحريات الفردية والقيم المدنية المؤسسة للمواطنة. خاصة وأن دعاة التطرف والمذهبية، والتعصب الديني يريدون مجتمعاً على المقاس، وهو المقاس الذي يريد ارجاع المجتمع المعاصر إلى التاريخ الموغل في الظلامية.
وإذا كانت بعض الأطراف من المجتمع، وخاصة دعاة الإسلام السياسي والأصوليات الدينية الوهابية، تعمل على زرع الفكر المتطرف، وتقوض أسس دولة الحق والقانون والحداثة، فإن ضعف الدولة في الدفاع عن الحريات الفردية، وأحياناً اختراقها هي نفسها وتهاونها في حماية حقوق المواطنين، يجعل موجة العنف الأصولي يعم المجتمع ويخترق كل مؤسساته، ويحدث بالتالي فوضى عارمة.
3) هل يحق للبعض محاكمة أشخاص إنطلاقا من معتقداتهم أو أفكارهم، وهل يحق لهم تطبيق شريعة الشارع عليهم ؟
الحريات كلٌّ لا يتجزأ، و لا يحق لأحد أن ينصب نفسه قاضيا و جلادا، يصدر الأحكام و ينصب محاكمات ، فقط لأنه يرفض الاختلاف و لا تروقه قناعات الآخر.. هناك مؤسسات أمنية و قانونية مختصة للبث و النظر في الخروقات والتجاوزات إذا ما اكتملت عناصرها ، نحن دولة مؤسسات و لسنا دولة الغاب..و الشارع.
للأسف، تتكرر مشاهد العنف والاعتداء على الآخرين بدعوى تطبيق الشريعة، باختلاف التهم و الضحايا، ضحايا فوضى الشارع والعنف، وهذه المشاهد ناتجة في العمق عن فشل المدرسة وكافة مؤسسات التنشئة الاجتماعية في غرس قيم حقوق الإنسان، وقيم المواطنة باعتبارها قيما مدنية تتأسس على القبول بالاختلاف وتدبير العيش المشترك على قاعدة الوطنية، التي لا تنفصل عن حرية كل الناس الدينية والاعتقادية. ولذلك فالقيم التي توجه جزء كبيرا من المغاربة هي قيم موغلة في التطرف والمذهبية، وهي قيم جاءت نتيجة انتشار الفكر الوهابي والديني المتطرف، خاصة بعد الربيع العربي، بعد صعود الإسلام السياسي، وبالمقابل، أعلنت مؤسسة التنشئة الاجتماعية والسياسية تنازلها عن الفرد، ككيان يصبو إلى غد أفضل. وهنا نسجل التراجع المقصود،في الإيمان بقيم حقوقية وإنسانية، قيم تدعو للتسامح، احترام المؤسسات، الاعتراف بالآخر وبالاختلاف.. أصبحنا نعاين العنف متمثلا في اعتداءات سافرة، المفروض أنها مرفوضة،ومجرّمة قانونيا ودستوريا. بالتأكيد، المقاربة الردعية والأمنية غير كافية، حتى لو كانت أحيانا ضرورية، فإن استنفاذها يقود حتما إلى عكس ما نرجوه ، والذي لن يكون قائما إلا بالمقاربة القانونية والحقوقية غير المنفصلة عن الحق في التنمية والكرامة، حيث يتساوى أمام دولة الحق والقانون كل المواطنين بدون استثناء، من هنا ينتظرنا استدماج قيم حقوقية، إنسانية في البرامج الدراسية، ومناهج التعليم، والإعلام المرئي والسمعي، والورقي و الالكتروني، إشاعة ثقافة قبول الاختلاف في المظهر والفكر، وقبول التنوع الثقافي، طبعا تربويا وتوعويا، وهنا يأتي دو الفاعل الحقوقي،الفاعل السياسي، المجتمع المدني، مؤسسات التعليم والصحافة والأسرة ودور الشباب، من دون أن ننسى تشجيع التفكير الديني المعتدل، والتنويري . كلنا معنيون وكلنا مسؤولون عن هذا التسيب الخطير والانفلات الأخلاقي. الذي يؤجج للتعصب ولنبذ الآخر والإقصاء، النتيجة وخيمة العواقب إذا لم تتدارك بجدية، ونؤسس لكوابح مؤسساتية لتقويضها، بل للقضاء عليها،، قد تكون عاقبة التغاضي عنها، انهيار كامل لقيم المجتمع وانهيار لأسس الحداثة والديمقراطية.
4) هل لليوميات وصعوبتها دور في تنامي ظاهرة العنف ضد فئة معينة من المجتمع المغربي؟
أعتقد أن المعتدي المقبل على العنف، شخص ينفس عن ضغط يجثم على صدره، يمنعه من التنفس بحرية والرؤية بوضوح. قد يكون ذلك ناتج عن إحساس بالعجز واليأس بمسايرة وثيرة الحياة السريعة ومتطلباتها المادية في ظل غلاء يتفاقم ويشعل قلب المواطن ناراً تؤججها قلة اليد، مشاكل اجتماعية واقتصادية تزيد من إحباطه في مجتمع تنعدم فيه العدالة الاجتماعية ويسود الفساد مع سوء التسيير والتدبير، في غياب كامل لتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة... فيكون العنف كمتنفس وردة فعل، ضد الآخر والمجتمع، وهو في العمق عنف ضد اللاعدل واللا حق، علينا الاعتراف بتنامي مظاهر الحكرة والإقصاء في المجتمع، وحالات اليأس مع تدني دور مؤسسات، وغياب إرادة حقيقية لإيجاد حلول جذرية للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، التي تثقل كاهل المواطن،وتحبطه، وتقوض رؤيته التفاؤلية للمستقبل، وهو ما سيدخلنا لا محالة في ظلمة قاتمة. وهي الظلمة التي ينتعش فيها الإسلام السياسي، وكافة الحركات الأصولية والمتطرفة ....
5) كيف السبيل إلى الخروج من ظلمة التزمت إلى ضوء التسامح، وهل للفن والثقافة دور في ذلك ؟
إذا كان السياسي قد فشل في تحقيق التنمية المنشودة، وصيانة كرامة المواطن، ومده بالمناعة المكتسبة عبر مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية، فإننا نشهد ومنذ أزيد من عقد من الزمن بداية انهيار قيم المجتمع، فاسحة المجال للتعصب والتطرّف والتمييز وإقصاء الآخر، في جو يطبعه الريع في كل مجالات الحياة الاجتماعية. وهنا يجد الإسلام السياسي الفرصة لينقض على ما تبقى من أمل في مغرب تنويري وحداثي. إننا نعيش لحظة تاريخية فاصلة، يتم فيه استغلال الدين للهيمنة، أمام تفشي الأمية، نحن مطالبون بتصحيح العيوب المدمرة .فهناك من يعشق الصيد في المياه العكرة،نحن مطالبون أيضا بتقويم الرؤية الثقافية وتوسيع الأفق المعرفي البنائي للوعي والشخصية، عبر مواد وبرامج ثقافية وفنية هادفة، تنهض بمستوى الفرد وتعمل على إذكاء فكره النقدي، كفانا من استراتيجية الإلهاء والتمييع، لنأخذ المسالة بجدية ، يلزمنا مقاربة شمولية لظاهرة العنف واستباقها بتجفيف معاقلها ، والعمل على تشجيع المواهب على الخلق والإبداع. لأن الفكر الحر يحصن نفسه وبالتالي يحصن المجتمع ضد كل دخيل، حتما العنف الرمزي واللفظي يؤدي إلى العنف المادي، ويصبح قانون الغاب هو السائد، عنف بالبرلمان والشارع والجامعات، والملاعب وداخل البيوت،،، عنف في الخطاب السياسي والأُسَري والتربوي والرياضي،،، أكيد فوضى تكرس لزمن العبث بامتياز، كل واحد يعتقد انه يمتلك الحقيقة المطلقة والواحدة، وإنه على صواب والمنزه عن الخطأ،، مفهوم الإقصاء والتعنت المجاني الذي يضر بالجميع. أظن أن المناضل الثوري تشي جيفارا، كان دقيقا ومصيبا حينما قال:"يجب أن يكون المرء إنسانيا،كثير الإنسانية، وأن يتمتع بحس عظيم من العدالة والحق، كي لا يقع في الجمود العقائدي المتطرف، ولذلك فإعادة النظر في المناهج المدرسية، وفي الإعلام، وفي كافة مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وتشجيع الفكر التنويري والتوعية الفنية والجمالية، كفيل بتفكيك وتبديد مناطق الظلمة والعتمة، وتأسيس مجتمع الاختلاف والتعايش على قاعدة المدنية والمواطنة، التي تعتبر أن الحريات الفردية خط أحمر لا يمكن التهاون في اختراقه لا من طرف الدولة، ولا من طرف الأفراد والجماعات. لنجعل من إنسانيتنا واحترامنا لبعضنا البعض، ولمؤسساتنا القانونية والدستورية،، ومن تقبلنا لاختلافاتنا الإيديولوجية والعقائدية، ثقافة ، وركيزة بناء مجتمع حداثي ديمقراطي، يتسع للجميع، تتحقق فيه العدالة الاجتماعية وتصان فيه كرامة المواطن. فالاختلاف بالتأكيد رحمة وعطاء.... لعل القادم أجمل،، وللأمل بقية،، وما تفسده السياسة يصلحه الفن والفكر التنويري.