فكّر قليلاً، هل أنت مستعد أن تعطي صوتك لبهائي في مصر، أو لمسيحي في الكويت، أو لإيزيدي في العراق أو لأي أقلية مخالفة لعقيدتك
قامت الدنيا ولم تقعد إثر فوز صادق خان، ابن المهاجر الباكستاني، بمنصب عمدة لندن، قامت الدنيا عندهم لأسباب، وعندنا لأسباب أخرى. فبالنسبة الى الإنكليز، فاز رجل «بريطاني» عصامي كفء، وصل إلى ما هو عليه بجهده وعلمه وعمله فاستحق المنصب. أما بالنسبة الينا، فالذي وصل رجل مسلم. ثم انشغلنا بـ«الأهم»: هل هو سنّي أم شيعي؟!
كنت أقرأ التعليقات المختلفة على تويتر، وتذكرت مقالاً نشر في القبس منذ مدة يطالب فيه رجل مسيحي كويتي بحقه في أن يستقبل التهاني بالكريسماس في بلده. تخيل أن المواطن الكويتي يطالب بحقه في التهنئة فقط ردّاً على بعض رجال الدين الذين يمنعون تهنئة غير المسلم بأعياده، هذا بخلاف الدعاء على المسلمين «المختلفين» مذهبياً على بعض منابر المساجد كل يوم جمعة، والطائفية المقرفة التي نتعاطى بها مع من يختلف عنا دينياً أو مذهبياً في كل دولنا العربية، بينما أخونا صادق خان المسلم أصبح عمدة أكبر وأهم عواصم العالم!
فاز خان في مجتمع علماني لا يقيس صلاح الإنسان بأصله أو دينه أو مذهبه، بينما لو خان الحظ صادق خان وانتهى في بلادنا بدلاً من بريطانيا، لظل مهمّشاً لا يحلم بجنسية إلى أن يموت، ولأصبح في أحسن الأحوال موظفاً بسيطاً في شركة تحت نظام الكفيل يبيع ويشتري فيه بمزاجه. فالمناصب عندنا ليست متاحة للجميع، ولا يصل إليها «أي» شخص، فهي باعتقادي «تركة» توزع بالعدل والقسطاس على أقرباء وأبناء وأحفاد معظم المسؤولين، ولا يحق لعامل بسيط، مهما اجتهد، أن يضع رأسه برأس «كبار القوم»، وأن يطمع في منصب حتى وإن كان كفأ له، فعندنا «ابن الزبال ما ينفعش يبقى قاضي»، كما صرّح وزير العدل المصري الأسبق.
إن ازدواجية المعايير آفة نعاني منها في هذه البقعة من العالم، فحالما ينجح مسلم في الغرب أو يتولى منصباً مهماً، نتراكض لنسبه إلينا، فنلغي كل انتماءاته القومية والوطنية والاثنية ولا نذكر إلا دينه، وفي الوقت نفسه إن قام مسلم بعملية إرهابية وحتى إن خرج من بين ظهرانينا، درس في مدارسنا، وتخرج في معسكراتنا، وحتى إن صرخ «الله أكبر»، أنكرنا عليه دينه وتبرأنا منه وأخرجناه من الملة، فنحن شعوب من الملائكة والناجحين والمتفوقين فقط.
كثير من المسلمين والعرب وصلوا إلى أعلى المناصب في بلاد الغرب، إلا أنهم في بلادهم لا يتحركون قيد أنملة من دون النظر في أديانهم، مذاهبهم، أصولهم وفصولهم. نعم، نحتفي بالعلمانية التي تسمح لمسلم أن يتفوق في الغرب، فنحن علمانيون، ديموقراطيون، ليبراليون «برا» فقط. أما «جوا»، فنحن عنصريون، طائفيون، متطرفون.
قبل أن تحتفل بفوز مسلم في بريطانيا، فكّر قليلاً، هل أنت مستعد أن تعطي صوتك لبهائي في مصر، أو لمسيحي في الكويت، أو لإيزيدي في العراق أو لأي أقلية مخالفة لعقيدتك أو مذهبك؟ إن كان جوابك بالنفي، فضع كاتماً لصوتك، ووفر علينا قبح رأيك!
عن شفاف الشرق الأوسط