الملامح الأولى للحركة الأصولية الجديدة بالمغرب، تعود إلى
تسعينيات القرن الماضي ، بعد عودة بعض قادة هذه الحركة من حرب أفغانستان للاشتغال
بالإدارة اللوجيستيكية لخلايا "القاعدة" في الغرب الإسلامي، وبعد
انطلاق
الحركة الأصولية المسلحة بالجزائر.
ويرى العديد من المراقبين والإعلاميين المغاربة أن أحداث
الدارالبيضاء (16 ماي 2003) لم تكن سوى حلقة نوعية ونقلة نوعية داخل سلسلة طويلة
من الأحداث التي نفذها الأصوليون المغاربة الجدد
خلال العقد الأخير من القرن الماضي، والتي تلاحقت وتواصلت "
بهدوء" إلى أن وصلت أوجها يوم 16 ماي من السنة 2003. بل أن بعض هؤلاء
المراقبين، ربط أحداث الدارالبيضاء بحادث اغتيال القيادي الاشتراكي، عمر بن جلون
(دجنبر 1975) على يد نشطاء الشبيبة الإسلامية المحظورة.
وحسب العديد من الباحثين والدارسين تستقي المجموعات
الأصولية المتطرفة في المغرب، مبادئها وأفكارها وفتاواها، من نظيراتها في العالمين
العربي والإسلامي، حيث أنها عملت هي الاخرى على إنتاج نفس الخطاب، ونفس السلوك،
ونفس الإرهاب.
وبالرجوع إلى أفكار قادة هذه المجموعات سنجدها تركز بصفة
خاصة على "ملامح الدولة"، فهي ترفض الديمقراطية والدستور وحقوق الإنسان،
على اعتبار أنها تسمح للأغلبية تقدير تشريعات تبيح المنكرات وتحل المحرمات. وترى
فيها شرا حراما يطعن الإسلام في صميمه، وثمارا خبيثة للعلمانية التي هي في نظرياتهم" الجاهلية المعاصرة ".
كما سنجد أن هذه الأفكار تحرم المشاركة في الانتخابات
بالترشيح أو بإعطاء الصوت. وتحرم الصلاة في المساجد القائمة لأنها "معابد
الجاهلية الحديثة". وتدعو إلى اعتزال المجتمع، وتحريم الوظائف العمومية
للدولة." وتكفير كل ما يتعلق بالسلطة والحكم والديمقراطية وحقوق الإنسان .
و"التكفير" ظاهرة قديمة جديدة، انتشرت في
القرون الإسلامية الأولى على يد فرق إسلامية متطرفة عديدة، كما انتشرت في العقود
الأخيرة على يد جماعات وأفراد عديدين ينتمون إلى " الإسلام السياسي".
وهو ما أدى في الماضي الإسلامي، كما في الحاضر الراهن، إلى ظهور جماعات "عنيفة"
تشتغل بالتكفير والردة، وتسعى إلى الإرهاب والقتل.
ويلاحظ أن الأفكار التي تدعو إليها هذه الجماعات /
السلفية الجهادية / التكفير والهجرة / الصراط المستقيم / الدعوة والتبليغ وغيرها
،وهي نفسها الأفكار التي رددها المتطرفون السابقون في العصور الوسطى. وهي نفسها
الأفكار التي تتبناها منظمة القاعدة، وجماعة داعش، وحركة طالبان، وحزب حكمتيار،
والجماعة الإسلامية في الجزائر، وسكان القبور بمصر، إذ ترفض جميعها النظام
الديمقراطي وقوانينه وأحكامه، وتدعو جميعها إلى
تكفير الديمقراطية والديمقراطيين، وإحلال دمهما وإقامة حد الله عليهما.
ومن حيث بناء الجماعات الأصولية المغربية، العديد من
الباحثين في هذا الشأن، أن بنياتها لا
تخضع البتة لمنطق التفاعل أو الإقناع والاقتناع في التواصل، بل أنها جماعات يتحكم
فيها المنطق التراتبي الواضح : شيخ / مريدون / أمير / مأمورون / وفي أحسن الحالات
: شيخ / طلبة علم...وفي جميع هذه الصيغ تتم تربية الموردين على الامتثال الأعمى
لأوامر" القائد" باعتبارها قرارات غير قابلة للنقاش، أن ما يقوله
"القائد أو الشيخ أو الأمير..." هو الحقيقة المطلقة، وبالتالي يجب توخي
الحذر والحيطة من كل ما من شأنه أن يضع هذه الحقيقة" موضع مساءلة.
وأمام ما
يتسم به " التابعون" لهذه الجماعات من خواء فكري وعاطفي، وأمية تعليمية
ودينية، يبذل جهد كبير من أجل جعلهم لا يأخذون فسحة ابتعاد عن أطرهم المرجعية حتى
يتسنى تنويم شخصياتهم وإخضاعهم الإخضاع التام لأهداف "القيادة" باعتماد
إستراتيجية يتم ربطها "بالاستشهاد والجنة" وسيلاحظ المتتبع أن مثل هؤلاء
الأفراد لا يقبلون الجدال والنقاش، وفقا لما هو مسطر لهم، وكلما تبين لهم أن
الصواب قد يوجد في جهة أخرى، أو في معبر تحليلي آخر، يسيرون نحو اختلاق أوهام
يصدقونها دفاعا عن "الحقيقة المطلقة" التي روج لها "القائد"
ولاشك أننا على مستوى المقاربة الشرعية، سنجد أن هؤلاء خسروا الدنيا والآخرة.
تعتمد هذه الجماعات "الأصولية المتطرفة" في
تنفيذ مخططاتها على نماذج بشرية معينة مستوفية لشروط الاستقطاب مصابة بالحرمان
وجمود المشاعر، وعدم التعاطف مع الآخرين المختلفين عنهم أو معهم في الرأي، أو
الدين أو الجنس. نماذج شديدي القسوة على أنفسهم وعلى الغير، يسعدون بالانتقام
والدم. يطلق عليها علم النفس : "الشخصيات المتبلدة انفعاليا" وهي شخصيات
تسعى – في الغالب –لإشباع لذتها الفورية، في المغامرة والانتقام.
ويعمل أمراء هذه الجماعات ومشايخها، على تربية هذه
النماذج وفق مخطط واحد قصير المدى،يقوم على زرع الإيمان المطلق بأفكار الشيوخ /
الأمراء، وعدم القبول بأي مناقشة في شأنها. وزرع صفات المجاهد "المؤمن"
في نفسيات هذه النماذج للإيمان بأن "الأهداف" التي تقوم عليها
"الجماعة" هي من أجل شرع الله... بعد ذلك تبدأ تربيتهم على أنهم "متوحدون"
مع القوة الكامنة / القوة الإلهية. وعلى أنهم "مكلفون"بأداء رسالة
عظيمة، وأنهم قادرون على "حمايتها".
ولربما يكون أولئك الانتحاريين، الذين نفذوا أبشع
العمليات الانتحارية، في نيويورك وواشنطن (2001) وفي الرياض والدارالبيضاء (2003)،
وفي الجزائر ودمشق وبغداد وباريس ولندن وإسلام أباد واسطنبول وغيرها من جهات
الدنيا، والذين حولوا أجسادهم إلى أشلاء قاتلة ومدمرة وجها من وجوه تلك التربية.
أفلا تنظرون...؟