-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

زمن ثقافة «الفنكوش» سناء صليحة

فى واحد من أفلام عادل إمام روج مدير الدعاية لمنتج ليس له وجود على ارض الواقع وأطلق عليه اسم الفنكوش . وطبقا للحملة الإعلانية الناجحة التى أدارها عادل إمام
تهافت الجميع على السلعة التى لا يعرفون ماهيتها، وعندما تذوقوها أخذتهم النشوة ولم يدركوا أنها تُذهب العقل إلا بعد أن وقعت الواقعة.. وفى سياق الحبكة الدرامية لفيلم كوميدى ومباراة الأداء العبقرى بين عادل إمام والرائع أحمد راتب «رحمه الله» أدعى أن معظمنا لم يتوقف كثيرا أمام قدرة الدعاية وتأثير الكلمة والصورة فى إيجاد احتياجات جديدة وتغيير فكر وسلوكيات الجمهور.
ولكن عندما تباغتنا يوميا فى وسائل الإعلام والطرقات أحداث وأحاديث تضرب ثوابت الشخصية المصرية، بدءا من تقاليد الحزن والحداد على شهدائنا وصولا للتشكيك والسخرية من كل ما مثل قيمة فى حياة المصريين على مر العصور، تتقافز أمامى أكثر من علامة استفهام، أخطرها فى ظنى «هل هذا ما نتعرض له اليوم وإن اختلفت الحبكة والتفاصيل والأبطال والهدف صورة مكررة تنذر ببزوغ عصر ثقافة الفنكوش؟!».. ربما!!
ففى أقل من 48 ساعة تعرض المواطن المصرى لواقعتين ارغمتاه على أن يعايش حالة من المشاعر المتضاربة وضبابية الرؤى، وها هو الدليل طبقا لما طيرته وسائل الإعلام وشاهده المواطن بعينيه.. «تواصل وزارة الداخلية جهودها لملاحقة مرتكبى حادث استهداف إرهابيين لسيارة شرطة فى البدرشين أسفر عن استشهاد 5 من رجال الشرطة...»، «فوجئت الشرطة أثناء تنفيذ قرار إزالة المنشآت المخالفة بالوراق بإطلاق طلقات الخرطوش نحوها وإلقاء حجارة وأوضح محمود الصعيدى نائب الوراق بمجلس النواب أن شائعة التهجير سبب الاشتباكات بجزيرة الوراق»، واقعتان كانت الشرطة فيهما الفاعل والمفعول به مع اختلاف وتباين المشاعر المصاحبة للحدثين.. ففى الحالة الاولى طغت مشاعر الحزن والغضب والرغبة فى الثأر، المصحوبة باستنزال اللعنات على الذين يسفكون دماء أبرياء يؤدون واجبهم . وفى الواقعة الثانية تشبع هواء الجزيرة النيلية بغضب وسخط وإحساس بالمظلومية، وكأن محمد أبو سويلم بطل رائعة عبدالرحمن الشرقاوى «الأرض» بُعث من جديد متشبثا بحفنة من طين ارضه يحاول الغزاة استلابها!!
والواقعتان اللتان يفصل بينهما اقل من 48 ساعة تعكسان تباينا خطيرا فى المشاعر تجاه الشرطة وأجهزة الدولة عموما، الأمر الذى يستحق أن نتوقف أمامه قبل أن يتحول لذريعة لإعادة إنتاج سيناريوهات قديمة كرست للعداء بين الشعب والشرطة وحولت الخارجين على القانون لأبطال شعبيين ليبدو الأمر وكأن على الزيبق انتفض من مرقده وعلى أبناء الشعب الالتفاف حوله لمحاربة المماليك وجنود الانكشارية!!
ففى الواقعة الأولى توحدت المشاعر استنادا إلى موروث انسانى عام يؤازره الضمير الجمعى المستمد من تفاعل المصرى على مر العصور مع المؤثرات المحيطة به وثقافة ضاربة فى عمق التاريخ شكلت كيـمياء روحه وانفعالاته وأسلوب حياته. وفى الحالة الثانية أدت الشائعة لوقوع الاشتباك بين الأهالى والشرطة، مثلما أدت شائعة منع الأمن لعرض مسرحى فى دمياط لاشتعال الفيسبوك بمطالبات الغاء مهرجان المسرح المصرى ليلة افتتاحه وإظهار حالة عداء للشرطة تتناقض مع موروث شعبى تمنى فيه الآباء أن يرتدى الأبناء زى الجندية وتغنى به سيد درويش فى أوبريت «شهرزاد» وسجله نجيب محفوظ «فى بين القصرين» على لسان عائشة التى تعلق قلبها بصاحب الشريط الأحمر.. ففى الحالتين السابقتين تم تجاهل حقيقة أن الجندى والمجند والضابط ،ابن وجار وليس مرتزقة! ولم يقف الموروث الثقافى الجمعى وذكرى قريبة لتداعيات حالة التحريض ضد أجهزة الدولة والشرطة حائلا دون وقوع الاشتباك، فانساقت جموع وراء الشائعات.
وهنا يطرح السؤال نفسه : إلى أى مدى يمكننا أن نراهن على ثوابت الشخصية المصرية ونتصور أنها غير قابلة للتغيير أو التشوه؟ وهل يمكن للمؤثرات الخارجية والمتغيرات أن تنفذ للعمق وتؤدى لتغييرات جوهرية فى ثقافتنا المصرية ؟! وكيف نوقف النزيف؟
وللحديث بقية ..

عن الأهرام


عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا