''يجب أن
يعيش الأغنياء ببساطة أكثر، حتى يستطيع الفقراء أن يعيشوا '' المهاتما غاندي.
حسب هذا الإطار العام،يندرج
الحديث عن التجربة الحزبية المغربية،ومدى استطاعتها حاليا،كي تؤدي الدور المنوط
بها؟انطلاقا من المفهوم الدستوري والحقوقي للكلمة،انسجاما طبعا
مع منظومة يُفترض أنها ديمقراطية،وإلا اختلت دواعي الاستطراد.
بكل تأكيد،لم يعد يمثل استخلاص حقيقة موت الأحزاب المغربية،ضربا
من الاكتشاف المذهل.بل هو موضوع،لاسيما
مع عهد دمقرطة المعلومة وشيوعها وذيوعها،بفضل الثورة الوسائطية المعلوماتية،أضحى
مطروحا على الطريق،بوسع الجميع الصغير قبل الكبير،أن يتبين بشكل سريع،دون أنساق
نظرية،الفارق المهول والمذهل هذه المرة،بين الجغرافيات والأوطان والفضاءات.ثم ما الذي يتطابق حقا مع منطق هذا العقل المرتقي
بالإنسان دائما، فنجح في الوصول إلى اختراعات
مفارقة جدا،أصبحت معقولة بعد أن كانت في عداد الجنون،ثم الذي يمارس
دائما واقعيا بكيفية مجنونة مع افتراض أن يكون ضمن جنس المعقول !إذن الهوة البينة بين زمن التقنية وزمن النظام السياسي
الذي هيكل هندسات الأحزاب المغربية،كشف بكيفية لالبس فيها ما استمر
متحصنا بالالتباس والمواربة.بالتالي،فكل
محاولات إعادة تقييم أداء الفاعلين الحزبيين،ربما لا تتجاوز دائرة تحصيل حاصل،مع
الارتهان لنفس دوامة التشخيص المعلوم، بينما الأكثر إلحاحية،الارتقاء مباشرة نحو
المرحلة الثانية، وهي الفعل : ((يجب علينا أن نستخدم الوقت بحكمة
وأن ندرك دائما أن الوقت قد حان لفعل ما هو حق))(مانديلا).
أعتقد، حفاظا على جانب الموضوعية،أن نستحضر بهذا الخصوص
المعطيات التالية :
*يقتضي كل طرح معقول،تحديد الأسماء
ومسمياتها،فالحزب باعتباره مدرسة للتكوين والتأطير والتهذيب والفعل والعطاء
والتضحية،الممتدة جذوره في التاريخ،الذي يمتلك مشروعا مجتمعيا مستقبليا،يحظى
بقاعدة شعبية عريقة،يتمتع بمصداقية داخليا وخارجيا،ويؤمن بأن دوره يكمن في الإبقاء
على توازنات الشأن العام،بتأثيره الايجابي سواء بالدفع أو الصدّ،أي كما عهدناه ضمن
متون أدبيات السياسة.فبكل تأكيد،هذا
النوع انقرض لدينا قبل عقود،وحتى إن توخينا تحسس بقايا تراث الحركة الوطنية،بشكل
من الأشكال،حيث يمكننا التفكير في شكل حزبي يحترم حمولة الكلمة،فقد تلاشى منذ زمن
ليس بالهين،أبعد من إشارة السكتة القلبية.بالتالي،عن أي أحزاب نتحدث اليوم،وهل يهم الشاة سلخها بعد ذبحها؟.
*لقد
لعب النظام، دورا حاسما، فيما يتعلق بتفريغ الأحزاب التاريخية من مضمونها تماما،بحيث
أحصى أنفاسها تضييقا واعتقالا ونفيا واختراقا وإغراء وتفتيتا :(( القبور
مليئة بالرجال الذين لا يمكن الاستغناء عنهم))(الجنرال ديغول)،إلى
أن أدْرَكَنا المشهد الطفولي الطافح،وعطالة استكانته التامة،مما أفقد كل شيء معناه.
*كذلك
الانحدار المدوي للقوى الإصلاحية،من قضية بناء وطن يستحق حياته،إلى صغائر حقيبة
جلدية يتيمة ،وبأي ثمن !فأضحت السياسة عندنا مجرد بيع وشراء من أجل استوزار ربما يوفر كل العطايا
إلا ماء الوجه،وانتهى زعماء/مساكين إلى كنف الصاكادو،ثم توالت السيناريوهات الكوميدية لمكاتب
سياسية تتشكل في خمس ساعات،ومناضلي التدوينات والتغريدات،ووزراء أبناء بابا وماما. لذلك وعلى غرار قول المتنبي :من يهن يسهل الهوان عليه.
إذن نتيجة المآل مشتركة بين الحكم
والأحزاب،مع تفاوت نسبة التقدير،بحيث خسرت الأخيرة تماما رصيدها
النضالي.لقاء ماذا؟مقابل الجلوس إلى موائد دوائر
السلطة العليا.أحزاب فاقدة لإرادتها تماما،وكيفما تقلبت حسب الطلب، سواء يمينا
أو يسارا أو تموقعت عند الوسط ،أو بقيت جامدة حيال كل ذلك،فلا يهنأ لها جانبا،وإن تجرأ أحدها على مجرد النبس بكلمة هنا أو هناك،يحشر في زاوية وحيدا من لدن باقي الفريق،في انتظار أن
يحسم مصيره ''حكماء الحزب''كي "يعود إلى رشده سالما''.ماذا
يقصد بالحكماء؟ثم ما معنى الرشد؟قياسا
لوضعنا السياسي.
فقط للتذكير،وبالنسبة للاوعي
السياسي المغربي،تعتبر واقعة الزج بالفقيد عبد الرحيم بوعبيد في السجن،لأنه رفض
قرار الملك الحسن الثاني بإجراء الاستفتاء في الأقاليم الصحراوية،أبرز مثال لازال
عالقا بالأذهان.لقد أُريد لهذه اللعبة منذ البداية، أن تكون غير شفافة و:((الافتقار
إلى الشفافية يؤدي إلى انعدام الثقة وشعور عميق بانعدام الأمن))(الدالاي لاما).والأمن الفكري،في
حالة افتقاده، يعتبر الأكثر فظاعة وخطورة،لحظتها تختلط الحقائق وتلتبس الرؤى ويسود
التضليل وتضيع وجهة البوصلة ويغدو الواقع والبشر تائهين.
ليست الأحزاب هي لب الأزمة،وليس الحسيمة وغيرها من مشاكل
المغرب المستفحلة،بمسألة حزبية،بل الأحزاب والحسيمة،مجرد واجهة لمشاكل أعمق تهم
نسقا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وشعاراتيا،ينبغي له أن يقطع كيفيا
وبنيويا مع تلك المقدمات التي قادت وتقود وستقود حد السأم إلى نفس النتائج،وحدهم
الفقراء يحترقون بنيران فشلها.
إذن، بالرجوع ثانية إلى مقولة الروح
العظيمة غاندي : متى يتعود أغنياؤنا على شيء من
البساطة،فقط لا غير، كي تنبسط أسارير
هذا الوطن في وجه الجميع؟.
http://saidboukhlet.com/