مع نظر المحكمة الإسرائيلية العليا في أدلة جديدة بشأن قانونية سياسة الترحيل، قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن سياسة إسرائيل المتعلقة بترحيل طالبي اللجوء الأفارقة إلى بلدين أفريقيين لم يُذكر إسماهما تُعتبر تخلياً عن مسؤوليتها عن اللاجئين، ومثالاً على التدابير السياسية السيئة التي تؤجج "أزمة اللاجئن العالمية".
وزُعم أن إسرائيل توصلت إلى اتفاقيتين مع بلدين- يُعتقد على نطاق واسع أنهما أوغندا ورواندا- فقد ظلت بنودهما محاطة بالسرية.
وبموجب "إجراءات الترحيل إلى دول ثالثة" الجديدة التي أعلنتها الحكومة في يناير/كانون الثاني، فإن الأشخاص الذين يوافقون على المغادرة يحصلون على 3,500 دولار أمريكي، وتذكرة سفر إلى بلد المنشأ أو إلى بلد ثالث غير مسمى. ويواجه الأشخاص الذين يرفضون الرحيل عقوبة الاعتقال إلى أجل غير محدد. وتدعي الحكومة الإسرائيلية أن هذه الخطة من شأنها تسهيل عمليات "المغادرة الطوعية" "للمتسللين".
وتساءل فيليب لوثر، مدير البحوث وكسب التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية: "كيف يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تسمي هذه الطريقة لترحيل طالبي اللجوء "طوعية" عندما يكون البديل هو العودة إلى ظروف الاضطهاد أو الاعتقال لفترة غير محددة؟ إن هذا البديل لا يشكل الخيار الذي ينبغي أن يتخذه أي شخص".
وإذا أخذنا بعين الاعتبار حجم أزمة اللاجئين العالمية، فإن الترحيل القسري وغير القانوني لطالبي اللجوء الإريتريين والسودانيين يعتبر تخلياً مستهتراً عن المسؤولية، ومثالاً على السياسات غير المتبصرة التي باتت تشكل علامة مميزة لعمليات اللجوء والهجرة المختلَّة.
وبموجب سياسة سلطة السكان والهجرة والحدود الإسرائيلية، فإنه يُطلب من "المتسللين" الإريتيرين والسودانيين الذكور مغادرة إسرائيل قبل 4 أبريل/نيسان. وتستند إجراءات الترحيل إلى دول ثالثة إلى الافتراض بأن المرحَّلين لم يطلبوا اللجوء وعاشوا في إسرائيل بصورة غير شرعية، أو طلبوا اللجوء، ولكن لم تنطبق عليهم الشروط المعمول بها. أما الأشخاص الذين قدموا طلباتهم بعد تاريخ 1 يناير/كانون الثاني، فسيتم ترحيلهم كذلك.
ولم تقدم الحكومة الإسرائيلية أية تفاصيل بشأن الاتفاقيتين، بما فيها هوية "الدول الثالثة"، التي تعتبرها سرية وربما ضارة بسمعة إسرائيل الدولية.
وقد نفتْ كل من رواندا وأوغندا وجود تلك الاتفاقيتين، وتتفاخر إسرائيل بكونها واحدة من الدول الأوائل في الناتج المحلي الإجمالي في العالم، مما يجعلها إحدى الدول الأكثر ازدهاراً وثراءً في منطقة الشرق الأوسط.
وقال فيليب لوثر إنه "يقع على عاتق الحكومة الإسرائيلية عبء المسؤولية عن الاستجابة لأزمة اللاجئين العالمية، مثلما فعل العديد من البلدان الغنية، وذلك بقبول طالبي اللجوء الذين هم بحاجة ماسَّة إلى مأوى، وإنه أمر لا يُصدق أن تُلقي السلطات الإسرائيلية مسؤوليتها على كاهل بلدان لا تملك سوى جزء من ثروتها ومواردها، وعدد اللاجئين فيها أكثر منها بكثير.
فالناتج المحلي الإجمالي لكل فرد في إسرائيل أعلى من الناتج المحلي الإجمالي لرواندا بأكثر من 50 مرة، وأعلى من الناتج المحلي الإجمالي لأوغندا بأكثر من 55 مرة. وتستضيف رواندا عدداً من اللاجئين أكبر بثلاث مرات من عدد اللاجئين الذين تستضيفهم إسرائيل، ويزيد عدد اللاجئين في أوغندا بنحو 20 مرة على عددهم في إسرائيل.
عمليات الترحيل من إسرائيل إلى رواندا وأوغندا غير شرعية
إن الاتفاقيتين المعقودتين بين إسرائيل والبلدين الأفريقيين، بصرف النظر عن هويتهما، تُعتبران غير شرعيتين بموجب القانون الدولي لأنهما تنتهكان مبدأ حظر الإعادة القسرية، وهو حظر نقل أي شخص إلى مكان يمكن أن يتعرض فيه لخطر الاضطهاد وغيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، أو إلى حيث لن تتم حمايته من التعرض لمثل ذلك النقل في وقت لاحق.
وأشارت المحكمة الإسرائيلية العليا، وهي على حق، إلى أن الطبيعة السرية للاتفاقيتين تحرم طالبي اللجوء من الحصول على حماية قانونية أو على الحق في اللجوء إلى القانون.
وعلاوةً على ذلك، فإنه ليس أمام العديد من الأشخاص الذين يتم ترحيلهم بموجب هذه السياسة أي خيار سوى مواصلة رحلتهم عبر ليبيا، ومحاولات عبور البحر المتوسط إلى أوروبا، وهي محاولات محفوفة بالمخاطر.
وأضاف فيليب لوثر يقول: "إن هذه السياسة وضعت طالبي اللجوء في وضع هش للغاية لأنهم عرضة لخطر إعادتهم إلى بلدان المنشأ، ولا يستطيعون مساءلة الحكومة الإسرائيلية أو حكومة الدولة الثالثة".
ومضى لوثر يقول: "لقد قمنا بتوثيق عدة حالات لطالبي لجوء تم ترحيلهم من إسرائيل، ممن حصلوا على وعود بمنحهم تصاريح إقامة وعمل في أوغندا ورواندا ليكتشفوا عدم وجود شيء من ذلك عند وصولهم إلى البلد الجديد".
والحقيقة أن أياً من طالبي اللجوء الإريتريين والسودانيين المرحَّلين إلى رواندا وأوغندا ممن أُجريت معهم مقابلات في وقت لاحق من قبل منظمات غير حكومية وأكاديميين والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين- لم يُمنح صفة شرعية عند وصوله .
ولم تُنكر رواندا وأوغندا وجود طالبي لجوء قادمين من إسرائيل في أراضيها وحسب، بل رفضتا الاعتراف بواجبهما نحوهم، وذلك بإنكار عقد أي اتفاقيات مع اسرائيل.
إسرائيل تدير ظهرها لطالبي اللجوء واللاجئين – الإحصاءات الصادمة
إن معدلات قبول إسرائيل طلبات طالبي اللجوء الإريتريين والسودانيين متدنية للغاية؛ إذ تبلغ أقل من 0.5% . ومن أصل 15,200 طلب لجوء قدمها طالبو لجوء إريتريون وسودانيون في الفترة الممتدة بين عام 2013 وعام 2017، لم يتم الاعتراف إلا بـ 12 مواطناً إرتيريا وسودانياً كلاجئين فقط.
وعلى مدى العقد الماضي لم يتم الاعتراف إلا بـ 0.1% من طالبي اللجوء الإريتريين كلاجئين في إسرائيل. وبالمقارنة، بلغ معدل الاعتراف بالمواطنين الاريتريين الذين قدموا طلبات للحصول على صفة لاجئين في بلدان الاتحاد الأوروبي في عام 2016، 92.5%
أما السبب الرئيسي الذي يكمن خلف ذلك التدني الهائل في معدلات الاعتراف بطالبي اللجوء الاريتريين فهو أن إسرائيل لا تعتبر الفارِّين من الخدمة العسكرية الإريترية مؤهلين لنيل صفة لاجئين. وهذا أمر يتناقض مع المبادئ التوجيهية الخاصة بقبول طالبي اللجوء التي أصدرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
في يناير/ كانون الثاني 2018، وجدت المحكمة الإسرائيلية العليا أن تفسير الحكومة الإسرائيلية لاحتياجات الحماية للفارِّين من الخدمة العسكرية الإريترية لا يتسق مع اتفاقية اللاجئين لعام 1951. وفي 22 مارس/آذار، أصدرت نائبة المدعي العام دينا زيلبر تعليمات إلى سلطة السكان والهجرة والحدود بإعادة فحص حالات الإريتريين المحتجزين في سجن سحارونيم الذين رُفضت طلبات اللجوء التي قدموها.
وقال فيليب لوثر: "يتعين على الحكومة الإسرائيلية أن توقف فوراً عمليات ترحيل طالبي اللجوء الاريتريين والسودانيين إلى رواندا وأوغندا، وتمكينهم من اتِّباع إجراءات منصفة وفعالة لتقرير صفة اللاجئين. وفي الوقت نفسه يتعين على حكومتي رواندا وأوغندا أن توقفا فوراً كافة أشكال التعاون مع الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بهذه القضية".
"ويجب أن تعلم السلطات الإسرائيلية أن العالم يراقبها بغضب بسبب ازدرائها الفاضح لحياة الإنسان وكرامته وللمسؤولية أمام المجتمع الدولي بأسره".
عن منظمة العفو الدولية