-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

عزيز رزنارة "اللي كيحسب بوحده،.... ديما كايشيط ليه"


هناك مقولة عامة تفيد بأن "الإحصائيات هي أنبل صورة للكذب"، وتكتسب هذه المقولة مصداقية أكبر كلما تعلق الأمر بالأٍرقام والإحصائيات الرسمية وشبه الرسمية بالمغرب، بل وحتى التي تنشرها بعض الهيئات والمؤسسات الخاصة التي يفترض فيها نوع من الشفافية والتدقيق.
وتتضارب هذه الأرقام بين المصادر المنتجة لها أساسا كلما كان هناك غرض سياسي وراءها. ويلتقي في ذلك كل الفرقاء على اختلاف مشاربهم ومناهلهم السياسية والإيديولوجية، من يمين ويسار، وسلطة ومعارضة. وقد يتجلى ذلك بالخصوص في بعض المناسبات السياسية مثل الإضرابات العمالية أو الانتخابات بمختلف مستوياتها أو عند عرض بعض النتائج الموسمية لخطط أو برامج معلنة. فمن الملاحظ أنه بعد كل إضراب سواء كان قطاعيا أو عاما، تصدر أرقام وإحصائيات متباينة من الأطراف المعنية، وهذا شيء طبيعي يحصل حتى في الدول المتقدمة التي فيها حرية رأي وصحافة مستقلة، ولكن هامش التباين والاختلاف في هذه الدول يبقى معقولا ويمكن تبريره بإمكانيات كل طرف لمتابعة ورصد الحدث. أما في المغرب فإن التباعد بين أرقام وإحصائيات الفرقاء السياسيين، بل وحتى بين من هم في نفس الفريق، يصل إلى حد ينسف أي مصداقية لأي رقم والجهة التي أصدرته.  بل الأدهى والأمر أن يكون هذا الخلاف والإختلاف  بين مؤسسات حكومية من المفترض أنها تنتمي لنفس الموقع السياسي وأن ذلك يفرض عليها حدا أدنى من التنسيق بدل الانخراط في حرب كلامية عبر وسائل إعلام لا تبحث إلا عن مثل هذه التصريحات والتصريحات المضادة لإذكاء الصراع الذي يرفع من أٍقام مبيعاتها.
أبرز مثال على ذلك هو حرب الأٍقام التي تدور رحاها على صفحات بعض الجرائد والمواقع الإعلامية الأخرى بين 3 مؤسسات حكومية من المفترض أنها في نفس المركب، ويسوسها نفس الربان. فقد سبق للمندوبية السامية للتخطيط التي يرأسها الوزير الإتحادي السابق محمد لحليمي أن أصدرت نتائج دراساتها الدوريةعن الوضعية الاقتصادية للبلاد وأفادت فيما يخص التشغيل بأن الاقتصاد المغربي خلق خلال السنة الماضية 86.000 منصب شغل ولكنه فقد في نفس الفترة 37.000 منصبا، وأكد بأن قطاعي الصناعة والصناعة التقليدية هما من خلق أقل عدد من مناصب الشغل التي لم تتجاوز 7.000 منصبا.
في نفس الاتجاه، طلع تقرير بنك المغرب بأرقام أخرى مغايرة في تقريره الأخير حيث أكد أن هاذين القطاعين لم يخلقا سوى 8.000 منصب شغل في 2016، وأضاف التقرير بأن "مخطط التسريع الصناعي" الذي أطلقه وزير التجارة والصناعة مولي حفيظ العلمي لم يخلق سوى 23.000 منصب شغل خلال سنتين من انطلاقه في 2014 والذي من المفترض أن ينتهي سنة 2020 مع خلق 500.000 منصب شغل وهو الهدف الذي حدد له من طرف الحكومة، ووزير التجارة والصناعة بالخصوص.
مولاي حفيظ العلمي، وزير التجارة والصناعة وصاحب "مخطط التسريع الصناعي"، لم يهضم هذه الأرقام المعلنة إعلاميا ورسميا من طرف المندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب، مما دفعه إلى القيام بدراسة ميدانية لمناصب الشغل التي تم إحداثها منذ انطلاق الخطة، وذلك بإشراك كل مندوبيات وزارته في كل جهات المملكة. وأكد بعد ذلك بمطابقة الأرقام والإحصائيات المحصلة من الدراسة مع أرقام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي  الخاصة بالتشغيل. وتفيد أرقام وزارة الصناعة التي تم تقديمها في مجلس وزاري للحكومة مؤخرا بأن "مخطط التسريع الصناعي" أحدث 89.884 منصب شغل في سنة 2017 وذلك بزيادة 13.657 منصب شغل عن العدد المحدث في سنة 2016. وبأنه على هذا الأساس فإن المخطط المذكور يكون قد خلق في الإجمال 218.500 منصب شغل خلال السنوات 2015، 2016 و 2017. وبالتالي فإن الهدف المحدد في أفق 2020 والذي هو 500.000 منصب شغل سيتم تحقيقه بل وتجاوزه إذا سارت عجلة التشغيل على هذه الوتيرة.
بطبيعة الحال، سارع المندوب السامي للتخطيط إلى الطعن في هذه الأرقام، بل واتقد حتى منهجية إجراء الدراسة، ومعلنا أن مؤسسته هي الوحيدة المخولة بالقيام بمثل هذه الدراسات القطاعية وبأن أرقام وإحصائيات مصالح إدارته هي الصحيحة والتي لا يرقى إليها الشك، بل وخاطب رئيس الحكومة في هذا الشأن طالبا منه الاقتصار على اعتماد نشر أرقام المندوبية فقط .
ما الذي سنصدق من بين أرقام المؤسسات الحكومية الثلاثة؟
أما كان من الأجدر من خبراء هذه المؤسسات الاجتماع بينهم ومقارنة معطياتهم والطرق التي يشتغلون بها قبل الخروج إلى الإعلام بأرقام وإحصائيات لا يعلم أحد أيها أصح وأكثر دقة؟
هذا التعامل غير الشفاف أو الاستعمال المغرض للأرقام والإحصائيات لإعطاء نوع من المصداقية لبعض الخطابات السياسية أو الدراسات الموجهة يتعامل مع عقول الناس ببلادة واضحة، وتكون النتيجة أن الأرقام التي تعج بها البلاغات الرسمية وحتى بعض المواقع الخاصة تبقى غير قابلة للتصديق وتدفع الناس إلى البحث عن الحقيقة من مواقع أخرى وربما خارج القنوات المحلية العمومية منها أو الخاصة، والتي عادة ما تكون لها مرامي أخرى غير صادقة كذلك في تفسير وتوجيه الأحداث المحلية.
هذا عن الأرقام في حد ذاتها، أما التفسيرات التي تعطى لها من طرف كل جهة فقد تصل إلى حد الكذب والادعاء، وهذا أخطر بكثير. ولأن عموم المواطنين لا يمتلكون آليات التعامل المنطقي والتحليلي للأرقام والمعطيات الإحصائية التي تغير علينا بها كل يوم وسائل الإعلام المختلفة، فإنهم عند فقدهم الثقة في مصداقية الأرقام وتحليلها ينصرفون عنها إلى ما يهمهم أكثر في حياتهم اليومية وتحصيل قوت عيشهم، وهذا ما يفسر العزوف الجماعي الكبير لقطاع واسع من الجمهور للخطاب السياسي الرسمي والحزبي في المغرب، والذي يزداد مع تنامي ظاهرة الاستخفاف بعقول الناس بنشر معلومات وتحاليل سرعان ما تظهر معلومات أخرى تناقضها وتدحضها من الفريق المعارض.
التحليل العلمي والمنطقي للأرقام والإحصائيات يتطلب قبل كل شيء التجرد من أي نية مسبقة بتوجيه المعطيات أو تحليلها حسب الأهواء والميول السياسية، لأن عملية الاستغباء التي يريد أن يمارسها علينا بعض أدعياء الاحتراف السياسي من خلال تقديم الأرقام التي تخدم مصالحهم الضيقة لن تؤدي سوى إلى تضخم أعداد المقاطعين والعازفين عن المشاركة في الاستحقاقات التي تعلنها الدولة رغم كل جهودها لحشد اهتمام والتزام أكبر للجمهور، أيا كان نوع هذه الاستحقاقات وخصوصا الانتخابات التشريعية أو المحلية.
عزيز رزنارة
الشارقة في 30 مارس 2018

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا