-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

أحمد بميمون : صلاة لرجال لم يموتوا

سأكون في الظاهر متعباً، كأي رجل عاد لِتَوِّه من سفر طويل، لم يكن مرهَقاً كلياً، بل كان يملك قدراً هائلاً من هدوء يكفيه ، ليحصي تلك الأعداد الغفيرة من الناس ، الذين منهم من نسوا أنفسهم في غمار حياة لم تذهب بهم أبعد من العمل على توفيرما يكفي من زاد لإسكات جوع الصغارمن أبنائهم.
ومنهم من لا يزال لهم ذلك الهدوء المعهود في أهل مدينتهم، تعكسه وجوههم،وإن كانوا في باطنهم يحيون وقائع قلق جهاديين، لذلك تراهم يجرون بدون إرادة منهم إلى احتلال مواقع في الصفوف الأولى من بين مصلين ، في مساجد لا يؤمها سواهم، يعز عليهم أنها تكاد أن تكون مهجورة لولا اعتدال بضعة أشخاص في صفوفها الثلاثة الأولى، فيمتلئون حقداً على من مروا بهم على الطرقات ، وهم غارقون في شؤونهم التي تستعجلهم .
هؤلاء الجهاديون لا يعرفون سبيلاً للسلام على غير أشباح لامرئية ، ربما حسبوها ملائكة ، أو أطياف رجال من زمن بداوة خانق.
ولن أغذ السير مطلقاً للاجتماع مع مرضى يتطلعون إلى تولِّي أي منصب لتحمل الشأن العام، وهم في الحقيقة مهمومون أكثر من سواهم بشؤونهم الخاصة الأضيق من أي أفق يرونه ، ولا يريدون أبعد منه ولو حاصرته أضواء شموسه كل صباح.
إنني سأجري إلى مقبرة المدينة التي لا أحب إليّ منها لاستدعاء من بادر بالرحيل عنا بغتةً ، بينا كنتُ على سفر، والجلوس إلى من لم أقابله في ايامي الأخيرة قبل مغادرتي ، من رفاقي وأصدقائي ، ومن كانت وجوههم مألوفة لدي ، وكان وجهي لديهم أليفاً ، وإن كنا في كل لقاءاتنا لا نتبادل التحية إلا بإيماءات حيية ، كما يفعل أي حييِيٍّ مع صفيِّه الحيييّ على الضفة الأخرى من الطريق، فهاهم الآن قد أصبحوا على الطرف الثاني من الكون، في لحود بُنِيت على عجل،للإسراع في إكرامهم ، كما يزعم المتكسبون من حفاري القبور، ويفرح بعض ذويهم، إذ لم يحدث في أية لحظة من حياتهم أن لوّحً أحدٌ بتكريم أي منهم.
وسأدعو موتاي جهاراً إلى الانتفاض من أجداثهم، ممتليئاً رعباً مما سييغمرني من تعجب ، فمعظم موتاي كان يحمل اسم أحمد ومحمد،
من ظلام ثقيل يعم قطعة الأرض هذه التي تحتضنهم،
فأعجب حتى وهي تحت ظلال أشجاربأوراق تنتسب إلى ربيع آخر أعوام هذه الفانية،
فاصيح : يا آخر الأموات من أصدقائي وأهل مدينتي 
عجلوا بإغلاق أية فجوة وأية ثغرة في جدار هذا العالم، 
حتى لا يتسرب شيء من ظلمات دنيانا التي تركتم ،
ولتفيضوا على ليل مغانينا من بعض مصابيحكم التي لن تنطفيء،
علَّـنا نبصر لخطانا طريقاً إلى حيث لا حرب ولا اقتتال
ولا تفجيرٌ يعصف بحياة أبرياء في أيِّمكان.
فما زالت اطيارنا تدعو لكم، صباح مساء، وإن كنتم لا تسمعون.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا