الدراسات حول أزمة العمل السياسي في المغرب كما في باقي دول العالم المتخلفة بالخصوص كثيرة لا حصر لها. لكن جانبا مهما وخطيرا ما زال بعيدا عن هذه الأبحاث ولم تتطرق له إلا نادرا.
يتعلق الأمر بالجانب النفسي في العمل السياسي وبالضبط الانحرافات النفسية التي تصيب المدمنين من رجال السياسة على الكراسي والسلطة.
مناسبة الكلام، الرجة الكبيرة التي أحدثتها مقاطعة فئات عريضة من الشعب المغربي لثلاثة رموز معروفة من المواد الاستهلاكية أعقبتها تصريحات مستفزة لبعض المسؤولين واصفة المقاطعين بالمداويخ والقطيع وأخيرا الخائنين للمصالح العليا للوطن!!! (ما هذا؟؟؟)
لنتوقف قليلا أمام هذه التصريحات ولن نحتاج إلى عميق تفكير لنكتشف الملاحظة التالية:
النظام السياسي المغربي بدأ يفقد أعصابه بالكامل وجنون العظمة يسري بلا انقطاع في أوصاله!
بتعبير آخر، فشهوة السلطة الجامحة طمست كليا ما بقي من إبصار السياسيين للطبقات الشعبية من المجتمع المغربي ولهمومها. انه نوع من التعالي على الجميع واحتقار العامة لدرجة العمى والصمم. ولن نبالغ إذا قلنا أن هذه الطبقة السياسية لا ترى في الشعب المغربي سوى كثلة جامدة لا تصلح إلا للرفس والعجين وفق أهوائها المقدسة.
هكذا إذن وبدون مواربة، هم طبقة الأسياد والباقي عبيد ولا يحق للعبيد التطاول على أسيادهم كما في العهود الغابرة.
وللتدليل على ما نقول نورد مقتطفات من الدراسة التي قام بها المحلل النفسي الفرنسي Henri Bernicardفي إطار أبحاث المركز الفرنسي للخبرة حول السلطة.
le CEPREP centre
d'expertise des pratiques et des relations de pouvoir- Toulouse
تشير هذه الدراسة إلى أربعة أعراض رئيسية لمرض السلطة:
1- الإدمان : لكراسي السلطة تأثير خفي وكيميائي كما المخدرات ومن ذاق هلوستها لا يستعيض بغيرها عنها.Le pouvoir addictif
2- الشهوة : حلاوة السلطة كالشبق في المعاشرة الجنسية لا يصمد أمامها إلا القلائل. إنها تستثير كامرأة فاتنة كل من يقترب منها بله من يضاجعها ! le pouvoir aphrodisiaque
3- السعادة : من يتحكم في الرقاب كمن يمتطي صهوة حصان أصيل ممشوق القوام في حلبة سباق يتقدم الكل بزهو وافتخار. Le pouvoir anxiolytique
4- le pouvoir désinhibant : أي الكابح للآلام والمعاناة الوجودية لأن صاحب الكرسي لا يفكر إلا في الحفاظ على الكرسي مهما كلفه الثمن ولا وقت لديه للتأملات الفلسفية حول الحياة الإنسانية.
لا غرابة إذن والحالة هذه أن تتمسك الطبقة السياسية لدينا بكراسيها وأن تنعث الشعب المغربي بكافة الأوصاف لأنه لا يعدو أن يكون في نظرها كثلة من الصراصير كما في الرواية المعروفة للكاتب التشيكي فرانز كافكا la métamorphose
وإذا علمنا أن السلطة أساسا وكما يقول عالم الاجتماع ماكس فيبر ما هي في الحقيقة سوى عنف قانوني،
"le pouvoir, c'est l'usage légitime de la violence" Max Weber
جاز لنا أن نتساءل إلى متى سيظل هذا الفعل الإنساني غائبا عن الدراسات الطبية وخصوصا الاضطرابات النفسية منها بالنظر إلى الكوارث الجسيمة التي يؤدي إليها هذا السلوك والذي يجب أن يسيج بمجموعة من الضوابط والضمانات القانونية وغيرها لكي لا ينفلت كحيوان مسعور ينهش كل من يعترض طريقه.
بتعبير أدق، فالمهووس بالسلطة والمتمسك بتلابيبها مهما كلفه الثمن ما هو في الحقيقة سوى مريض نفسي بربطة عنق أنيقة ! ومكانه الطبيعي ليس في الهيئات التشريعية أو التمثيلية أمام العدسات والميكروفونات بل في المصحات النفسية لتلقي العلاج من إدمان الكرسي !