-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

حاجتنا المُلحة إلى الأدب - ذ. رشيد سكري


قال عميد القصة أحمد بوزفور : إنّ القصة طفلة في الأدب.
  لن يختلف اثنان حول جدوى الأدب في الحياة ، بل لن يختلف اثنان حول المغزى ، الذي يحفره الأدب في وجدان الإنسان عبر التاريخ . فما الإنسان إلا ذاك الكائن الحكَّاء ، الذي يتوسل بالظواهر الأدبيّة ، بُغية أن يصل إلى أهداف و مرام محددة سلفا .
بالإضافة إلى أن الإنسان لن يستطيع أن يتخلى قيد أُنملة عن جوهر الأدب ؛ بمعنى أنه يسعى إلى توظيف ، في تواصلاته اليومية ، مختلف المكونات الأساسية للأدب . فتارة يصف و تارة أخرى يسرد وتارة أخرى يحاور ؛ لذلك قال إفور ريتشاردز في كتابه " معنى المعنى " : " إن الإنسان كائنٌ أدبيٌّ بامتياز" .
  إننا بهذا الشرط نلج عالم الحكي عن طريق جنس القصة القصيرة ، مادام الحكي شرطا وجوديا ، ومادامت القصة بؤرة تنطوي على مختلف أجناس الأدب. فضلا عن أن القصة حوار و تشكيل دلالة و إبداع معان . فلا غلو إذ قال بوزفور : إن القصة طفلة في الأدب ؛ لأن سوسيولوجية الطفولة ترتبط ، في الأذهان ، باللعب و البراءة و مَيْعة الصبا . ومنه فنظارة الطفولة وجهٌ آخرُ للجمال ، الذي لا يستقيم عوده  من دون هذه المرحلة العمريَّة ، التي يمر منها الإنسان . فالجمال في الحكي تختزنه القصة القصيرة عن طريق الحلم المنيف ، الذي يراود شخوصها  وأفضيتها و الطموحات الكبيرة ؛ التي تسكن روادها .
ففي سبيل هذا المعطى ، نفهم أن للإبداع  تركيبا كيميائيا ؛ فهو مزيج من التفاعلات و تبادل التأثير و التأثر واقتناص اللحظات الهاربة ، وكل هذا يجب أن يصطبغ برؤية فنية مبهمة المصدر. بما هي اللحمة التي تخيط نسيج الإبداع . في هذا السياق فالرؤية للعالم ، حسب لوسيان كولدمان ، هي رؤية فنية ـ جمالية بالأساس . لذا ظلت القصة من بين الأجناس الأدبيّة الأكثر تجسيدا لهذا المعطى الأدبي . علاوة على ذلك ، فالمسعى الرئيس هو الذي يسمح لنا أن نطل من خلاله على مكونات الأدب برمته ، وتجعل من النص نصا أدبيا . فالرؤية الفنية ـ الجماليّة تبغي بلاغة الإمتاع كشرط أساس في تحسين التلقي الإبداعي. بيد أن الإمتاع يجب أن يكون حاضرا في القصة و الرواية و الشعر والمسرح والتشكيل والسينما ... فلا يستقيم عود الجماليّة من دون بلاغة الإمتاع ، بما هي فصيل بلاغي بامتياز.
    بالموازاة ، فالبنية و المكونات ، تخول لنا تأطير القصة القصيرة  من حيث هي جنس أدبي . يضع هذا التأطير اليد على أهم الأسس ، التي لا يستقيم فن القص من دونها . فكما يقول أحمد بوزفور : إن القصة طفلة الشخصيات . فهذا يؤشر على أن هذه الأخيرة ، كمكون أساس في الحكي القصصي ، تقذف الجمال في سدى النص . بمعنى عندما تتناول القصة شخوصا منبوذة و مهمشة فهي تصيّر القبيحَ جميلا . و يصبح لهذه الفئة المنسيَّة والمتجاوزة في النسيج المجتمعي صوتٌ ومكان في التلقي القصصي . أو عندما تلهج القصة ، حسب بوزفور دائما ، بماسحي الأحذية أو بائعي الضطاي أو الفراشين أو الشواش أو النـُدَّل ، فهي تسحب بهم البساط نحو بقعة الضوء ، و تمسح على وجوههم غبش العتـْمة . غير أن الشخصيات ذات تركيب مختلف و متباين ، يتمظهر وجودها في السرد عن طريق هذا الاختلاف ، الذي يرمي بظلاله على المذاهب و الأيديولوجيات و الثقافات  والحضارات الإنسانيَّة على مر التاريخ . فلامناص إذن ، من البَوح بالدور الخطير الذي تلعبه الشخصية في نسيج السرد. علاوة على ذلك ، فدينامو الحكي مصدره الرؤية التي تتمتع بها الشخصية للزمن و الفضاء و الحدث السردي كمكونات أساسية في إبداع دلالة المحكي . فإبداع شخصية في القصة يكون ارتباطها بالتاريخ ارتباطا قويّا ، حيث تصبح ، من هذه الزاوية ، وثيقة تاريخية شاهدة على العصر . فضلا عن القص الذي يفيد من التاريخ بشكل مباشر .   
إلى جوار ذلك ، يكتسي الفضاء القصصي وجها آخر للمتعة الجماليّة ، التي يبتغيها المتلقي. إن الفضاء في القصة ينسجم والأحداث ، بل يتماهى معها إلى حد التلاحم و التواشج . فأفضية القصة تتراوح ما بين الحقول و النجوم و المدينة و القرية و البادية و الشوارع  والدروب و الأزقة ... تعكس ، بذلك ، وجوه شخصيات القصة . وفي هذا المضمار يصبح الفضاءُ القصصي خاضعا للرُّؤية الفنيَّة على غرار رؤية العالم . علاوة على ذلك يتحول الفضاء القصصي من مكان ضيق إلى مكان مفتوح  وغير متناه أو العكس ، بما هو الفضاء الفني حيث يرسم فيه القاصُّ الوجوهَ و الأمكنة والظلالَ . إلا أن الحيز في القصة يكتسي خصوصيّة نفعية من جهة و إمتاعيَّة من جهة أخرى ، عندما يتحول إلى كائن يتنفس ويعيش ويشرب ويتناسل أيضا ... فهو ينمو بنمو الأحداث ويخبو ضوؤه  ـ أي الحيز ـ بتقلصها. لكن يمكن للفضاء ، حسب  الدكتور عبد المالك مرتاض ، أن يُعذَبَ كما يُعذَّبُ الكائنُ الحيُّ ، خصوصا عندما يجنحُ القاصُّ نحو الغابات الكثيفة  و الجبال الشاهقة ، والفلاة الموحشة  والفجاج السَّحيقة  والكهوف المظلمة .
   فهذه المكونات تدفعنا إلى الإقرار بأن الإنسان بحاجة ماسَّة و دائمة  إلى الأدب بعامة  وإلى الحكي بخاصة . ومن أجل ذلك فهو يتنفس عَبق النشاط الأدبيّ الجماليّ ، سيما وأنه مُجبلٌ على العيش و التواصل الجيد داخل مجتمعه و منظومته . فلدوحة الأدب ، إذن ، عريشٌ  وفيـْئ ممتد يسعُ لكل الحساسيات الإنسانيَّة ، مادام الإنسانُ مبدعا ؛ و مادام الإنسانُ متفاعلا.       


عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا