-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

الأمازيغية والإسلام السياسي وقضايا الهوية - محمد أيت بود

قراءة في كتاب الباحث رشيد الحاحي
عن شركة درا ميديا للنشر صدر للباحث والكاتب المغربي رشيد الحاحي كتاب جديد تحت عنوان "الهوية وقضايا الأمازيغية والإسلام السياسي والحريات "،
وهو الكتاب السابع للباحث ضمن سلسلة من الإصدارات التي تندرج في إطار البحث الفكري الرصين والتي أثارت نقاشا كبيرا منها "الأمازيغية والسلطة، نقد استراتيجية الهيمنة"، "الأمازبغبة والمغرب المهدور"، "النار والأثر" دراسة أنثربولوجية...-، والكتاب الأخير يقع في مائة صفحة بالإضافة اٍلى البيبلوغرافيا والفهرس، ويتضمن مقدمة وخاتمة وأربعة فصول هي: الهوية في إطار نظري متعدد، الهوية في الخطاب الأمازيغي، الهوية والجمهرة وأبعادهما في خطاب الاٍسلام السياسي، والحقوق والحريات بين هاجس الهوية والتحديث.
يطرح الكتاب إشكال الهوية من خلال مقاربات متعددة ، أنثروبولوجية وسوسيولوجية وسيكولوجية ، بمعنى أن الكتاب يمكن اعتباره ملتقى مقتربات منهجية متعددة ، تناولت موضوع الهوية اٍنطلاقا من مقاربات معرفية متعددة –Approche multidisciplinaires ، وهذا مؤشر هام على نضج الكتابات الفكرية للحركة الأمازيغية بالمغرب التي يعتبر رشيد الحاحي أحمد منظريها، وتعتبر إنتاجاته من الكتابات الفكرية والسياسية التي يمكن اعتبارها تأسيسية في هذا الصنف من الكتابات، خاصة فيما يتعلق بالمضمون الفكري والثقافي للحركة الأمازيغية ، والتي كانت تقتصر في البداية على تدوين الأشعار التراثية وتوثيق بعض العادات والتقاليد والاٍهتمام بالقيم الرمزية للثقافة الأمازيغية. لهذا أعتبر من منظوري الشخصي أن كتابات الأستاذ رشيد الحاحي هي من الكتابات الرصينة، ليس على مستوى بلاغة اللغة وتجريديتها فحسب، بل وعلى مستوى المضمون الفكري الذي يعانق قضايا متعددة ويتطرق لاٍشكاليات متنوعة تسم الخطاب الأمازيغي في علاقته بالخطابات الأخرى سواء المهادنة أو المناوئة، لهذا فهذا الصنف من الكتابات أعتبره شخصيا طفرة نوعية في مجال التنظير الأمازيغي الذي كان يفتقر في السابق إلى هذا النوع من الكتابات، بحيث حصن موقعه ضمن سياق السوق الأيديولوجي بتعبير بيير بورديو الذي كان يفتقر إليه في السابق نظرا لاحتكاره من طرف الحركات الإسلامية واليسار القومي .
ينطلق الكاتب من المرجعية الحقوقية والديمقراطية للخطاب الأمازيغي، كخطاب أنتجته الإطارات الجمعوية الأمازيغية منذ ما يربو على ثلاثة عقود، وهنا أود أن أطرح سؤالا، هل يجوز الحديث عن الحركة الجمعوية الأمازيغية بصيغة المفرد أم بصيغة الجمع ؟ وهل هناك خيط ناظم لخطاب الحركة الأمازيغية أم هناك تعدد للخطابات الأمازيغية ؟ هذا سؤال جوهري محدد لا أجد حرجا في طرحه، خاصة أمام تعدد الاٍطارات الجمعوية – المدنية الأمازيغية ، وتعدد منطلقاتها الفكرية والأيديولوجية والحقوقية، الجمعيات التنموية، جمعيات تعنى بقضايا الأرض والثروات والمجال ...الخ ، وهذا السؤال سوف يدفعني اٍلى طرح سؤال آخر له ارتباط واقعي بالسؤال الأول ألا وهو : هل تساهم الحركات الأمازيغية في تغيير منظومة القيم والحياة الاٍجتماعية والسياسات العامة، ومن أي منظور ؟
يطرح الكاتب هذا الاٍشكال وهو ينطلق من السؤال الأنثروبولوجي والسوسيولوجي حول الهوية، و يقدم من منظور المنهج التحليلي النقدي، نقدا لأطروحة عبد الله حمودي حول الهوية، و يحاول أن يطرح مشروعية –La ligitimité الخطاب الهوياتي الأمازيغي، في مسعى للإجابة عن السؤال: هل يجب أن يطرح النقاش حول الهوية بشكل عام، وما موقع الهوية الأمازيغية ضمن هذا السياق ؟ وهل يساهم هذا النقاش في دمقرطة المجتمع والدولة في المغرب ؟
يعتبر الكاتب أن حضور الحركة الأمازيغية كحركة مدنية داخل المشهد الحقوقي والثقافي والسياسي المغربي، يعتبر حضورا له فاعلية ودينامية، لكنه مرتبط بسؤال مدى اٍمكان القدرة على القول أن هذا الحضور يعتبر قيمة مضافة للمشهد السياسي المغربي الموسوم بالتعدد والاٍختلاف، ولكن في إطار صراعي، بمعنى أن هناك مهيمنون ومهيمن عليهم، بحيث يمكن اعتبار الهوية الأمازيغية من منظور نظرية الصراع لدى بيير بورديو، من هذا المنظور مهيمنا عليها، وهذا ليس حكم قيمة مجاني، أو موقف أيديولوجي نابع من الاٍنتماء والاٍصطفاف، بل هو مرتبط بما يسميه أنطونيو غرامشي بالبنى الفوقية والبنى التحتية، فأين إذن تتموضع الهوية الأمازيغية، إن لم تكن تتموضع ضمن البنى التحتية ؟
هذا المعنى تحيل عليه نظرية إعادة الإنتاج الاٍجتماعي – La reproduction sociale لبيير بورديو، بحيث تمكن المدرسة وفق هذه النظرية من إعادة إنتاج التفاوتات الاٍجتماعية والطبقية، وهذا الأمر ينطبق على الهوية الأمازيغية، كهوية تعيش خارج مناخ الثقافة المدرسية العالمة، بل تعيش في الهوامش المنسية، والملغية من سياق التداول الثقافي، بالمفهوم العالم للثقافي، أي الثقافة العالمة مقابل الثقافة التقليدية، وهذا المفهوم الإقصائي للثقافة أصبح مفهوما كلاسيكيا متجاوزا، بحيث حل محله المفهوم التعددي والدينامي للثقافة.
اٍن طرح اٍشكالية الهوية، بالنسبة للباحث، بهذا الشكل، يجعله يشكك من منظور الكوجيطو الديكارتي في مشروعية الخطاب السياسي للحركة الأمازيغية، ويذهب بعيدا في طرح السؤال حول طبيعة خطاب الحركة الأمازيغية، وهل تمتلك بالفعل خطابا متميزا وتصورا لقضايا المجتمع والدولة ؟ وهل تعتبر قوة بارزة في الفضاء المجتمعي ومجالات الإنتاج والخطاب والممارسة ؟
اٍن حضور هاجس الفهم لدى الباحث، من منظور الوعي السيوسيولوجي الفيبري –نسبة لماكس فيبر- يجعله ينخرط في إشكال فكري جدلي، وهو يساءل خطاب الأمازيغية والاٍسلام السياسي ومجمل التقاطعات التي تسم الموضوع من قبيل التقاطع السياسي والحقوقي، وحضور هاجس الفهم يطرح بالنسبة للباحث إشكال السوسيولوجيا الفيبرية في تحليل دينامية الفعل الاٍجتماعي لدى الفاعلين في الحقل السياسي والثقافي ( الأمازيغي والإسلامي )، من منظور نظرية الصراع الماركسية – البوردية، ( نسبة اٍلى بيير بورديو). ويطرح أن منطلقات خطاب الحركات الاٍسلامية حول الهوية ليست منطلقات دينية منشؤها النص الديني المؤسس بقدر ما هي منطلقات أيديولوجية تختبئ وراء الذريعة الدينية في إطار دينامية الصراع الاجتماعي من أجل تحقيق غايات ومآرب لا علاقة لها بالدين، والدليل على ذلك هو أن غالبية الأمازيغ مسلمون سنيون، أضف إلى ذلك أن غالبية مناضلي حركات الإسلام السياسي هم أمازيغ. لكن ماذا نقصد بكلمة " أمازيغيون " كونهم يتحدثون باللغة الأمازيغية أي بإحدى لهاجاتها الثلاث أم كونهم أمازيغيون، بمعنى أنهم يتبنون الخطاب الثقافي والحقوقي للحركة الأمازيغية؟ أعتبر أن هذا السؤال لا يحتاج اٍلى جواب، إذن التخفي وراء " المقدس " الديني من أجل ضرب " المدنس " الدنيوي ، في خطاب وممارسة حركات الإسلام السياسي، ما هو اٍلا تمظهر سياسي مرتبط بالوجود الاٍجتماعي والسياسي، كحركات تملك مشروعا سياسيا له امتدادات اجتماعية وهوياتية تطرح نفسها كبديل للإطارات السياسية التقليدية خاصة اليسارية – القومية التي أفلست في نظرها سياسيا وفشلت في تحقيق التغيير السياسي والمجتمعي المنشود، و تعتبر أن الخطاب الهوياتي الأمازيغي ينسف منطلقاتها النظرية، نظرا لخطابه المغاير والذي يتأسس على فرضيات نسبية في طرحه للإشكال الهوياتي داخل الفضاء الاٍجتماعي والسياسي والثقافي بالبلاد. وبخصوص هذه النقطة يطرح الباحث مشكل التناقض الذي تسقط فيه حركات الإسلام السياسي وهي تحاول أن تسوق لمشروعها السياسي والفكري ذي الجوهر الهوياتي، فهي وكما يتضح للجميع حركات ليبرالية تقوم بوظيفة تنفيذ الأجندة النيوليبرالية من داخل أجهزة القرار السياسي الرسمية، ولكنها من خارج الجهاز الرسمي، تقوم بتسويق الخطاب التكافلي الإسلامي – الاٍجتماعي ، الذي يتأسس على التضامن الإسلامي، الذي يعتبر طوباويا وميتافيزيقيا، بالنظر إلى طغيان البعد الليبرالي ضمن المضمون السياسي والفكري لخطابها. هذا التناقض بين الممارسة والخطاب والسلوك، أفرز معضلات اٍجتماعية لم تستطع حركات الإسلام السياسي، على الأقل تلك التي تقود الاٍئتلاف الحكومي، أن تجد لها حلولا جذرية، بحيث أدى ذلك إلى بروز ظواهر اٍجتماعية مرتبطة بأنماط جديدة من التعبئة والاحتجاج من خارج منطق المؤسسات والإطارات أو الوسائط الحزبية التقليدية، والتي منها حركات الإسلام السياسي نفسها، بحيث وجدت نفسها وهي تحاول أن تلملم شعاتها الأيديولوجي المبعثر بين الولاء الأيديولوجي لدولة الخلافة الموعودة والتي سوف يتحقق فيها العدل ويتساوى فيها الجميع، وبين الممارسة الميدانية التي أثبتت محدودية العمل السياسي – الحزبي لهذه الحركات.
يطرح الباحث سؤال الهوية على المستوى المنهجي والمعرفي، بحيث يعتبر هذا السؤال بمثابة الخلفية الناظمة للدراسة الفكرية التي قام بها الباحث في هذا الإطار، وخلص من منظور الطرح الأنثروبولوجي لعبد الله حمودي والسوسيولوجي لأمين معلوف إلى أن مفهوم الهوية مفهوم نسبي ومتغير، وأجدني ملزما بتحديد المتغيرات المستقلة والتابعة للدراسة، والتي أعتبر أن مفهوم الهوية يظل متغيرا مستقلا، ومفهوما مركزيا مهيمنا على متن الدراسة من مبتداها إلى منتهاها، في حين تأتي مفاهيم الإستراتيجية والثقافة والدينامية والصراع، كمتغيرات تابعة.
يطرح الكاتب تعريفا لمصطلح الهوية من الناحية الأنثروبولوجية والسيكولوجية، ويربطه بحياة الإنسان وواقعه الاٍجتماعي، وتفاعله مع الآخرين سواء الذين يمتلكون نفس المقومات الهوياتية التي يمتلكها ويتقاسمون معه بالتالي نفس القيم الثقافية والرمزية، أو المختلفون معه من الناحية الهوياتية، ويطرح بهذا الصدد اٍشكال يرتبط بمفهوم الهوية يتمثل فيما يلي : هل لمفهوم الهوية بالكيفية التي طرحه بها الباحث اٍمتدادات سوسيولوجية ؟ وهل تشكل العادات والتقاليد واللغة والقيم الثقافية والرمزية اللامادية محددها الرئيسي ؟
اٍن التركيز على البعدين الثقافي الأنثروبولوجي والاٍجتماعي لمفهوم الهوية شكل الخيط الناظم للدراسة، بحيث اعتبر بمثابة الإشكال المركزي الذي تمحورت حوله الدراسة في كل مراحلها وفصولها.
كما هو معلوم فعودة مفهوم الهوية يرتبط بنهاية الأيديولوجيات وظهور ما يطلق عليه "خطابات ما بعد الحداثة – Discours de poste modernité ، خاصة مع الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ليوتار، والذي جمع بين النظريات الماركسية والتفكيكية والسيمايائية والتحليل النفسي، خاصة تأثره بلغويات دي سوسيور وبمنهجه البنيوي، وجون سان بيرس وبمنهجه السيميائي، هذه الخطابات صارت تختصر مفهوم الهوية في مجرد علاقات تفاعلية بين الأفراد، ما يطرح في نظرها سؤال العلاقة مع الآخر – L’autrui ، هل يجب أن يسودها السلام والمحبة والتعايش السلمي، أم هل هي محتومة بالصراع الأبدي؟
هذا السؤال عندما نضعه على مشرحة الفكر الأيديولوجي للحركات الإسلامية الراديكالية، خاصة تلك التي تتبنى الخط الجهادي الذي يرتكز على العنف، سوف لن نبذل الكثير من الجهد لكي نكتشف أن مفهوم الهوية لديها يرتكز على إلغاء الآخر المختلف، وإقصائه من المجال التداولي، ليس على مستوى الخطاب أو المستوى الدلالي فحسب، بل بالمعنى الذي يراد به نفيه من الوجود، لأن وجوده بالنسبة لمشروعها الفكري الأحادي وجود مقلق ومزعج .
يطرح الباحث من منظور الطرح الأنثروبولوجي للهوية عند عبد الله حمودي، مسألة دينامية مفهوم الهوية ومدى خضوعه للشروط المجتمعية والاٍجتماعية والثقافية والاٍقتصادية والسياسية أيضا، ويمكن لي بخصوص هذه النقطة أن أبدي رأيي الشخصي، والذي هو نابع من ملاحظة ميدانية بالمعايشة، وهو أسلوب سوسيولوجي مرتبط بالمنهج العلمي الاٍمبريقي، ولو أنه لم يتم توظيفه في دراسة علمية منظمة، ويتمثل في كون هذه المسألة تدل عليها ظاهرة التطور اللغوي في المناطق الناطقة بالأمازيغية، بحيث تحولت العادات اللغوية من الأحادية نحو التعددية، أمازيغية – دارجة ، أمازيغية – عربية فصحى ، أمازيغية – فرنسية، كما أن اٍستعمال القاموس الدارج أو المفرنس في وسائل التواصل الاٍجتماعي، يمكن أن يفسر على تغير الكثير من العادات اللغوية والثقافية في تلك المناطق، ويتطابق مع المفهوم الأنثروبولوجي والسوسيولوجي النسبي لمفهوم الهوية كما يطرحه كل من عبد الله حمودي وأمين معلوف .
اٍن طرح مفهوم الهوية من المنظور الديالكتيكي – الهيجلي ، أو الماركسي ، من قبل الباحث، يجعلني أستحضر مقولة صاحب كتاب " مبادئ أولية في الفلسفة " الذي قام بتقديم شرح مبسط في مدرسة العمال الباريسية للمنهج الديالكتيكي، والذي لخصه في أن فكرة "التاريخ يعيد نفسه " لا تنطبق على الفكرة البسيطة الموجودة في أذهان الناس ، بل تعني تطورا جدليا للكون، بحيث تؤدي النقطة ألف اٍلى النقطة ألف 1 ، وتؤدي النقطة ألف 1 اٍلى النقطة ألف 2 ، في حركة حلزونية دائرية ، تفضي اٍلى نقض الأطروحة الثانية للأولى والثالثة للثانية ، في حركة جدلية – ديالكتيكية ، ما يؤدي اٍلى تطور العالم باتجاه الكمال ، والحديث عن الاٍستراتيجيات من قبل الباحث، الظاهرة منها والخفية، المرتبطة بموضوع الهوية، دفعني اٍلى استحضار نظرية الفعل المزدوج لبيير بورديو ، بحيث تؤدي الاٍستراتيجية اٍلى محاولة نفي الاٍستراتيجية المضادة ، في حركة توليدية بتعبير هوسرل ، بالشكل الذي يؤدي اٍلى تولد الصراع، وهذه المسألة تناولها أيضا ميشيل كروزيه في دراسته حول الأساليب الحديثة للتدبير داخل المؤسسات الاٍنتاجية أو الاٍدارية بصفة عامة ، بحيث تنشأ ضمن علاقات صراعية وتضامنات، استراتيجيات الفاعلين في نسق مغلق ، وتؤدي اٍلى استمرار النسق. ولكون الاٍستراتيجية لها علاقة بالمستقبل البعيد وكيفية تدبير الحاضر للاٍشكاليات المطروحة على المدى البعيد، هذا الأمر يحيل على فكرة النسق كما تناولها منظرو النظرية الوظيفية – البنائية ، رواد مدرسة فرانكفورت وهم تالكوت بارسونز ودافيد اٍستون وكابرييل ألموند وروبرت ميرتون ، بحيث تؤدي دينامية الفاعلين في اٍطار التفاعل من منظور الاٍستراتيجيات اٍلى ديمومة وتكيف واستقرار النسق.
فهل تساهم الهوية الأمازيغية كما تطرحها الحركة الأمازيغية في اٍستقرار النسق ؟ وهل يساهم الخطاب الأمازيغي بدوره في استقرار النسق ؟ أي هل يطرح مدخلات يحولها النظام السياسي اٍلى مخرجات السياسة العمومية المرتبطة بالمسألة الأمازيغية ، بالشكل الذي يؤدي اٍلى الاٍستجابة ضمن الحدود العقلانية للنظام السياسي لمدخلات الحركة الأمازيغية المتعلقة بالاٍشكال الهوياتي ، بالشكل الذي لا يؤدي اٍلى مخرجات تحل كل الاٍشكال المطروح ؟
اٍذا كان الأمر كذلك، فالخطاب الهوياتي الأمازيغي يشتغل اٍذن ضمن حدود النسق السياسي، ولا يمتلك آليات التغيير الحقيقية، لأن الاٍشتغال وفق المقاربات المنهجية الوظيفية لا تساهم اٍلا في استقرار النسق السياسي ولا تساهم في التغيير، وهذا ما أدى بالباحث اٍلى البحث في المقتربات الأنثروبولوجية والسوسيولوجية التي تشتغل بواسطة المنهج الأنثربولوجي لكل من عبد الله حمودي وأمين معلوف، بما يمكن أن يساعد على جعل عنصر الهوية عنصرا ديناميا، وجاءت فكرة الاٍشتغال على العناصر المنهجية والمعرفية من خلال كتابات جاك دوري لتجاوز الاٍشكال المنهجي الذي يطرحه عبد الله حمودي ، فالهوية وفق مقاربته الأنثروبولوجية البنائية والتاريخية ، معطى نسبي وليس معطى تابثا، واعتبار خطاب الحداثة والهوية في هذه الكتابات عنصرا بنائيا وتاريخيا ، يخلع عليها عنصر الدينامية والفعل الأنثروبولوجي والثقافي المرتبط بالتحول والتفاعل L’interaction .
اٍن اعتبار الهوية عنصرا ديناميا وفق المقاربة الأنثرووبولوجية البنائية والتاريخية لعبد الله حمودي ، يريد أن يصل اٍلى أن مفهوم الهوية الأمازيغية مفهوم ميتافيزيقي، ذلك لأن مكونات الهوية التي هي : اللغة ، والمعتقدات ، والقيم الرمزية اللامادية ، كلها تشكل بناء متجددا باستمرار في اٍطار دينامية الفعل الثقافي ، وهذا الفعل يشمل كل أشكال الهدم والتحريف الرمزي، وهذه اٍحالة أخرى على نظرية اٍعادة الاٍنتاج الاٍجتماعي لبيير بورديو .
فالبعد الميتافيزيقي للهوية يناقض البعد السوسيولوجي عند عبد الله حمودي ، الهوية عند أمين معلوف ترتبط بالشخصية المتعددة الأبعاد والاٍنتماءات على المستوى الاٍجتماعي والديني والثقافي ، لهذا فهو يطرح مفهوم الهوية الشخصية في مقابل الهوية الجماعية، فالزواج المختلط مثلا ومدى تأثيره على الهوية الشخصية يمكن اٍعتباره نوعا من التفاعل بين هويتين شخصيتين، وهذا التفاعل ينتج عنه تأثير وتأثر. ماكس فيبر على سبيل المثال يصرح أنه أخذ من أمه خصائص العقيدة البروتستانتية ومن أبيه خصائص البيروقراطية الألمانية، بيد أن أمه كانت تعتنق العقيدة البروتستانتية، في حين كان أبوه رجل الإدارة البيروقراطي الذي لا يأبه بالدين ، فكان لذلك تأثير واضح على فكر ماكس فيبر الذي أنتج فكرا متعدد الأبعاد ، تمت ترجمته اٍلى أعمال فكرية ، كان خيطها الناظم هو محاولة التوفيق بين الهويتين المتناقضتين والمتصارعتين لوالديه ، فكان كتاب " الأخلاق البروستانتية وروح الرأسمالية " ثمرة تأثره بهوية والدته، في حين كان كتابه " الاٍقتصاد والسياسة " بمثابة تنظير للبيروقراطية الاٍدارية التي تأثر بها عند والده .
يمكن في هذا الصدد بسط مثال الهويات المتعددة في المغرب مثلا ، بالقول بوجود هويات متعددة هي : الأمازيغية والعربية والاٍسلامية والأندلسية والصحراوية والموريسكية والمتوسطية، وهي أبعاد هوياتية بقدر ما تم تجسيدها في دستور 2011 ، بقدر ما كانت ثمرة اٍجتهاد الخطاب الأمازيغي الذي كشف النقاب عن هذا الطابو الهاوياتي الذي ظل مسكوتا عنه ردحا من الزمن ، فهل يمكن القول اٍنطلاقا من هذه الحقيقة الاٍمبريقية على أن المغربي الحالي هو اٍنسان متعدد الهويات بشكل بعيد كل البعد عن التعالي الهوياتي والتأليه الميتافيزيقي للبعد الهوياتي ؟
من هذا المنظور، هل يجب أن أن تكون الهوية عنصرا للتعايش والسلام أم عنصرا للاٍختلاف والصراع ؟ ومتى تكون الهوية عنصرا للصراع ؟
يطرح الباحث جملة من الاٍشكاليات المرتبطة بهذا الموضوع ، ولهذا فالخلاصة التي يمكن أن يهتدى اٍليها ضمن هذا الخضم ، هي أن الهوية لا غرو تكون عنصرا للصراع عندما تكون في مواجهة الهويات الكاسحة ، خاصة اٍذا كانت الهويات المحلية وذلك اٍنطلاقا من الاٍستراتيجيات الهوياتية الاٍستيعابية لبعض أبعادها على حساب الأبعاد الأخرى تحاول أن تكتسح المجالات الخاصة بالهويات الأخرى المساكنة، غير أن اكتساح هوية العولمة الليبرالية أصبح يطرح بدوره اٍشكالا من نوع آخر، ويدفع بالتالي بهويات التخوم نحو المزيد من التعبئة حتى لا أقول التشدد.
يطرح الباحث بهذا الصدد مفهوم القرية الكونية ، حيث أصبح البعد الهوياتي المرتبط بالاٍطار المرجعي المعولم يكتسح ، ويعمل بدون هوادة على عولمة النمط الثقافي والاٍستهلاكي الليبرالي، لكن السؤال الذي أراه جديرا بالطرح بهذا الخصوص هو " هل يمكن للهوية أن تكون مدخلا للأنسنة ؟ ومتى يتم ذلك ؟
في ظل معادلات التأحيد والاٍلغاء يصبح مفهوم التعدد والنسبية طوباويا ، وتصبح مفاهيم الحرية واقتسام المجال والثروات مجرد كلمات تلاك في المنتديات الفكرية بدون أن يكون لها أثر على المستوى الاٍجتماعي، هذا الأمر سوف يجرنا مباشرة اٍلى القول بأن الإشكال الهوياتي يتأثر بزوايا النظر وبالمقتربات المنهجية التي تتناوله، والتي يطغى البعد الأيديولوجي على أكثرها، خاصة عندما نتلكم عن علاقة الهوية بالسلطة السياسية والنظام السياسي وشرعيته، حينئذ يغدو المفعول الأيديولوجي للأسطرة مشتغلا لخدمة مقولة الاٍستمرارية ، وهنا نعود من جديد اٍلى أزمة المنهج الوظيفي – البنيوي ، لهذا فأنا أعتقد أن الباحث وهو يحاول أن يساير الطرح الأنثروبولوجي للهوية عند عبد الله حمودي ، والطرح السوسيولوجي عند أمين معلوف، لا يخفى عنه البعد الصراعي الهوياتي بالمغرب، خاصة مع استحضار الحركة أو الحركات الأمازيغية والحركات الإسلامية، فمفهوم الهوية عند الطرفين هو على طرفي نقيض تماما، لأن المنطلقات الفكرية لكليهما مختلفة بشكل جذري ، فبينما تنطلق الحركة الأمازيغية من الفكر النسبي ، تنطلق الحركات الاٍسلامية من الفكر المطلق .
يطرح الباحث أيضا مسألة من الأهمية بمكان، ألا وهي المنظور الفكري لمفهوم الهوية عند عبد الله حمودي ، ونقده للطرح الأمازيغي لهذا المفهوم والذي يقول عنه اٍنه ميتافيزيقي ، بحكم أن اعتبار البعد الأمازيغي هو أصل الشخصية المغربية ، بالنسبة اٍليه هو نوع من ضرب لحرية الناس في الاٍختيار، بحيث لا يمكن اٍسقاط البعد الهوياتي الأمازيغي على أولئك الأشخاص الذين لا يعتقدون أن لهم أصولا أمازيغية ، وينتقد عبد الله حمودي الطرح الأمازيغي للهوية الذي يسمها بالجمود وينزع عنها عنصر النسبية والدينامية، وهو ما يطرح بالنسبة اٍليه اٍشكال الهوية المنسجمة والمتناغمة والموحدة ، أي الطرح الميتافيزيقي للهوية في مقابل الطرح السوسيولوجي الذي يتسم بالدينامية والتفاعل.
يرد الباحث على هذا الطرح، أي ضرورة الاٍعتراف بنسبية عنصر الهوية بالمغرب ، وديناميته ، وتعدديته ، والاٍبتعاد عن القول بأن البعد الهوياتي الأمازيغي يشكل أصل الشخصية المغربية ، وهو يقصد نقد " كتاب محمد شفيق " حول هذا الطرح ، وفي المقابل يطرح الباحث في مقابل ذلك ، أربعة أبعاد للهوية بالمغرب وهي: الطرح التاريخي للهوية، الاٍمتداد الزمني لها في المجال والواقع المعاش، وتفاعلها مع مجموعة من الهويات والروافد الهوياتية .
يطرح بهذا الخصوص السؤال التالي : كيف يمكن للهوية في المغرب أن تكون عنصر الوحدة الوطنية على المستوى الوجداني ؟ بمعنى هل يستطيع الموريسكي مثلا أن يتقاسم نفس الشعور والإحساس والقيم والذوق مع الأمازيغي ؟ بحيث يشعر بأن القيم الهوياتية للأمازيغي هي جزء من شخصيته ؟ وهل يمكن للأمازيغي مثلا أن يتذوق الموسيقى الأندلسية وأن يعتبرها جزءا من ثراثه الوطني ؟ وهل يمكن أيضا للموريسكي أن يتذوق موسيقى الروايس وأن يعتبرها جزءا من ثراته الوطني ؟ والأمر نفسه ينطبق على الصحراوي والعروبي والاٍفريقي واليهودي ...الخ
يطرح عبد الله حمودي خيار الاٍختيار للخروج من المأزق الهوياتي ، لكن ما محل اختيارات السلطة السياسية في هذا الشأن ؟ هل ستسمح للأفراد بالاٍختيار ؟
لقد برع الباحث في تتبع الطرح الهوياتي الحمودي ( نسبة اٍلى عبد الله حمودي ) ، خطوة خطوة، من أجل الخلوص اٍلى كونه لا يعدو أن يكون طرحا أيديولوجيا للهوية ، لأن خيار الاٍختيار ما هو في المحصلة النهائية اٍلا خيار أيديولوجي للخروج من المأزق الهوياتي عند حمودي، لأن حظوظ اٍقناع الناس بهذه الأطروحة تطرح اٍشكال جدوى الاٍنخراط في مشروع الهوية الوطنية التعددية ، بعيدا عن تدخل السلطة السياسية التي تفرض بشتى الإمكانيات التي تتوفر عليها ، كوسائل الاٍعلام ، المدرسة ، المساجد ...الخ ، منظورها القسري هي للهوية الوطنية، بعيدا عن اٍختيار الأفراد، الشئ الذي يجعل أطروحة حمودي تبلغ نفقها المسدود، لأن السؤال الذي أراه جديرا بالطرح من هذا المنظور هو : ما مدى اٍسهام الأطروحة الحمودية في اٍضفاء الاٍنسجام على فهم الناس لموضوع الهوية كشكل من أشكال التوحيد والتعايش المشترك من أجل بناء وطن تعددي وديمقراطي ؟
وما هي الضمانات التي يطرحها الكاتب حتى لا يتم الاٍنحراف بهذا الخيار نحو نوع من التأحيد الهوياتي القسري، والذي يصادر حريات الآخرين وخياراتهم ؟ وهو ما يحدث الآن. وما محل البعد الاٍجتماعي والاٍقتصادي والتوازن والحضور الرمزي داخل المجال ؟ وما حظوظ الهويات المتعددة ، خاصة هويات الهوامش والتخوم في العدالة ، والديمقراطية واقتسام المجال والثروات ؟ ألا يمكن أن نسقط في الصراع عندما ينتفي الاٍختيار ؟
لماذا لم يطرح عبد الله حمودي مبدأ التعاقد بل مبدأ الاٍختيار ؟ حتى لا يسقط في الطرح الأيديولوجي للهوية ؟ ألا يشكل مبدأ الاٍختيار مدعاة للهيمنة والاٍستيعاب ، وهنا أستحضر مفهوم الهيمنة البوردية La domination-، والذي هو مرادف أنطلوجي للصراع .
يطرح الباحث رشيد الحاحي مفهوم الثقافة في الكتابات الأنجلوساكسونية في مقابل الثقافة في الكتابات العربية المتأثرة بالفرنكفونية، بحيث تصبح الثقافة وفق هذه الكتابات حسب بيير بورديو آلية من آليات الهيمنة، ومصادرة ثقافات الآخرين ، ويستحضر الباحث من أجل دحض الأطروحة الحمودية ، مقالا لحسن أوريد تكلم فيه عن المجال الترابي الذي له الأسبقية على كل الأبعاد، وأستعمل لأجل هذه الغاية مفهوم " بلاد البربر " الذي ينتشر في الكتابات التاريخية المشرقية ، ومقابله بالفرنسية الذي هو – La berbérie ، هذا المجال شكل مجال تفاعل العديد من الثقافات، بين الأمازيغ وبقية الشعوب المتوسطية؛ بدءا من الفينيقيين والوندال والبيزنطيين والرومان والعرب والفرنسيين والبرتغال والاٍسبان وكذلك الأتراك، وربط مفهوم الهوية بالمجال هو ربط للهوية بالأرض التي هي الأم.
محمد أركون يتحدث من المنظور الأنثروبولوجي – وهو مناقض للطرح الحمودي - عن مفهوم الطبقات الهوياتية التكتونية ، بحيث تشكل الطبقة التكتونية الأمازيغية الطبقة التكوينية السفلى التي ترسبت فوقها باقي الطبقات الوافدة، المفهوم الأنثروبولوجي / الأركيولوجي للهوية ، ينزع اٍلى تحديد مفهوم الهوية في علاقته بالمجال والأرض، في خطاب الحركة الأمازيغية، وهذا الأمر يطرح البعد الأنطلوجي للشخصية المغربية وارتباطه بالمجال، فما مدلول ذلك ؟
البعد السوسيو- ثقافي والأيكولوجي وأساس المطلب الحقوقي والثقافي والهوياتي الأمازيغي، والاٍعتراف بثقافة الآخر التي تشكل جزءا من الذات، أي الاٍعتراف بالشق الأخر من الذات الذي لا يجب أن يتم اٍخفاؤه بواسطة المقتربات الأيديولوجية الاٍستيعابية، هذا الشق الآخر من الذات هو موجود في أسفل الطبقات التكتونية الهوياتية، ولا يمكن اٍنكاره باٍخفائه أو محاولات طمسه لأنه موجود .
هذا الأمر يطرح وضعية الهوية الأمازيغية في مقابل الهويات الأخرى، هويات المركز أو هوية السلطة، وهويات الحركات الاجتماعية المستغلة للمشترك العام وعلى رأسها الإسلام السياسي، وهو وضع تنافسي يطبعه الصراع غير المتكافئ لصالح التصورات المتوارثة والمهيمنة التي تفرض هامشية الهوية الأمازيغية ودونيتها، وتكريس وضع عدم قدرتها على المنافسة، وإفراغ الهوية المغربية المتعددة والمنفتحة من صلبها وقوتها وعصبها الرئيسي، فالتوحيد القسري والدوغمائي للثقافة والهوية من طرف الهوية المهيمنة، قد يجعل من مفاهيم المواطنة والديمقراطية والعدالة مجرد مفاهيم طوباوية .

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا