-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

"بيت حافل بالمجانين" .. روائيون يروون بالأكاذيب حقيقة العالم

القاهرة ـ من أحمد رجب : تأسست مجلة "باريس ريفيو" في عام 1953، وفي عددها الأول طالبت القارىء بالتركيز على المواد الإبداعية من قصص وقصائد، مؤكدة أنها "تضع النقد في موضعه الذي ينتمي إليه، أي بالقرب من خلفية الكتاب". 

وعوضا عن النقد أتاحت المجلة للكتاب أن يتحدثوا عن أنفسهم وتجاربهم في باب "الكتاب يعملون" حيث يعمل المحاورون على كشف أسرار حياة وفن المبدعين الكبار. 
وطوال ستين عاما لم يخل عدد من أعداد المجلة من حوار أو أكثر، مما يجعل منها كنزا حقيقيا، بحسب تعبير الكاتب المصري أحمد الشافعي الذي اختار حوارات نشرتها المجلة مع عدد من كبار الروائيين هم: أرنست همنغواي، وهنري ميلر، وبورخيس، وكارلوس فوينتس، وميلان كونديرا، وبول أوستر، وسوزان سونتاج، وأمبرتو إكو، وتاسعهم أورهان باموق، الذي اختار المترجم له نصاً بعنوان "تدفعنا الشياطين"، سبق أن نشر كمقدمة لكتاب بعنوان "حوارات دي باريس ريفيو 2"، وترجمه الشافعي ليصدر به الحوارات التي ترجمها وضمها معا في كتابه الذي أصدرته مؤخرا الهيئة المصرية العامة للكتاب بعنوان "بيت حافل بالمجانين - حوارات باريس ريفيو".
 وفي تقديمه للكتاب يقول المترجم: "لا أعرف ماذا في الحوار يجعله حبيبا هكذا إلى نفوس القراء، لا أعرف سر تلك اللهفة التي تجعل بعضنا يقبلون على قراءة حوارات يعرفون مسبقا أنهم قرأوا مضامينها في شهادات ومقالات ومصادر أخرى". ويشبه الأمر بأنه مثل استراق السمع إلى راكبين في قطار أو طائرة، ليس من المتوقع أن تصادف هامشا في حديثهما يوقف تدفق المتعة، هما مجرد اثنين يتكلمان تقريبا كما يتكلم الناس.
تدفعنا الشياطين
يروي باموق في مقالته أنه عندما قرأ حوارا مع فوكنر في "باريس ريفيو"، انتابه التيه "كما لو كنت عثرت على نص مقدس". وكان يومها يجاهد لينتهي من روايته الأولى، بينما تومض أصداء فوكنر عليه حين يقول: "كتابة المرء لروايته الأولى لا تقتضي فحسب أن يتعلم كيف يحكي حكايته وكأنها حكاية شخص آخر، إنها أمر يتعلق في الوقت نفسه بأن يصبح المرء شخصا يستطيع أن يتخيل رواية من بدايتها إلى منتهاها، بطريقة متزنة". 
ومما تعلمه باموك عبر الحوار، نصائح فوكنر: "لا تكف عن الحلم، واطمح إلى أعلى مما تحسب أنك قادر على تحقيقه، لا تقصر اهتمامك على أن تبز معاصريك أو أسلافك، حاول أن تتفوق على نفسك، الفنان خالق تدفعه الشياطين، وهو لا يعرف لماذا اختارته الشياطين هو بالذات، وهو دائم الانشغال بالتساؤل عن سر ذلك".
    وفي ثنايا المقالة يجيب باموك عن تساؤلات المترجم بشأن قيمة الحوارات لمن يقرأها، حيث يقول "كلما كنت أجلس لقراءة تلك الحوارات، تتبدد الوحدة، كنت أكتشف أن ثمة آخرين يشعرون بمثل ما أشعر به، وأن المسافة بين ما كنت أشتهيه وما حققته مسافة طبيعية، وأن نفوري من الحياة اليومية المعتادة ليس علامة على علة تعتريني، بل دليل ذكاء، وأنه يجب على أن أحافظ على العادات البسيطة الغريبة التي تؤجج جذوة خيالي وتعينني على الكتابة".
نبع الواقع
  لكل كاتب طريقته وطقوسه التي لا يشبه فيها أحد سواه، فـ هيمنجواي مثلا كان الوحيد الذي يكتب وهو واقف في مواجهة الآلة الكاتبة، وغيره يسلك مسالك أخرى. يقول هنري ميلر "يقوم كل فنان بضبط نفسه وتهيئتها للكتابة بطريقة ما"، طبيعي أن يختلفوا في تلك الطرق لكن ثمة أشياء كشف الحوار عن اتفاقهم فيها، منها حدود استفادة الكاتب من شخصيات وأحداث واقعية حقيقية، قال هيمنجواي: "بعض الشخصيات مستقاة من الحياة الواقعية، ولكن المرء غالبا ما يبتكر الشخصيات من خلال معرفته بالناس وفهمه لهم وتعامله معهم. وأردف بأن تصوير الشخص مثلما تفعل الصورة الفوتوغرافية يكون من وجهة نظري فشلا كبيرا أما إن أنت أقمته من بين ما تعرف فلابد أن تجد فيه كل الأبعاد".
  أما بول أوستر بالرغم من فانتازية وغرائبية أعماله إلا أنه اعترف بأن الكثير من الشخصيات فيها خصوصا في "ثلاثية نيويورك" كانت واقعية، إلى درجة أنه اعترف متمنياً أن تكون المهلة القانونية انتهت بأنه اخترع شخصيات خيالية. 
ويذكر نجيب محفوظ أنه يكتب ما يحدث حوله، في البيت، في المدرسة، في الشارع، في العمل، وكذلك الأشياء التي يتحدث فيها أصدقاؤه حين يمضي وقتا معهم، وتترك أثرا فيه.  وكمثال يقول عن "اللص والكلاب": استوحيت القصة من لص روّع القاهرة لفترة. كان اسمه محمود سليمان. حينما خرج من السجن حاول أن يقتل زوجته ومحاميه اللذين نجحا فى الهروب من القتل، ولكنه هو تعرض للقتل فى ثنايا ذلك. ابتكرت القصة من شخصيته. كنت فى ذلك الوقت أعانى من إحساس ضاغط ومستمر بأننى مطارد، وكنت على قناعة بأن حياتنا فى ظل النظام البوليسى فى تلك المرحلة كانت بلا معنى. 
وهكذا حينما كتبت القصة، كتبت معها قصتى أنا. وإذا بقصة جريمة بسيطة تصبح تأملاً فلسفيًا، فقد حمّلت شخصية الرواية الرئيسية سعيد مهران كل حيرتى وهواجسى، جعلته يمر بتجربة البحث عن إجابات لدى الشيخ، ولدى الساقطة، ولدى المثالي الذى خان أفكاره من أجل المال والشهرة. فالكاتب ليس مجرد صحفي. فهو يضفر مع القصة شكوكه، وأسئلته، وقيمه. هذا هو الفن".
ويتفق معه كارلوس فوينتس الذي لا يرضى للأدب أن يكون قناعا للواقع أو مرآة له، فلن يكون الأدب ادبا إن لم يخلق واقعه الخاص.
السياسة الدنيئة
عن انشغال الكاتب بالسياسة يقول بورخيس: "هناك شعراء كثيرون يكتبون جيدا وحينما تتكلم معهم لا يحدثونك إلا  في حكايات السياسة الدنيئة، ويتبين ظان كتابتهم ما هي إلا نوع من العرض الجانبي، هؤلاء لم يكونوا شعراء أو كتاب على الإطلاق، إنما هي حيلة تعلموها وحذقوا فيها، إنهم يأخذون الأشياء كما لو كانت مسلمات وحينما يضطرون للكتابة يعرفون بغتة أنهم يجب أن يكونوا ساخرين أو حزانى، يرتدى الواحد منهم قبعة الكاتب، وبعد أن ينتهي يخلعها ليعود للانخراط في السياسة".  
ويؤيده هنري ميلر بقوله: "أعتبر السياسة عالما كاملا من الفساد والعفن، والمرء كي يكون سياسيا يجب أن يتوفر على قدر من الضحالة، وأن يكون فيه شيء من القاتل حتى لا يعاف رؤية الناس حينما يصيرون ضحايا".
بينما إرنست هيمنجواى لا يعمم الحكم، يقول: "كل شخص وضميره، ولا توجد قاعدة واحدة تحكم عمل الضمير، المهم أن يتأكد الكاتب من قدرة أعماله على البقاء بغض النظر عن البعد السياسي فيها".     
وبدبلوماسيته المكتسبة يقول كارلوس فوينتس: "علينا أن نتمثل ثقل ماضينا الجسيم،  فلو نسيت ماضيك تمت، يقوم المرء بالتزامات معينة لأجل المجموع، لأنها التزامات عليه كمواطن وليس ككاتب، بالرغم من ذلك يبقى للمرء حريته ومزاياه الجمالية".
أول ضوء
يجمع الروائيون في حواراتهم بأن وقت الصباح هو الأنسب للكتابة، فـ هيمنجواي يقول: "أكتب كل صباح بمجرد أن يظهر أول ضوء، قدر الإمكان، أبدأ في السادسة صباحاً، وقد أستمر إلى الظهر، وعندما تنتهي تكون فارغاً أو كالفارغ، إذ إنك في الوقت نفسه تكون ممتلئا، كما يحدث لك بعد أن تكون مارست الحب مع شخص تحبه، حيث لا شيء يمكن أن يضيرك".
كذلك هنري ميلر يصف العمل في الصباح بأنه أفضل كثيرا، حيث يكتب لمدة ساعتين أو ثلاثة كل صباح، وكارلوس فوينتس يقول أنه كاتب صباحي، يكتب ابتداء من الثامنة والنصف وحتى الثانية عشرة والنصف.
   كذلك يجمعون على العمل الجاد، والدقة الشديدة التي تدفعهم لإعادة الكتابة أكثر من مرة، مثلا هيمنجواي قال: "كتبت الصفحة الأخيرة من روايتي وداعا للسلاح تقريبا 39 مرة، قبل أن أرضى عنها"، كذلك يميلون للعزلة وخصوصا عن الكتّاب من جيلهم. يقول أورهان باموق: "لم أكن صديقا لأي من الكتاب الأتراك في جيلي"، وهنري ميلر  تعرف في باريس على العديد من الكتاب الأميركيين لكنه يقول: "لم تقم أبدا رابطة حقيقية بيني وبين أيا منهم". 
ويعترف هيمنجواي: "كلما توغلت في الكتابة صرت أكثر وحدة"، أما بول أوستر فقد هجر الشعر ليكتب "إختراع العزلة"، وهو كتاب غير روائي وأردفه بثلاثية نيويورك، وبعدها دأب على نشر رواية كل عام، فبحسب قوله "الرواية هى المكان الوحيد فى هذا العالم الذى يمكن لغريبين أن يلتقيا فتتحقق لهما الحميمية التامة"، وأنه "بالأكاذيب يروي حقيقة العالم" وهو ليس فريدا في ذلك، "اكتشفت أنني لست وحدي .. هناك بيت حافل بالمجانين". (خدمة وكالة الصحافة العربية)

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا