كانت أغلب المدن العربية الإسلامية في الفترة الوسيطة محاطة بأسوار، و
تتخلل هذه الأسوار مجموعة من الأبواب تغلق ليلا و تفتح فجرا و ذلك بغرض الحماية و
تنظيم و مراقبة كل ما يدخل
المدينة من سلع و أسلحة و غيرها.و قد تميزت مدينة تونس
العتيقة بتعدد أبوابها التي بنيت في فترات مختلفة ،ابتداء من العصور الإسلامية
الأولى خاصة مع الأغالبة مرورا بالحفصيين الذين اتخذوا منها عاصمة ملك وصولا إلى
الفترة الحديثة. و لعل تزايد عدد الأبواب كان دليلا على التطور العمراني و
الإزدهار الإقتصادي اللذان شهدتهما
المدينة في عصور مختلفة كما يعود ذلك أيضا إلى استقرار الأوضاع الأمنية و
غياب الإضطرابات و الثورات و الفتن.
نستحضر في هذا المقال تاريخ أبواب مدينة تونس العتيقة حيث يرتبط إسم كل باب
بقصة ولي صالح أو فترة من تاريخ المدينة أو تقسيما جغرافيا قديما للعاصمة . و
عموما فإن لكل باب حكاية راسخة في المخيال الجماعي و محفوظة في بطون التاريخ.
باب البحر
كان يسمى باب البحر لأنه كان يقع قبالة كل من البحيرة و البحر، أما
الأروبيون فقد أطلقوا عليه اسم باب فرنسا خلال الفترة الإستعمارية. على امتداد
تاريخه الطويل شهد هذا الباب العديد من التحويرات، و في رسم يعود إلى القرن السادس
عشر للرسام "فارمين" الذي كان يرافق الإمبراطور الإسباني "شارل
كانت" يبدو هذا الباب في شكل مرتفع العلو يعلوه متراس ذو شرفة و يتقدمه برجان
مربعان من كل جهة.
1باب البحر
باب سويقة
السويقة هي تصغير السوق، و قد تمت إقامة هذا الباب إكراما للولي الصالح
الذي يحتل مكانة هامة لدى أهالي المدينة "سيدي محرز".كان هذا الباب ذا
أهمية كبيرة لأنه يفتح على الطرق المؤدية إلى مدن بنزرت و باجة و الكاف و هي
الوظيفة التي أوكلت إلى باب سعدون عندما توسعت المدينة.
باب بنات
اختفى هذا الباب منذ عهد طوبل، لكن الشارع الذي يحمل اسمه لا يزال موجودا إلى
اليوم. تم إطلاق هذا الإسم على باب بنات لأن مؤسس الدولة الحفصية "أبو زكرياء
الحفصي " (1223-1249)قبل حضانة
البنات الثلاث لعدوه يحي بن غانية –الذي عرف بمعاداته للدولة الحفصية- و رعاهن
مثال أبنائه تماما في قصر كان يوجد في مكان هذا الباب. و قد تم توظيف باب بنات
فيما بعد لربط المدينة بالحي السكني المخصص للعائلات المسيحية القريبة من
الحفصيين.
باب منارة
يبدو أن تسمية هذا الباب تعود إلى عادة قديمة تناقلتها الناس و أن ذلك عائد
إلى المنارة التي كانت توجد فوق القصر القديم لبني خراسان ( إحدى الأسر التي حكمت
مدينة تونس بعد انتشار الهلاليون في البلاد).تبعا لرواية أخرى فإن تسمية هذا الباب
ترجع إلى مصباح زيتي كبير كان يوجد في إحدى كوى البوابة تتم إضاءته ليلا لإرشاد
القوافل التي تسلك الطريق المحاذية لأسوار المدينة.
2باب منارة
باب الجديد
كما يدل عليه اسمه فهو باب جديد تم بناؤه على الأرجح في بداية العهد
الحفصي. كان الأروبيون يسونه قديما باب الحدادين لأنه كان يفتح على سوق الحرفيين
الذين يمارسون هذه المهنة، و يتكون بلب الجديد من قوس قائم على أعمدة تغوص في
قاعدته على نحو كامل.
3باب الجديد
باب الجزيرة
كان هذا الباب يفتح على اتجاه الوطن القبلي، ( كانت تسمى في الفترة الوسيطة
جزيرة شريك العبسي نسبة إلى فاتحها) ، و هو من أقدم أبواب المدينة حيث كان يمثل
كذلك ممرا للمسافرين القاصدين مدينة القيروان. يفتح هذا الباب على نهج الصباغين
قبل أن يختفي تماما ليقوم بوظيفته باب عليوة الذي يفتح على جهة الجنوب أي على
مستوى الحصن الثاني خط الدفاع الأول عن العاصمة.
باب سعدون
تمت تسميته باسم رجل يحمل اسم سيدي بوسعدون كان يعيش في جوار ذلك الباب في
القرن الخامس عشر. قبل ذلك لم يكن هذا الباب سوى فتحة في السور، و في سنة 1881
إبان الاستعمار الفرنسي وقع تهديمه و تعويضه بباب رائع ذي ثلاث فتحات استجابة
لحركة المرور الكثيفة.
4باب سعدون
باب العسل
يستمد هذا الباب اسمه من أسرة بن عسل و هي أسرة ثرية كانت تسكن ذلك المكان
يعود فتح هذا الباب إلى ما بعد سنة 1881.
5باب العسل
باب الخضراء
يفتح هذا الباب على حقول خضراء شاسعة تزرع فيها الخضر و الأشجار
المثمرة.كان هذا الباب المحمي بحصن يسيطر على الطريقين المؤديتين إلى قرطاج و
أريانة. أدى تنامي دوره الإقتصادي و الاستراتيجي إلى اختفاء باب قرطاجنة . بعد سنة
1881 تم تعويض الفتحة الوحيدة المتبقية من البوابة الضخمة بالمعلم الموجود حاليا و
الذي يمنح الحي طابعه الخاص.
6باب الخضراء
باب الفلة
اختفى هذا الباب منذ سنة 1890، لكن النهج الذي يربطه بباب الجزيرة ظل يحتفظ
باسمه. حمل هذا الباب في البداية اسم باب الفلاق إشارة إلى فتحة واسعة في السور
كانت تمكن من رؤية ما حولها. و عندما غزا " شارل كانت" مدينة تونس سنة 1535 تمكن السكان من الهرب من خلالها أمام
تقدم الإسبان .
باب عليوة
العليوة هي العلو القليل أو الطابق الصغير.
يستمد هذا الحي اسمه من بناء صغير كان يوظف كموقع لمراقبة الطرق.حمل هذا
الباب أيضا اسم باب القوافل الإبل التي تحمل إلى مدينة تونس الحبوب و الزيت من
الوطن القبلي و الساحل ،كما شهدت فتحة الباب عملية توسعة استجابة لتزايد حركة
المرور.
باب سيدي قاسم الجليزي
يقع غرب المدينة ،على مرتفعات الهواء و يستمد اسمه من قبر و زاوية الولي
الصالح سيدي قاسم الجليزي الذي توفي في مدينة تونس سنة 1497 .كان هذا الولي الصالح
يصنع مربعات الجليز الفخاري و هو الذي أدخل إلى تونس صناعة الجليز الملون و الجليز
المزخرف.
تبقى أبواب مدينة تونس العتيقة حاضرة بقوة في الذاكرة الجماعية للتونسيين
إذ تروي كل منها جزء من تاريخ العاصمة هذا فضلا عن كونها معالم تاريخية تجسد تميز
الحضارة العربية الإسلامية بتونس و تفردها.
بقلم فهمي رمضاني كاتب و باحث في التاريخ من
تونس