بمجرد إعلان وزير التعليم الفرنسي عن ضرورة التفكير في خطة لتشجيع تدريس اللغة العربية منذ المراحل الأولى من التعليم الابتدائي، تناول قطاع عريض من الطبقة السياسية الفرنسية المسألة بالويل والثبور وعظائم الأمور.
فلم يتردد كثيرون عن بث الترويع في صفوف الرأي العام الفرنسي، على أساس أخبار يعلمها زائفة ، وذلك بالاعتماد على نفاق فكري يستهدف تضليل الناس لتحقيق مكاسب سياسية تضارع في دناءتها ما افترى هؤلاء من الكلام الكاذب. لا! ليس تعليم اللغة العربية لأطفالنا هنا في فرنسا «حصان طروادة» لبث الفكر الأصولي المتطرف في نفوس أبنائنا وبناتنا، كيف ذلك ومدارس الجمهورية الفرنسية تدرس اللغات وحضاراتها بعيدا عن أي توجه عقائدي أكان أصوليا أو معتدلا، لسبب بسيط جدا وهو أن القانون يمنعها من ذلك منعا كليا.
لا! ليس تعليم اللغة العربية لأطفالنا هنا في فرنسا وسيلة للحث على التفرقة والتشرذم في الجمهورية الفرنسية لصالح جماعة على حساب جماعات أخرى… وإنما هو العكس تماما: يندرج التشجيع على تعلم اللغة العربية منذ الصغر في مدارس الجمهورية الفرنسية في خطة تروم التذكير بأن الجمهورية الفرنسية كيان متماسك لا يتجزأ، ومن بين علامات تماسكه تدريس اللغات المستخدمة على أرضه والعربية منها، وعلى نطاق واسع.
لا! ليس تعليم بناتنا وأبنائنا اللغة العربية هنا في فرنسا تعليما موجها لفئة من المجتمع على حساب فئات أخرى. فاللغة العربية للجميع، كغيرها من اللغات .
لا! ليس تدريس اللغة العربية في المدرسة الابتدائية الفرنسية ثم في ما يليها من مراحل التعليم ضرورة، وإنما اقتراح منطقي لتسليم شباب الغد مفاتيح ثمينة لفهم عالم الغد، بعبارة أخرى من سيصبحون في ما يستقبل من أعوام صحافيينا، مترجمينا، دبلوماسيينا، أساتذتنا، حتى يتمكنوا من لغة يتداولها ما يناهز الـ400 مليون شخص في العالم.
لا! ليس تعليم أبنائنا اللغة العربية هنا في فرنسا تعليما يتم على حساب اللغة الفرنسية، فهل منعت قراءة أعمال نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وحنا مينه وهدى بركات صاحب هذه السطور من قراءة أدب فيكتور هوغو، وليس مجرد كتاب «البؤساء» وإنما، على سبيل المثال لا الحصر، خطبه البرلمانية التي ألقاها في الجمعية الوطنية الفرنسية عندما كان نائبا؟ أمنعت قراءة أعمال الجاحظ والتوحيدي صاحب هذه السطور من مطالعة روايات غوستاف فلوبيرت، وليس مجرد «مدام بوفاري» وإنما، على سبيل المثال لا الحصر، رواية «سلام بوع « التي تدور أحداثها في تونس القديمة في عهد الرومان؟ أحالت قراءة شعر نازك الملائكة ونزار قباني وأدونيس صاحب هذه السطور دون دراسة شعر «لامارتين» و«شارل بودلير» و«رونيه شار»؟
لعمري، إن هذا التقول على كلام وزير لم يدخر جهدا في إعادة الأمور إلى نصابها دليل على تقصير مقلق للغاية من شريحة واسعة من الطبقة السياسية الفرنسية عن أداء مهامها.
نعيد ونكرر وبصرامة: لا للتوظيف السياسي للغة والحضارة. واللغة العربية ليست استثناء يشذ عن القاعدة.
٭ باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي