-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

لهُمُ الحلوى و لنا المرارة..! محمد بشكار

هي نجمةُ الإغْراء التي صنعتْ الحدث دُون تعرِّي في الدخول السياسي الجديد بالمغرب، و دون أن نقول في حُسْنها شِعراً لها الأنْفُس تهفو و لو كانت في بُعْدِها عن
التَّناول طَبقاً على طَبقٍ، عوَّدَتْنا منذُ الصِّغر أن نمُدَّ لطَعْمِها اللذيذ الأيدي و معها ألسنتنا تحلُّباً، و لكن قبل أن ننعَم بتذوُّق قضْمةٍ من خذِّها اللوزي الهش، نندم بصفعة تُوقِّعها أمُّنا أو أختُنا الكبرى على ظاهر اليد، و هي تصيح: الحلوى للضيوف..!
من ينتمي عُمُرياً لجيلي و عاش عِقده الأول سبعينيا، يعرف حتما القيمة الجغرافية و الإستراتيجية لموقع "المَخْزَن" في الخريطة الداخلية للبيوت، و ليس المَخْزَن ذلك الذي يتبادر للأذهان في علاقته بالسلطة و السَّجان و يحضُر معه في تصوُّرنا كهف علي بابا بلصوصه الأربعين و أكوام اللؤلؤ و المرجان، إنما أعني بِالمَخْزَن المخبأ حيث تُخَزَّن المؤونة بإدامها سمناً و عسلا و حَبِّها جوزا و لوزا و تمورا، و ضِمنها الغالية التي ما زالت لليوم تكشف ما يعْتَوِر بعضُ النفوس من ضعف كلما لاحتْ أو خرجتْ أحلى من المَخْزَن، و للمخزن الذي يُسمى أيضا "بيت لَخْزِين" أو "لَمْخِيزن" و ما التَّصغير هنا إلا تحبُّباً، مفتاحٌ تجده مربوطاً في حزام لا يبرح خاصرة الجدّات و الأمهات في النوم و اليقظة في الوضوء و الصلاة، حتى لتحسب أنه سيُدفنُ معهنَّ في القبر لو تطلَّب الأمر مزيدا من الحيطة لحماية اقتصاد البيت، و من حالفته الغفلة و حاز هذا المفتاح فقد أوتي الحلوى كلها..!
حذار، فالأمَّهات لسْنَ بخيلات و هُنَّ يُكرِّسن ثقافة منع الحلوى على الأولاد و البنات، إنَّما يُغلقْنَ على كل أصنافها في المَخْزن و المَخَزنُ فيه و فيه.. تَحسُّباً لدوائر الزمن من جَشع الصِّغار الذين لشَدَّ ما يصيرون ضِعاف النُّفوس أمام الحلوى فيَزْدَرِدُونَهَا جراداً، فالحلوى ليستْ مُتوفِّرة دائما كباقي الأغذية على رأسها الخبز للاستعمال اليومي، فهي الحِلْية التي تُزيِّن الموائد كالطَّوق الذهبي المُرصَّع بالجواهر حول عنق الحسناوات في مناسبات الأعياد و الأفراح، لكن يبدو أن ثقافة المنع ما زالت سارية الحلوى في العروق، و أصابتْ بشجعها في الكِبر من سلَّمناهم أصواتنا و حين صاروا نُوَّابا سبقونا للحلوى دون تفكير أنها من المال العام الذي يحْظُر انتهاك حُرمته لِئلا يخْتَلَّ اقتصاد البلد و يَخْتَلَّ في المخزن الميزان..!
لم أستغرب لفضيحة الحلوى رغم أنها للأسف أظهرتْ بعض نُوَّاب الأمة و هم يُهرِّبونها من الأبواب الخلفية بعد انفضاض الدورة الخريفية للبرلمان، في أبشع الصور و الفيديوهات التي تناقلتها كاميرات الصحافة، و ما الداعي للاستغراب و مشهد الحلوى الذي يعافه الذباب هو الدليل الدامغ أن بعض نُواب الأمة أو نُوَّامِها قد استوعبوا عن ظهر حب لهذا الوطن الخطاب الملكي و ما زالت أكفهم لم تبرد حرارتها تصفيقا، هل أستغرب ممن جعل الحلوى رفيقته من الأبواب الخلفية لمؤسسة تُمثِّل الشعب دون مراعاة وقارها و حَسُنَتْ الحلوى رفيقاً..؟
أبدا لم أفتح فمي مبهوتاً، فالحلوى دون أن نُعقِّد الحديث بسوسيولوجيا الطعام، تعتبر إحدى العُقد المتغرِّزة في أنفسنا منذ الطفولة لتواريها عن الأعين في المخزن، و هذه العُقدة لا يمكن لبعض الأنفس أن تحُلَّها بعد أن استفحل الداء، إلا بسرقة الحلوى أو ممارسة بعض ما يُشبهها من حيث الاشتقاق اللغوي و لو كان ضارباً بكل الذراع في وحل الفساد، و منها "الحلاوة" التي تعتبر المرادف اللطيف و الهيِّن للرشوة و تُصَنَّفُ من الهدايا و الهدية بالمُسوِّغ الديني قَبِلَها النبي عليه الصلاة و السلام..!
من حقِّ كل مواطن أن يُصيب حصَّته من الحلوى سواء كان نائباً أو نائماً برلمانيا، لكن كل العيب في الطريقة المَهِينة التي جعلت البعض يُهرِّبها راكضا كما لو ينْتَعل في كل أصناف الحلوى كعب الغزال، و هي الطريقة نفسها التي تعكس صورة مُصغَّرة عن كيفية توزيع كعكة المال العام ريعاً خلف الأنظار، إن دخولنا السياسي بائنٌ من حلواه، و يبدو أن الحلوى ستنقلب بالمرارة على هذا الشعب الذي وضع ثِقته في من يضعون كل همَّهم في البطون..!
(افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليومه الخميس 18 أكتوبر 2018)

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا