ان تصاحب الكاتب والباحث ،والصحافي محمد أديب السلاوي،وترافق كتاباته و تتابع ما يريد قوله،وما يريد الإفصاح عنه أثناء تناول ما يريد مناقشته،ويريد
تحليله،ويتوخى فهمه،فهذا يعني الانخراط في زمن الكتابة لديه،
ويعني الانخراط في
أعمار كتاباته،وبحوثه،ودراساته،لأنه حين يكتب فإنه يتحوّل إلى كاتب لا يؤمن
بالعزلة الوجودية التي تنفصل عمّا هو أصيل،ولا يختار الانخراط الطوعي في أزمنة
الصمت،أو اختيار التعميم،وتعويم الكلام لبناء مجد بسيط في عمل صحافي بسيط،لأن
العشق الدائم عنده للوطن يجعله دوما -
يكتب عن الوطن.
حين نقرأ ما يخطّه،وما يكتبه، وما يفكّر فيه من معاني تخص مواضيعه، وحين نقترب
من المواقف التي يؤثثها من مرجعيات الزمن المغربي ،وحين يفكّك المعلومة التي يبني
بها معرفة النص،وكتابة النص،فإنه يريد ـ في إصراره الدائم على الكتابة والبحث ـ
الوصول إلى تخوم التفاصيل،وبلوغ الغايات التي يصقل بها وضوح كتباته،ويبني بها صوته
الخاص بوضوح الرؤية التي تصاحبه في عمله الصحفي الذي قاده إلى إتقان الصنعة،وأفضى
به إلى مستويات التفنن في تتبع السياقات الثقافية المغربية بكل إكراهاتها،وبكل
أسئلتها،وبكل مدارات الصراعات فيها
وعندما نقرأ نتاجاته وبحوثه،نجد أنه فيها يكون كاتبا مجددا ً يجدّد حبر
كتاباته،ونجده ـ دوما ـ يجدّد معنى موضوعاته،خطاباته في النقد الأدبي والفني لا
تؤدي إل نهايات بعينها،ولا تفضي إلى الكلام المغلق على معانيه المغلقة،ذلك أنه
كشّاف ملحاح على سبر أغوار ما يريد الكتابة والبحث فيه،فتصير كل بدايات في التجديد
عنده تعني الوصول إلى بدايات تحثّ الكتابة على قول ما تريد قوله وهي تمسك بما يريد
قوله بعد أن يكون قد رسم لمنهجه في هذه النتاجات ،وهذه البحوث عنده ،خطوات أساسية
ترسم إيقاع العملية الكتابية التي تبدأ كتابة إخبارية،أساسها وقوامها
الفهم،والشرح،والإخبار بما يدعم الموضوع،ويسنده،فهو حين يحتفي
بالحياة،وبالوجود،وبالوطن،وبالعشق،وبالشعر،وأشكال السرد،فإنه يعيد بهذه الحالات
قراءات ما قرأ،ويعيد تمثل دلالات ما قرأ،ويعيد إنتاج ما قرأ.
وهذا العمل الجاد،وهذا البحث عن أوجه
وحقائق الثقافة المغربية،جعله يواصل رحلة الكتابة والاجتهاد،والاختلاف ،وإكمال ما
لم يتم إكماله،و تسويغ أفكاره بالأفكار التي يرى جدواها المعرفي دعما لما يريد
بناءه وهو يروم الدفاع عن الخيارات الوطنية خارج هيمنة الاستلاب السياسي،وخارج
التعصب،وخارج الرقابة الذاتية التي تلتقي بالرقابة السياسية والاجتماعية،فيكتشف
مواقفه التي هي وجهة نظره حول الذات،وحول الآخر،وحول العالم والرؤية إلى عالم
الصحافة التي صارت عنده مدخلا لتاريخ النقد الأدبي والفني،وغدت مدخلا لعالم
التشكيل وقضايا الوطن.
كتابات محمد أديب السلاوي إحالات ذكية على مراجعها،فيها تحرير ما يفكر فيه
أثناء كتابات مواضيعه،سياقه المحدّد لهذه الكتابة هو المغرب، وكتاباته هي الكتابة
عن الموقف من هذا السياق ،وكأنه يحاول التواؤم مع إيقاع العصر،أو رفضه،أو التخلص
من الشوائب التي علقت به.
صحبة الكاتب محمد أديب السلاوي معناها معايشة ما يكتب بدهشة اللحظات،ومعايشة
ما يقدم من جديد بعيدا وقريبا من هذه اللحظات،وهو فيما يقدمه للنقدين الأدبي
والفني في المغرب في موضوع المغرب يجعل كل بحث عنه محطة انطلاقة جديدة لعمله
الصحافي،وليست نقطة وصول تختم النظر إلى هذه اللحظات
إن الصحبة معه كأديب،وصحافي،وباحث،وناقد،هي خير أنيس يكتشف فيها المتلقي أن
أديب السلاوي محدّث، ومحاور،ومجادل بالتي هي أحسن.
عنده حين تكون المعرفة مدار المعرفة،وتكون الثقافة مدار الثقافة،وتكون الحقيقة
مدار الحقيقة،ويكون الوطن نسغاً لهذه المدارات و يكون هو المصاحب الحقيقي لهذه
الصحبة التي وضعت أساس العلاقة بينه وبين قضايا الثقافة ،والفن،والمجتمع،مبنية على
تأسيس القول الذي يتمتع بكامل قواه العقلية،والفكرية،و الإنسانية لتقديم عمقه،
وإنطاق عمق ما يقول،وتقديم عمق حديثه عن الكلام حول الزمن المغربي.
تظهر هذه المعرفة في ملفاته حول المسرح التي يقدم فيها خلاصة قراءاته لتاريخ
وتجارب المسرح المغربي،ويقدم تجارب المسرحيين المغاربة ،ويقارب كل القضايا الفكرية
التي ناقشها المسرح المغربي ،ونظّر لها، أهم هذه المؤلفات: (المسرح المغربي من أين
إلى أين) الصادر عن وزارة الثقافة والإرشاد القومي بدمشق عام 1975 ،وكتاب
(الاحتفالية في المسرح المغربي)الموسوعة الصغيرة بغداد 1981 وكتاب (المسرح المغربي
البداية والامتداد)الصادر عن دار وليلي عام 1996 .
ويظهر تجريب القراءة النقدية والتأريخية للتجربة التشكيلية المغربية في كتاب
(التشكيل المغربي بين التراث والمعاصرة) الصادر عن وزارة الثقافة و الإرشاد القومي
بدمشق عام 1980 ،وكتاب (أعلام التشكيل العربي في المغرب)الصادر عن وزارة الثقافة
والإعلام ببغداد عام 1982 ،وكتاب (التشكيل المغربي ـ البحث عن الذات) الصادر عن
دار مرسم ـ الرباط سنة 2009 .
بهذه المصنفات ذات القيمة الرمزية ،والثقافية في الثقافة المغربية،صار محمد
أديب السلاوي العارف المثقف بالقيمة المعرفية للكلمة،وصار المدرك لأسرار الكتابة
،ومهامها الإعلامية، والتوثيقية،وصار الخبير بكيفية إماطة الستائر عمّا تخفيه
السرائر في جوف النصوص، المسرحية منها والتشكيلية والشعرية والروائية،وما يخفيه
الواقع،وهو الصبور الذي يعرف أن بناء الحقائق،وإعادة تقديمها،وتتبع مواضيع الكتابة
عن الثقافة المغربية، واقتفاء أثر السابقين ـ من الباحثين والنقاد والدارسين ـ
والاختلاف عن اللاحقين من أجيال النقاد المعاصرين الحداثيين،لا يتيسّر إلا بركوب
متعة البحث والكتابة،وعبور المعابر،والتأكد من المراجع والمصادر،وكأنه بإدراكه
ومعرفته،يكون وكأنه في حالات مخاض بين ذاته الكاتبة التي تريد تأسيس تميز ما
تستولد من مواضيع،وبين موضوع الكتابة،وما يريد أن يجعله في هذه العملية الكتابية ـ
في سياق العمل الصحافي ـ خلاصا من حالات الركود،والتردد،والغموض،والخوف من الجهر
بالحقيقة،والغموض،والتلاعب بالمفاهيم التي لا تؤدي إلى وضوح المفاهيم.
يظهر هذا أيضا في المصنفات التي اشتغل فيها محمد أديب السلاوي على موضوع السرد
المغربي وهو يتناول المسألة الإبداعية المغربية من خلال جنس أدبي ،أو نوع أدبي
خاص.ففي الشعر أنجز مقاربة نقدية مشتركة بينه وبين كل من أحمد المجاطي وإبراهيم
الجمل ،تناولت في تجميعها لتجربة المعداوي الشعرية مسألة الأبنية الفنية والشعرية
عند الشاعر في كتاب موسوم ب(ديوان المعداوي)الصادر بالدار البيضاء عام 1965،إضافة
إلى مصنف آخر اشتغل على موضوع الشعر العربي تحت عنوان(الشعر المغربي ـ مقاربة
تاريخية 1930 ـ 1965 )،الصادر عن دار إفريقيا الشرق الدر البيضاء.أما في القصة
والرواية فقدم تحليلا وافيا مستفيضا لعينات من هذا النتاج عنونه ب (تضاريس الزمن
الإبداعي).
صحبة الأديب محمد أديب السلاوي في هذه الدراسات التي تمدّ علاقاتها مع
المتلقي،هي المعنى الآخر للصحبة وهي تواكب الثقافة المغربية ،وتواكب العمل الصحافي
المغربي الذي تربى وأينع عنده في أحضان الجرائد الوطنية ،العلم،والبيان،والتكتل
الوطني،فنضجت بفضله كتابات،وأشرقت مواقف،وتكلمت إبداعات، وتأسس
جدل،وسجال،وائتلاف،واختلاف،حول الاختيارات التي تحكمت في العلاقة بين السياسي
والإعلامي ـ من جهة ـ والثقافي والاجتماعي ـ من جهة ثانية ـ وهو ما تبلور بوضوح في
الكتابات التي تناولت العديد من القضايا الساخنة ،وفي العديد من الإشكالات التي
اهتمت عنده بالمسألة الوطنية،وبمصير المغرب، حيث اهتم الباحث محمد أديب السلاوي
بطرح العديد من الأسئلة التي أسس بها توجهه الوطني في عمله الصحافي وهو يقوم ببحوث
تلامس قضايا الوطن،سيما في سنة 1997 التي عرفت نشر كتابه السياسي الهام المعنون ب
(هل دقت ساعة الإصلاح؟)،وكتاب (المخدرات في المغرب وفي العالم)،وكتاب (الرشوة ـ
الأسئلة المعلقة) الصادر عام 1999 ،وكتاب (أطفال الفقر)الصادر عام 2000 ،وكتاب
(الانتخابات في المغرب ـ إلى أين؟)وكتاب (السلطة وتحديات التغيير)سنة 2002 ،وكتاب
(المشهد الحزبي بالمغرب،قوة الانشطار)عام 2003 ،وكتاب (عندما يأتي الفساد) عام
2008 . وكتابه الأخير (السلطة المخزنية. تراكمات الأسئلة)،
بهذه الكتب يمثل محمد أديب السلاوي جيل الصحافيين المغاربة الذين تشبعوا
بالدور الذي تلعبه الصحافة،والعمل الصحفي في توسيع دائرة الاهتمام بالقضايا
الوطنية إعلاميا،وتشبعوا بالقيم الوطنية،وراهنوا على ترويج الخطاب المؤسس للحقيقة
في مجتمع مغربي ـ كان ولا يزال ـ متعطشا للحقيقة،ومتعطشا لتأصيل ثقافة
الحوار،والمبادرة،وخلق ثقافة إعلامية تنتمي بمواضيعها
،وبأسئلتها،وببحوثها،وبأجوبتها الممكنة إلى المغرب، والتعريف بالمغرب بما هو عليه
ثقافيا،واجتماعيا،وسياسيا،تطويرا لحوار إعلامي وطني يشكل لونا من ألوان الإصرار
على تثبيت دعائم حقيقة الهوية،وحقيقة الأصالة والحداثة.
كتابات محمد أديب السلاوي ـ بكل معاني العمل الصحافي،والبحث،والكتابة ـ تبقى
إبحارا معرفيا في حبر الاختلاف،ويبقى كلامه يجوب ـ في كل مصنفاته ـ عوالم بحر
الحقيقة المحملة بقوة وعمق ورؤية الأشياء بمواضيع محملة بدلالات المغرب،بعيدا عن
الإغراء الحضاري المزيّف،وبعيدا عن الكلام الذي يفقد قوة الكلام حين يتخلى عن
الدور الحقيقي للصحافة،كتابات لا تزيح بصرها عن المغرب،ولا تنفصل عن سؤال الكائن
والذي ينبغي أن يكون ،ويتحقّق،لأنها تفضل الإصغاء إلى كلام الواقع،وتسمع إلى ما
فيه من وساوس،وخلل،ورشوة،وتزوير للانتخابات،وترويج للمخدرات.
يكتب محمد أديب السلاوي بأسلوبه الصحافي الممتع انطباعات يحولها إلى مواضيع
،ويحول المواضيع إلى بحوث،ويحوّل البحوث إلى طروحات غير عصية على الإدراك،لأن
دلالاتها غير مبهمة حين ترصد حركية المشهد الثقافي المغربي،وتتعرض للقضايا
المغربية الحساسة التي تتعلق بالفساد السياسي،وإرهاب السلطة،وتاريخ الأحزاب
السياسية،إنه فيما يكتب نجده محللا سياسيا،ونجده كاتبا اجتماعيا،ونجده ناقدا أدبيا
يملك القدرة على قراءة الظواهر ،وله القدرة على التوثيق،وله القدرة على بناء
الخطابات التي تدافع عن حرية الرأي، بمواقف تنافح على حرية الصحافة،وتتصدى بجرأة
للقضايا المسكوت عنها في الكتابات الصحافية السريعة.
بهذا صارت كتاباته،ذاكرة الثقافة المغربية،وذاكرة العديد من القضايا السياسية،في أزمنتها المتواترة،وخصوصياتها ، ومعالمها نضجت من ممارسة الفعل الصحافي باقتدار،بعد أن نذر اهتمامه، وحياته، وحبره، لتحصين المعاني الحضارية التي كانت تراهن عليها الحركة الوطنية المغربية،ويراهن عليها الإعلام المغربي،والصحافة المغربية، لتحصين الصحافة من كل المعاني النخرة،والارتقاء بالكتابة إلى بنائها المكتمل بالبحث والتوثيق،وصياغتها التامة،إنه فيما يكتب صار مؤرخا في المسرح حين يتحدث عن المسرح المغربي من البداية إلى الامتداد،يحقّب ما يجب تحقيبه،وفي التشكيل يجلي أهم تجارب التشكيليين وتجاربهم،وفي السياسة وقضايا المجتمع صار في كتاباته صوت المغرب خارج المغرب.
في كتاباته هو مغربي بصيغة العروبة،فهو عربي بصيغة الأصالة،وهو موثق بصيغة
الموثق الذي يعود إلى المراجع لدعم رأي أو قضية،ويعود إلى الإحالات توثيقا لما يجب
توثيقة والوثوق به،،في كتاباته ـ أيضا ـ هو مؤمن بالتعدد الثقافي بقدر إيمانه
بالهوية الوطنية المغربية،فنسيج نصوصه تكونه إحالاته المتعددة على ثقافاته
المتعدّدة،والمختلفة،بها يشخص حدود آفاق عمله، فيعتز بالتاريخ،وبالثقافة،وبالتصوف،وبالثقافة المغربية ،ويهتم اهتماما خاصا بحاضر
وبمستقبل المغرب.
منظوماته الفكرية ،هي سليلة المنظومة الثقافية والاجتماعية السائدة كقضايا في
المغرب،وأبحاثه قائمة على التحقيب،وقائمة على معرفة السياقات الثقافية والاجتماعية
المتحكمة في صيرورة المغرب.إنه مقتنع بأن الثقافة المغربية استمراريات مبدعة،وأن
السياسة والمسألة الاجتماعية سيرورة متناقضة،وأن أسئلة التغير السياسي والاجتماعي
في المغرب هي التي تكون وراء تنظيم المعطيات ،وتكون وراء ترتيب عناصر الكتابة
لبناء دلالات الأجوبة بعد أن يكون قد وعى أن الأنظمة التي تصف نفسها بالديمقراطية
لم توفر العدالة المطلوبة للمجتمع،وأن الأنظمة الاشتراكية التي تصف نفسها
بالاشتراكية صارت تصادر الحرية من المجتمع،وهو بين هذه الأنظمة يكتب عن المغرب،لأن
له عشقا دائما للوطن الذي يريده أن يكون حرا ،وعادلا،وديمقراطيا.