إن أهمية التحدي الثقافي، الذي حققته التلميذة المغربية "القارئة" مريم أمجون، قد لا يستدعي الاحتفاء العابر فحسب، بل لعلها تتجسد في كون هذا التحدي يشكل المنعطف
الأكثر تعبيرا وحكمة وامتلاء بالمعاني، لكونه يحدث الأفق المرتجى والضروري، داخل سياق ثقافي وتربوي ملتبس للغاية.ولعل خصوصية هذا المنعطف الذي أحدثته الطفلة المغربية القارئة ذات تسع سنوات، تتجلى في كونها تلميذة – وهي القادمة من عمق النسيج المجتمعي لبلادنا – تبرع في كل ما تكاد تعجز عنه بيئات اتصالية تواصلية ديداكتيكية في سياقنا المجتمعي والمؤسسي، ما يجعل مريم القارئة رقما صعبا مطلوبا تأمله لإدراجه في أبعاد أي مشروع تربوي ونهضوي تنويري، وهو ما يسعى إليه اتحاد كتاب المغرب، في محاولة الاقتراب منه لوصفه وتفسيره قليلا، حتى يتسنى إدراجه اليوم، بنيويا وليس ظرفيا، في سجل النقاش (الذي قدره أن يظل قائما) حول طبيعة المشروع المجتمعي التربوي والأسري والقيمي والثقافي التنويري للمغاربة وأولوياته.
لذلك، يبدو لنا مهما أن نتطارح اليوم بعض الأسئلة البسيطة، التي تبدو بديهية، من بينها على الخصوص، ما لذي تغير في معمار فهمنا للدرس الثقافي والمجتمعي التنويري، بعدما أقدم فعل القراءة الوطني، وقد تجسد في أبهى صوره، على إحداث الفرق عربيا ودوليا ؟ فسرعان ما صعدت مريم القارئة فوق هامة هذا التحدي البنيوي الممتلئ بالصعوبات، لترفع في المقابل، رأس المغرب عاليا في سماء النجوم المتوجة- ضمن محطة ثقافية عربية دالة وعميقة الإشارات، هي جائزة "تحدي القراءة العربي 2018". فعلت ذلك واجترحته بكل تميز واقتدار.
واليوم، يقف اتحاد كتاب المغرب، مكتبا تنفيذيا ولجنة منتدبة، ليستخلص بعض العبرة التي تمليها عليه ممكنات الإنجاز النوعي والعميق، الذي يمكن لفعل القراءة كمشروع حياة مجتمع أن يحققها.
وإن من شأن المتأمل اليوم في هذا المنجز الجميل والمشرف أن يستنتج، من كل هذا الزخم الاحتفالي المجتمعي والمؤسسي الذي تفاعل ويتفاعل مع منعطف مريم أمجون، أنه منجز سيلقي لا شك بظلاله الوارفة على وعينا الجمعي؛ مؤسسات رسمية، وسياسية، وأكاديمية وإعلامية، وجمعوية مدنية، ونسيجا مجتمعيا، ما يشي بمدى خصوبة المجتمع المغربي والمدرسة العمومية المغربية بممكنات التغيير الثقافي؛ ولعل هذه أولى رسائل الطفلة القارئة مريم أمجون، التي قد تستعصي على عدسات الصورة ومواقع البث الإلكتروني والتقليدي المحلي أو العربي والدولي.
من ثم، فإن أهمية تخليد لحظة الانتصار الثقافي، الذي اجترحته مريم القارئة بأفعال مجتمعية ومؤسسية عميقة مستديمة، لعل أقلها أن نطلق اسم مريم أمجون على إحدى مكتباتنا الوطنية أو أن نرسم اسمها الحكيم على بوابة مؤسسة تربوية كائنة في أبهاء قريتها الصغيرة، مشحونة عن آخرها بروحها المشربة ببراءة الحكمة، وعناد الطفولة القارئة.
أليست مريم أمجون هي من أعادت للأطفال وللكبار في مجتمعها تعريف فعل القراءة؟ أليست هي القائلة بلسانها البريء البليغ، إن القراءة مستشفى للعقول؟ لقد اختزنت في وجدانها الخصيب ما هو مفتقد حقا في تمثلاتنا، قال لنا انتصارها بأن القراءة طوق وذاكرة.
هنيئا للتلميذة والقارئة المتمكنة مريم أمجون، وهنيئا لمحيطها الأسري والعائلي ولفضائها التربوي بكل مكوناته، وهنيئا لمغربنا القارئ، بكل هذا النبوغ والحضور والتتويج والانتشار.
المكتب التنفيذي