سلسلةٌ من الأخطاء تسببت في المشهد العبثي التالي. مهندسٌ معماري أنيق على دراجته البخارية. يحمل حقيبة كاميرا احترافية ضخمة، وتورتة كبيرة. يقف في الطريق في
انتظار أشخاص سوف يمّرون بالسيارة ليـاخذوا التورتة، وينطلقون جميعًا إلى مكان الحفل. لم يأت الأشخاصُ وأغلقوا هواتفهم. وصديقنا لا يدري كيف يحمل التورتة على دراجة! فيغضب ويثور ويُخاصم الأصدقاء. هذا هو الشقّ الأول من الحكاية. وقبل إكمالها دعوني أطرح بعض الأسئلة.
هل يصنعُ اللهُ من أخطائنا الصغيرة هدايا كبيرة؟! كيف يختبئُ الجميلُ في القبيح، أو ما نظنّه قبيحًا، لأننا لا نرى الصورة كاملة؟ كيف يتخفّي الطيبُ، فلا نراه إلا حين تكتمل الصورة؟ وهل هناك مصادفاتٌ في هذا العالم، أم أن كلَّ شيء مرسومٌ ومنضبط على نحو فائق الدقّة والترتيب؟
دعوني أُكمل الحكاية التي تُجيب عن كل ما سبق من أسئلة، وتُعلّمنا: ألا ننظر إلى الأمور العابرة باستخفاف، لأن لا شيءَ عابرٌ في هذا الكون المنضبط، وألا نحزن إن لم تتحقق مساعينا؛ لأن اللهَ يرى ما لا نرى بحواسّنا المحدودة. ولكن دعوني أولا أقدّم لكم أبطال الحدوتة الصغيرة.
"ميَ السكّري"، صبية جميلة، مرشدة سياحية، أدمن صفحاتي، ورئيسة فريق عملي من شباب قرائي المتطوعين. "رامي نصيف"، مهندس زراعي مثقف، من فريق عملي التطوعي. عمّو "يونان بطرس"، بطل المشهد الافتتاحي. مهندس معماري مثقف، ومُصوّر فوتوغرافيا هاوٍ. وهو الأب الروحي لفريق عملي، يتفضّل مشكورًا بتصوير صالوني الشهري كهديةً كريمة. أُسمّيه: "يونان الوردة البيضاء"، لأنه يفاجئني في كل لقاء بوردة بيضاء أو طوق من الورود البيضاء يطوّق به عنقي. ولم ينس مرّة واحدة، على مدار عشر سنوات، ذلك الطقس المُبهج.
في سبتمبر من كل عام، وهو شهرُ ميلادي، يُفاجئني الأصدقاءُ والقراء بعمل أعياد ميلاد كثيرة لي. في كلّ مكان أذهبُ إليه، أتفاجأ بعد دقائق بصوت أغنية الميلاد تصدح، وتورتة مُضاءة بالشموع تتهادى نحوي. وفي سبتمبر الماضي أقيمت لي عدّةُ أعياد ميلاد في الإسماعيلية، والغردقة، ونادي الأرمن في شبرا، وجروب أبناء الزمن الجميل من أبناء عظماء الفنانين المصريين، وغيرها. وكان فريق عملي قد خطّط مفاجأتي بعيد ميلاد، ورتّبوا كلّ شيء. اشتري عمّو يونان التورتة الكبيرة، وحجزوا القاعة، ولم يتبق إلا استدراجي للمكان حتى تكتمل أركان "المؤامرة" المفاجأة. وحدث أن اضطررتُ للسفر في ذلك اليوم. وكان على ميّ ورامي الاتصال بعمّو يونان لكيلا يشتري التورتة. لكنهما نسيا! فحدث المشهد العبثيّ الذي في صدر المقال. وغضب العمُّ يونان وخاصمَ الجميع. كلُّ هذا تمّ دون علمي بطبيعة الحال. فتلك مؤامرتهم التي أخفقت.
بعد شهر من تلك الواقعة، اجتمعنا، وبدأ الجدلُ والعتاب. كلُّ شخص يُلقي باللوم على الآخرين لتبرئة نفسه والنجاة من ثورة عمّ يونان، الذي نحبّه جميعًا ولا نتحمّل غضبه. ظللتُ أستمع إلى الشجار، وأقول: "حصل خير يا جماعة. خلاص معلش تتعوض احنا كل أيامنا أعياد....” وفجأة قال عمّ يونان غاضبًا: (أنا بقيت واقف في الشارع شايل شنطة الكاميرا وباقة الزهور وتورتة طولها نصف متر، ومش عارف أعمل إيه والأساتذة قافلين موبايلاتهم! بصيت حواليا لاقيت دار للأطفال الأيتام. دخلت وجمعت الأطفال وقلت لهم: "تانت فاطمة جابت لكم التورتة دي وعليها صورتها عشان تحتفلوا بعيد ميلادها.” الأطفال فرحت جدا وغنينا لك أغنية الميلاد.) صُعِقتُ وهتفتُ بفرح: (معقول يا عمّ يونان، أهم جزء في القصة تقوله متأخر كده؟! كده الحكاية اختلفت تمامًا. الحكاية كده مفيهاش أخطاء. أخطاء ميّ ورامي كانت ترتيبات إلهية عشان يرسم للأطفال لحظة فرح مع الشموع والتورتة والأغاني والزهور! )
وبالفعل، كان الاحتفال مع أولئك الأطفال هو أجمل أعياد ميلادي رغم أنني لم أحضره؛ حتى يفرحَ الأطفال. وكانت أخطاء ميّ ورامي، حين لم يخبرا مهندس يونان بسفري من أجمل الأخطاء؛ حتى يفرحَ الأطفال. وحتى كذبة عمّ يونان على الأطفال حين زعم أنني أرسلتُ لهم التورتة، من أطيب الأكاذيب؛ حتى يفرحَ الأطفال. كلُّ ما سبق هو تطبيقٌ عمليٌّ ناصعٌ للآية الجميلة: “كلُّ الاشياء تعملُ معًا للخير، للذين يحبون الله.” فجميع ما سبق من أخطاء، وقعت حتى يفرحَ أطفالٌ يتامى قلّما يزورهم الفرحُ. هكذا يرتّب لهم اللهُ بهجاتهم، ولو من أخطاء الناس وسهوهم. ربما تنسى أو تُخطئ فتلوم نفسك، لأنك لا تدري، ولا تنظر إلى النهر إلا من ناحتيك فقط. الضفّةُ الأخرى تقول كلامًا مختلفًا. لكن اللَه جابر الخواطر يعرفُ كيف يحوّل أخطاءك إلى فرح ونعمة وبركة لمن يستحق. ودائمًا: "الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن”.
انتظار أشخاص سوف يمّرون بالسيارة ليـاخذوا التورتة، وينطلقون جميعًا إلى مكان الحفل. لم يأت الأشخاصُ وأغلقوا هواتفهم. وصديقنا لا يدري كيف يحمل التورتة على دراجة! فيغضب ويثور ويُخاصم الأصدقاء. هذا هو الشقّ الأول من الحكاية. وقبل إكمالها دعوني أطرح بعض الأسئلة.
هل يصنعُ اللهُ من أخطائنا الصغيرة هدايا كبيرة؟! كيف يختبئُ الجميلُ في القبيح، أو ما نظنّه قبيحًا، لأننا لا نرى الصورة كاملة؟ كيف يتخفّي الطيبُ، فلا نراه إلا حين تكتمل الصورة؟ وهل هناك مصادفاتٌ في هذا العالم، أم أن كلَّ شيء مرسومٌ ومنضبط على نحو فائق الدقّة والترتيب؟
دعوني أُكمل الحكاية التي تُجيب عن كل ما سبق من أسئلة، وتُعلّمنا: ألا ننظر إلى الأمور العابرة باستخفاف، لأن لا شيءَ عابرٌ في هذا الكون المنضبط، وألا نحزن إن لم تتحقق مساعينا؛ لأن اللهَ يرى ما لا نرى بحواسّنا المحدودة. ولكن دعوني أولا أقدّم لكم أبطال الحدوتة الصغيرة.
"ميَ السكّري"، صبية جميلة، مرشدة سياحية، أدمن صفحاتي، ورئيسة فريق عملي من شباب قرائي المتطوعين. "رامي نصيف"، مهندس زراعي مثقف، من فريق عملي التطوعي. عمّو "يونان بطرس"، بطل المشهد الافتتاحي. مهندس معماري مثقف، ومُصوّر فوتوغرافيا هاوٍ. وهو الأب الروحي لفريق عملي، يتفضّل مشكورًا بتصوير صالوني الشهري كهديةً كريمة. أُسمّيه: "يونان الوردة البيضاء"، لأنه يفاجئني في كل لقاء بوردة بيضاء أو طوق من الورود البيضاء يطوّق به عنقي. ولم ينس مرّة واحدة، على مدار عشر سنوات، ذلك الطقس المُبهج.
في سبتمبر من كل عام، وهو شهرُ ميلادي، يُفاجئني الأصدقاءُ والقراء بعمل أعياد ميلاد كثيرة لي. في كلّ مكان أذهبُ إليه، أتفاجأ بعد دقائق بصوت أغنية الميلاد تصدح، وتورتة مُضاءة بالشموع تتهادى نحوي. وفي سبتمبر الماضي أقيمت لي عدّةُ أعياد ميلاد في الإسماعيلية، والغردقة، ونادي الأرمن في شبرا، وجروب أبناء الزمن الجميل من أبناء عظماء الفنانين المصريين، وغيرها. وكان فريق عملي قد خطّط مفاجأتي بعيد ميلاد، ورتّبوا كلّ شيء. اشتري عمّو يونان التورتة الكبيرة، وحجزوا القاعة، ولم يتبق إلا استدراجي للمكان حتى تكتمل أركان "المؤامرة" المفاجأة. وحدث أن اضطررتُ للسفر في ذلك اليوم. وكان على ميّ ورامي الاتصال بعمّو يونان لكيلا يشتري التورتة. لكنهما نسيا! فحدث المشهد العبثيّ الذي في صدر المقال. وغضب العمُّ يونان وخاصمَ الجميع. كلُّ هذا تمّ دون علمي بطبيعة الحال. فتلك مؤامرتهم التي أخفقت.
بعد شهر من تلك الواقعة، اجتمعنا، وبدأ الجدلُ والعتاب. كلُّ شخص يُلقي باللوم على الآخرين لتبرئة نفسه والنجاة من ثورة عمّ يونان، الذي نحبّه جميعًا ولا نتحمّل غضبه. ظللتُ أستمع إلى الشجار، وأقول: "حصل خير يا جماعة. خلاص معلش تتعوض احنا كل أيامنا أعياد....” وفجأة قال عمّ يونان غاضبًا: (أنا بقيت واقف في الشارع شايل شنطة الكاميرا وباقة الزهور وتورتة طولها نصف متر، ومش عارف أعمل إيه والأساتذة قافلين موبايلاتهم! بصيت حواليا لاقيت دار للأطفال الأيتام. دخلت وجمعت الأطفال وقلت لهم: "تانت فاطمة جابت لكم التورتة دي وعليها صورتها عشان تحتفلوا بعيد ميلادها.” الأطفال فرحت جدا وغنينا لك أغنية الميلاد.) صُعِقتُ وهتفتُ بفرح: (معقول يا عمّ يونان، أهم جزء في القصة تقوله متأخر كده؟! كده الحكاية اختلفت تمامًا. الحكاية كده مفيهاش أخطاء. أخطاء ميّ ورامي كانت ترتيبات إلهية عشان يرسم للأطفال لحظة فرح مع الشموع والتورتة والأغاني والزهور! )
وبالفعل، كان الاحتفال مع أولئك الأطفال هو أجمل أعياد ميلادي رغم أنني لم أحضره؛ حتى يفرحَ الأطفال. وكانت أخطاء ميّ ورامي، حين لم يخبرا مهندس يونان بسفري من أجمل الأخطاء؛ حتى يفرحَ الأطفال. وحتى كذبة عمّ يونان على الأطفال حين زعم أنني أرسلتُ لهم التورتة، من أطيب الأكاذيب؛ حتى يفرحَ الأطفال. كلُّ ما سبق هو تطبيقٌ عمليٌّ ناصعٌ للآية الجميلة: “كلُّ الاشياء تعملُ معًا للخير، للذين يحبون الله.” فجميع ما سبق من أخطاء، وقعت حتى يفرحَ أطفالٌ يتامى قلّما يزورهم الفرحُ. هكذا يرتّب لهم اللهُ بهجاتهم، ولو من أخطاء الناس وسهوهم. ربما تنسى أو تُخطئ فتلوم نفسك، لأنك لا تدري، ولا تنظر إلى النهر إلا من ناحتيك فقط. الضفّةُ الأخرى تقول كلامًا مختلفًا. لكن اللَه جابر الخواطر يعرفُ كيف يحوّل أخطاءك إلى فرح ونعمة وبركة لمن يستحق. ودائمًا: "الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن”.