-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

بارومتر التحضر- فضيلة الفاروق

مهما عبّرت عن احترامي و إعجابي بالفنان الكبير وحيد جلال وكوكبة فناني زمنه مثل جهاد الأطرش، وسمير شمص، وسامي كلارك، والراحلين منهم مثل هند أبي اللمع،
وإبراهيم مرعشلي ومحمود سعيد، وغيرهم، فلن أمنحهم حقهم، لقد صنعوا طفولتي بأصواتهم فائقة الروعة، ولفظهم السليم للغة العربية، وإلى اليوم وأنا في الثانية والخمسين من عمري أجلس بين فترة وأخرى لأعيد مشاهدة مسلسلات كرتونية مثل ريمي وهايدي، ونيلز.. وقصص أخرى عالمية حوّلها اليابانيون إلى أيقونات أبدية في أذهاننا..
هذا الوله الدائم لأعمال طبعت طفولة جيلي، لاحقني إلى أن وجدت نفسي في لبنان، لكني جئته بعد الحرب، وقد أحيلت نجوم طفولتي إلى التقاعد القسري، ليحلّ محلّهم نجوم بهشاشة البيض الفاسد، وقد كان من الصعب أن أتقبل ذلك من "لبنان الحلم الجميل"، فبحثت عن أبطالي بنفسي، حاورت بعضهم، واقترحت بعضهم الآخر على برامج تلفزيونية كنت أعدها، مع أن الصدمة الأقوى كانت حين أقدم اسماً عظيماً من هذه الأسماء التي ذكرتها و أُقابَل برفضها من رؤسائي في العمل في جرائد كثيرة وتلفزيونات تعاونت معها.
راودني حلم أن أراهم مكرّمين على مدى أربع وعشرين سنة عشتها في لبنان، التكريم الذي يستحقون، وظل الأمر حلماً إلى أن رأيت هذا يحدث في الرياض مؤخراً، العاصمة العربية الوحيدة التي استبعدها الجميع عن أن تكون منصة لتكريم عمالقة العطاء الفني الراقي، دمعت عيناي وأنا أرى النجم وحيد جلال إلى جانب جهاد الأطرش يكرمان بما يليق بهما، وكأنّ الأمر متعلّق بانتصار قضية شخصية، وعرفت أن من فعلوا ذلك هم مثقفون من جيلي، وقلوبهم تنبض بما تركه الماضي الجميل من بصمات عميقة صنعت ذائقتنا الأدبية والفنية، وجعلتنا نرفض النزول إلى القاع الهش..
عرفت أن هؤلاء انتظروا نصف قرن لتأتي فرصتهم فلا بأس إن تأخرت فرصتي وطالت مدة أحلامي، بكيت فرحاً، ولم أعلم أن دموع الفرح ستأتي بخير وفير، حين امتلأت ساحات لبنان بمنتفضين على كل أشكال الفساد، منادين بتطهير البلد ممن سرقوا لبناننا الجميل. صحيح أن مواقع التواصل الاجتماعي تناقلت "سخافات" حدثت في الشارع، ولكن الموجودين على الأرض لن يسمعوا سوى أغان قديمة راقية، وشعارات راقية رفعت، وقد ظهر لبنان النّاصع من تحت الغيمة السياسية القاتمة التي عتّمته طيلة ربع قرن.
من دون شك مظاهر الفساد تبدأ حين تسقط الثقافة في الإسفاف والتدني، وحين تحتل البذاءات بلاتوهات التلفزيونات والمسارح، فقد كانت الثقافة دوماً "بارومتراً" حقيقياً لقياس مدى تحضر المجتمعات وأنظمتها.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا