خرج مجموعة من المثقفين المغاربة يتحدثون عن مخاطر مفترضة تهدد في العمق اركان الدولة الوطنية و تنذر بتفككها و تشتتها بسبب المد “الهوياتي “المتطرف
المتعصب المرتكن للميولات الاثنية و العرقية ورأوا في هذا المنحى ما يشبه قنبلة موقوتة ستؤدي بمصير الدول الى مرحلة ماقبل بناء الدولة القطرية بما يعنيه ذلك من عودة القبيلة و العشيرة و تغليب الخصوصية المجالية الضيقة على حساب منطق الدولة و مؤسساتها الوطنية و يبدو ان هذا التحليل و التبؤ “المتشائم “يمتحي من طروحات ليست جديدة في معالجتها للتعدد اللغوي و الحضاري و الفكري تنظيرا و ممارسة بل كانت هناك احزاب سياسية بذاتها لا تتردد في سحب خطر التفكك و الافلاس من غمذه كلما علت او همست اصوات تنادي باحترام الخصوصية الفكرية و الثقافية و الحضارية لمكون معين ..
و مادام التفكير في صيرورة الدولة و مستقبلها و اشكالاتها الثابة و المتغيرة يبقى نسبيا في طروحاته و نتائجه و ان قراءة مآلها و مستقبلها في فنجان ما يحدث على المستوى الاقليمي و الدولي لا يمكن ان يفرز نتائج و تصورات تتسم بالقطعية و الاطلاقية فاني ساتجرء لاعبر عن رأيي المتواضع فيما ارى و فيما اسمع ؟مع التذكير بان كثير من التحليلات و التنبؤات صدرت في الماضي فنذها المستقبل وطواها التاريخ طيا رغم قيمتها الفكرية و الايديولوجية ابان صدورها …، فاذا كان العالم من حولنا يغلي نعرات واقتتالات و تفككات و كان محيطنا الاقليمي لا يخلوا من مخاطر وتهديدات فان مجموعة من الملاحظات تفرض نفسها و ساعرضها في شكل تأملات مواطن عادي يهمه مصير بلده .
أولا : ان اقحام مجموعة من الدول التي انشطرت الى جماعات و اعراق و مذاهب و انهكتها الحروب و الفتن ليس مقنعا في تعميم نتائجه على الجميع ، من منطلق ان التفكك و الانشطار لم يكن سببه الاعتراف بالاخر باختلافه و تميزه الحضاري و العرقي و الديني، و لكن كما هو معروف فان طغيان الاستبداد و تحويل الحدود الوطنية الى سياجات لسجن كبير هو الذي ادى الى تثبيت العنف و العداوة للدولة التي بمجرد ما هوت عليها الضربات الاولى من “العدو ” حتى التحق به اهل الدار لينسفوا السجن و السجان ! فاختلطت الدماء بالالام على ارض واحدة ،ليبيا، سوريا العراق.. مثلا.
ثانيا : ان التعاطي التاريخي مع التعدد و الاختلاف اللغوي و الحضاري و الاثني كان يختلف من دولة لاخرى فالمغرب و الجزائر يختلفان كثيرا عن الكثير من الدول الاخرى فتاريخهما تاريخ انصهار و تكامل و تعايش بين العرب و الامازيغ ودرجة الظلم و التهميش رغم قساوتها لم تصل يوما فيهما الى حد الاقصاء التام ولم يثر الانتماء العرقي الخالص وحده محددا لماهية السلطة و مشروعيتها .
ثالثا : ان بناء بناء دولة وطنية قوية ديمقراطية حداثية يمر اساسا عبر اعلاء شان الانسان في خصوصيته و تعدده لغة و ثقافة وحضارة .الخوف كل الخوف من الاستبداد و التسلط اما الديمقراطية و احترام حقوق الانسان و “الاقرار الفعلي بمقومات تاريخنا الجماعي” و احترام التعاقدات السياسية و الدستورية و احترام اسس هويتنا المركبة فان ذلك كله لن يكون سوى مصدر قوة دافعة للتحدي و البناء الامن لمنوذج مجتمعي سياسي اقتصادي و فكري دائم و متواصل في التفاعل و العطاء ….
رابعا : ان هدر الزمن السياسي و تعطيل مقتضيات الدستور و تعويمها كلما تعلق الامر في المغرب بالامازيغية يعطي صورة متموجة و متدبدبة لموقف الدولة التي كثيرا ما تنسخ التزماتها و خطاباتها و تتناسا تعهداتها و اشاراتها الوضحة في انصاف ثرات حضاري و فكري و لغوي متجذر في التاريخ و في وجدان المغاربة ما معنى ان تتراجع الدولة عن تعليم الامازيغية ما معنى ان تسعى الحكومة لمحو المعهد الملكي للثقافة للامازيغة رغم انه يؤرخ لتحول نوعي في تعاطي الملكية مع الامازيغية بل يؤرخ لخطاب تاريخي لجلالة الملك في بداية عهده اعني خطاب اجدير الذي ربط بين النهوض بالامازيغية و بين موقومات المجتمع الديمقراطي الحداثي .. المفهوم الذي تكرر مرارر في الخطابات الاولى شانه شان المفهوم الجديد لللسلطة !
لا شئ من هذا مع ذلك يهدد الدولة الوطنية!! فقط يؤجل انطلاقها نحو الديمقراطية الحقيقية.. نحو الكرامة و نحو العدالة الاجتماعية.
*محامي بهيئة الرباط