ما لا يقبله العقل اليقظ، ولا المنطق السياسي في المغرب الراهن، أن
قانون من أين لك هذا الذي أوجدته النخبة الوطنية سنة 1964 قبل أن يستنزف الفساد
موارد البلاد، وقبل أن يبتلع ثرواتها،
لم يفعل حتى الآن، ليبقى حبرا على ورق أمام
الفساد الذي أصبح كيانا خرافيا يلهب الأخضر واليابس / يحرق كل الأوراق والمشاريع/ يتحدي
كل القوانينأمام الأحزاب والحكومات والبرلمانات… وأمام القضاء وأهله.
المثير في تاريخ هذا القانون، أن الحديث الإعلامي / السياسي حوله لم
يتوقف مند ظهوره حتى اليوم، حيت رافق حالة الاستثناء وظهور أحزاب ونخب جديدة
وحالات فساد مؤلمة، ولكن تفعيله ظل طوال هذه الفترة محل نقاش واخذ ورد داخل قاعات
البرلمانات المتعاقبة، أو داخل البيوت المغلقة.
ومع أن الحديث حوله يأتي كل مرة ساخنا وبلاغيا، إلا انه سريعا ما
يذوب في الأحداث والحوادث، ليعود بعد حين إلى مربعه الأول من طرف الذين يهمهم أمره،
لينتهي إلى حيت انتهى الذي قبله.
-2-
"قانون من أين لك
هذا؟” الذي تم وضعه قبل ستة عقود، يجرم الإثراء غير المشروع/ يهدف إلى دعم
الشفافية وترسيخ مبادئ النزاهة والحياد والمساءلة وحماية المال العام /يخضع كل
الموظفين والمسؤولين في أجهزة الدولة، وكل المنتخبين في المجالس النيابية، وكل
الذين تعهد إليهم صلاحيات السلطة العمومية، لأحكام القانون، كما تخضع لأحكامه كل الأحزاب
السياسية وجمعيات المجتمع المدني، وكل من يمارس نشاطا إعلاميا أو صحفيا.
بعد نصف قرن أو يزيد على ظهور هذا القانون، يظهر قانونا بديلا تحت
مسمى “قانون التصريح بالممتلكات” من اجل دعم جهود مكافحة الفساد/ مكافحة جرائم
الاعتداء على المال العام /من اجل إيجاد آليات وإجراءات اكتشاف واثبات تلك الجرائم
واسترداد الأموال المنهوبة.إذ يطالب هذا القانون على علاته، التصريح بالممتلكات:
العقارات/الأموال المنقولة / الأصول التجارية/ الودائع في الحسابات البنكية / السندات
والحصص والأسهم في الشركات/الممتلكات المتحصلة عن طريق الإرث أو الاقتراضات/التحف
الفنية والأثرية /الحلي والمجوهرات/الممتلكات المشتركة مع الأغيار /ممتلكات
القاصرين.
-3-
اعتمدت الحكومة هذا القانون “قانون التصريح الإجباري بالممتلكات” سنة
2010، إلا انه بشهادة العديد من الخبراء والملاحظين تشوبه نواقص عديدة جعلت منه
حبرا على ورق.
حسب المجلس الأعلى للحسابات، أن حوالي 20% من المسؤولين، بينهم وزراء
ونواب و برلمانيين لم يخضعوا لمقتضيات هذا القانون دون أي عقاب أو محاسبة،وحسب
خبراء آخرين أن غالبية الذين صرحوا بما يملكون لم تفحص أوراقهم.
يعني ذلك أن حالة انتظارية غريبة تمتد من سنة 1964 إلى اليوم، لم
تسمح لا لقانون من أين لك هذا، ولا لقانون التصريح بالممتلكات بالتفعيل ومواجهة
الفساد والمفسدين وهو ما يجعلنا سياسيا خارج المنطق وخارج قيمه وأحكامه.
هل الأمر يتعلق بضرورة تشكيل مشهد سياسي جديد / مغاير بمغرب الألفية الثالثة،
لتصحيح أوضاعه، وجعل حد للفساد وللانهيارات والاهتزازات العنيفة التي يحدثها على أرضه
والتي أصبحت تشكي وتبكي من آلام المفسدين.؟
إن تشكيل مشهد سياسي جديد بالمغرب الراهن، للخروج من الانتظارية
الراهنة لقانون من أين لك هذا / قانون التصريح بالممتلكات، لا يعني فقط ردم
الخلافات حوله بين الحكومة والبرلمان والأحزاب، التي جمدته وعرقلت تفعيلة ستة عقود
من الزمن المغربي، ولكن يعني قبل كل شيء التسلح بإرادة قوية لكل الفاعلين في
الحقلين السياسي والقضائي، لتفعيل هذا القانون من اجل انقاد البلاد والعباد من
الانهيار.
أفلا تنظرون….؟