في كثير من الأحيان نسمع فجأة آذان الصلاة في
اجتماع أو في الحافلة أو حتى في حانة أو مطعم. لا، هذا ليس آذان آتي من مسجد قريب، بل جرس هاتف متنقل. وأسوأ ما في الأمر،
حيث تتعلق هذه
الرنة بنداء للصلاة ويُذكر فيها "الله أكبر"، نرى صاحب الهاتف يترك
الرنة حتى إلى آخرها إذا لم يستطع الرد، وهكذا يلزم الجميع على الانتظار بدون أي
احترام لهم.
لماذا إذن يجعل المغربي آذان الصلاة جرساً
لهاتفه؟
1-
لكي يُعلن أنه مسلم وفخور بذلك
أظن بإمكان الفرد أن يفتخر بسلوكه التي تتوافق
مع تعاليم دينه ومن أهمها التسامح والتعايش والاحترام التام للآخرين.
2-
تحويل الهاتف إلى صومعة بدون مسجد
مع رنة آذان الصلاة يحول المغربي هاتفه إلى
مؤذن متنقل ويدعو الناس إلى الصلاة أو على الأقل يذكرهم بضرورة الصلاة. وأسوأ من
هذا هو أن صاحب الصومعة المتنقلة لا ينسحب فورا ليصلي بل يستمر في شغله. وأتساءل لماذا
إذن يريد إعطاء دروس دينية للآخرين؟
3- وضع التكنولوجيا في خدمة الدّين
يشعر العرب بالإهانة من خلال استخدام التكنولوجيا
التي اخترعها الغربيون أو بالأحرى "الكفار" في حين كان على العرب أن
يكونوا قادة في كل الميادين العلمية
والفنية والأدبية والرياضية والاقتصادية لأنهم يعتبرون أنفسهم أحسن أمة والمفضلين
لله. ولذلك أدخلوا التكنولوجيا في الإسلام من خلال اختراع رنين للهاتف ينادي
للصلاة.
5- العربي في صراع دائم مع نفسه
يتمزق العربي بين تيارين، الرغبة في الحداثة والتشبث
بالتقاليد الدينية ويريد أن يكون على حد سواء في نفس الوقت. وهكذا يثبّت على
الهاتف المتنقل (رمز الحداثة) تقاليده الدينية من خلال رنة آذان الصلاة أو آيات من
القرآن أو أدعية تطلب المغفرة والرحمة.
5- العربي يعيش في تناقض دائم
مع كل آذان للصلاة في المساجد لا يتوقف الناس للقيام
بالصلاة ونرى الناس تمشي وتواصل سيرها إلى مساعيها أو تبقى جالسة في المقهى تواصل
رشفة الشاي وتدخين السجائر. كما تستمر حركة المرور على الطرق كما لو أن الجميع
أصم. وهكذا بين الإيمان الديني النظري والعملي يلاحظ الفرد العربي التناقض وعدم
المطابقة. وبطبيعة الحال وحتى يتمكن من طمأنة نفسه يجعل من آذان الصلاة رنة لهاتفه
لكي يستمع جيدًا ويجعل الآخرين يستمعون إليها.
6- يتجاهل العربي قدسية آذان الصلاة والكلمات الإلهية
إذا كان العربي يكرم دينه ويدرك تمامًا قدسية
الدعوة للصلاة، فلن يستطيع أبداً من تحويل مقام آذان الصلاة إلى رنين للهاتف ولا
يسمح لهذا الآذان النبيل والجميل لإقلاعه من الصومعة وتثبيته على هاتفه وتحويله
إلى مجرد جرس!
الدكتور
جواد مبروكي، طبيب نفساني وخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي