-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

الجزائر… بلاد الرقابة تحلم بهوليوود - سعيد خطيبي

لم ينتظر رئيس الجزائر الجديد كثيراً كي يجلب الأنظار إليه، ويمد يده إلى الثقافة، لقد سن قراراً لم يسبقه إليه أحد، ولم يخطر على بال حاكم من قبل، لقد كان سباقاً مثل
عدائي المسافات القصيرة وسريع البديهة، أراد أن يكون الاستثناء، ويكشف عورة من سبقه، الذين لم يولوا الثقافة أهمية، لقد أوحى لنا أنه ينظر إلى أبعد ما نتوقع ويستشرف المستقبل، وعين أمام دهشة الجميع وزيراً منتدباً مكلفاً بالصناعة السينمائية، نعم وزيراً منتدباً للسينما! قد يبدو الأمر عادياً بالنسبة للبعض، ويوشوشون أن الرئيس ينوي خيراً، لا بد أنه يحمل وصفة غضت عنها الأبصار، ويريد تسويق صورة ناصعة عن البلاد، أو يُضيف إليها سعفة أخرى من مهرجان «كان»، لكن الحرج يكمن في أن الجزائر بلد معادٍ للسينما، تفصله عنها أنهار ووديان، ليس فقط في الإمكانات والبنى التحتية، ولا يتعلق الأمر بغياب أستديوهات ومراكز تكوين، بل أيضاً في قوانينه، التي تحرر المقص كي يقطع ما يحلو له من صورة وصوت، وتجعل من الرقابة أولوية، مع ذلك، وبينما الفن السابع ينحدر، منذ عقود، لا قاعات ولا إنتاج يمكن أن نفاخر به، يعلن الرئيس ـ في لحظة حماسة ـ على السير في الصحراء، وبما أنه لم ينتبه إلى أسباب سقوط السينما الجزائرية، فلا بأس إذن أن نذكره بها قليلاً.
جاء في قانون السينما في الجزائر، أن يُساهم هذا الفن في «التنمية الاقتصادية»، أن يكون له دور في تحصيل عائدات تذهب إلى الخزينة العمومية، وهو شرط لم يتحقق لحد الساعة، فكل الإنتاج السينمائي في الجزائر يتكل على دعم حكومي، ولا عائد منه، فبينما تناقش دول أخرى خفض ضرائب أو إعادة النظر فيها في قطاع السينما، فإن الجزائر لا تزال في الدرجة الصفر، بحكم ندرة قاعات السينما، بالتالي فإن أي فيلم يصدر أو يُستورد، لا يُعرض سوى في عدد ضئيل من القاعات (متمركزة خصوصا في العاصمة)، ولا يُنتظر منه أن يقدم ديناراً واحداً للخزينة العمومية.
من حق الرئيس الجديد أن يحلم، فقد شرع الحراك الشعبي أبواب الحلم، وأخرج الجزائري من خموله الذي عمّر طويلاً، لكن الرئيس يحلم بما لم يسبقه إليه أحد، يحلم أكثر من طاقته بأن يجعل من البلاد «هوليوود شمال افريقيا»، لكن على الورق طبعاً، باستحداث الشعارات وتلهية العقول بالنظريات الكبرى، فالواقع شيء مُخالف، لو قدر أن أوتيت السينما المحلية مالاً وفيراً، والتحق بها كبار المخرجين والممثلين، فلن تستطيع التقدم خطوة واحدة إلى الأمام، بسبب قوانين الرقابة التي تحكمها، ففي القانون ذاته، نقرأ ما يلي: «يحظر تمويل وإنتاج واستغلال كل عمل سينمائي يُسيء للأديان، أو ثورة التحرير الوطني ورموزها وتاريخها، أو يمجد الاستعمار، أو يمس بالنظام العام أو الوحدة الوطنية، أو يحرض على الكراهية والعنف والعنصرية».

تظل جملة «يمس بالنظام العام» لغزاً في هذا القانون، والبند المذكور فضفاض يمكن الاستعانة به في منع أي فيلم، مثلما مُنع قبل عام ونيف فيلم عن المناضل العربي بن مهيدي، بحجة مشهد خلافي يظهر مشادة لسانية بينه وبين الرئيس الأسبق أحمد بن بلة، كما اعتمدت وزارة الثقافة على البند ذاته في غلق قاعة سينما، بحجة عرضها فيلماً تضمن مشاهد عادية، أوّلت على أنها إباحية. هذا النص القانوني بالذات يعرقل الإنتاج السينمائي أكثر مما يحفزه، ويجعل منه قطاعاً قاصراً بين يدي السلطة، وليس أمام السينمائيين إلا كبح جسارتهم وإبداعهم تجنباً لغضبها، ويدها الممدودة إلى المقص.
لا ندري من أوحى للرئيس أن يبتدع وزارة للسينما، ولم ينبهه أن البلد يسبح في ترسانة من قوانين الرقابة، حيث نقرأ لاحقاً في بند آخر: «تخضع أنشطة إنتاج التسجيلات السمعية البصرية الموجهة للاستعمال الخاص للجمهور، وكذا نشرها واستنساخها وتوزيعها، إلى رخصة مسبقة يسلمها الوزير المكلف بالثقافة»، وهو بند ينفي صلاحيات الوزير المنتدب المكلف بالصناعة السينمائية، الذي عين حديثاً، حيث أنه يبقى رهينة وزير الثقافة في قراراته، ثم إن هذه الرخصة التي يشير إليها القانون من الألغاز التي يصعب حلها، تخضع في أحيان كثيرة لمزاج المسؤول الأول على القطاع الثقافي، ولم يسبق أن مُنع فيلم، ثم أجيز عرضه بعد طعن، فالطعون في هذه الحالة غير واردة، ويصير توزيع الأفلام في القاعات على ندرتها من خصوصية وزير، يوافق أو يرفض كما شاء.
مع تراجع السينما المحلية، وإنتاجاتها، يستبشر قانون السينما في الجزائر بأن يكسب البلد منتجين أجانب، وتلجأ إليه شركات خارجية قصد تصوير أعمالها، ويضيف في بند آخر: «يجب على المنتج الذي يضمن الإنتاج التنفيذي للأفلام السينمائية الأجنبية، اللجوء إلى متعاونين جزائريين»، لقد مضت سنوات طويلة لم يحلّ فيها منتج أجنبي في الجزائر، ومشاريع أخرى اقترحها أجانب ـ على قلتها ـ لم تلق قبولاً من طرف السلطة، فالجزائر تعيش داخل حيز ضيق، أكبر بلد في افريقيا لا ينتج سوى لنفسه، ويغلق أبوابه أمام المبدعين الأجانب، مع ذلك نصادف قانون السينما هذا، الذي نشعر كما لو أنه صيغ على مقاس السبعينيات من القرن الماضي، حين كانت الجزائر أستوديو شاسعا، تستقطب المنتجين والمخرجين والممثلين الأجانب، قبل أن ترتد على نفسها.
لقد غامر الرئيس الجديد في الجزائر بتعيين وزير للسينما، ووضعه في صدام قانوني مع وزير الثقافة، فاستغلال الأفلام وتوزيعها يمر عبر لجنة مشاهدة، يشكلها وزير الثقافة، فهل قرأ الرئيس الجديد، الذي جاء محملاً بأحلام هوليوودية قانون السينما، قبل أن يعين وزيراً منتدباً لها؟ هل يعلم أن هناك بندا يفرض على الحكومة ترميم واستغلال قاعات السينما غير المستغلة، لكنه غير مفعل؟ هل يعلم بينما نحن نكتب هذه الأسطر أن سكان ولاية سطيف، حوالي نصف مليون نسمة، في شرق البلاد، يطالبون فقط بتوفير قاعة سينما واحدة، ولا أحد يستمع إليهم؟
٭ كاتب من الجزائر
عن القدس العربي

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا