مسارات سعيد
بوخليط:
القراءة، الكتابة،
الترجمة،المرجعية،
المناهج الغربية، درس باشلار…
حاوره : محمد
الصادق (صحفي مصري)
العمل الذي شكَّل
مرتكزا مفصليا،لمختلف
الكتابات التالية له،والتي خاضت
في قضايا ثقافية عدة،
إما ترجمة أو تأملا؛ وراهنت على تعايش أنواع الخطابات والأجناس،فهو لا يكف عن
الترحال بين نصوص أدبية وفلسفية وسردية، وكتابة المقالة الصحفية المهتمة بمتابعة
مجريات الشأن العام محليا وعالميا؛ فكانت باكورة ذلك مقالات شتى شديدة التنوع
مبثوثة هنا وهناك ورقيا سابقا، ثم فيما بعد على امتداد صفحات شبكات المواقع الاليكترونية،إضافة
إلى عشرات الإصدارات سواء في المغرب والجزائر و مصر ولبنان والأردن،يكشف عنها رابط
مدونته : (http://saidboukhlet.com).
س- يشغلني دائما التساؤل، بخصوص المواجهات الذاتية
والموضوعية،التي دفعت بك نحو الكتابة والترجمة والبحث؟
ج-طبعا، وراء كل منشغل بالسؤال المعرفي؛
تجارب محض ذاتية ومحفزات موضوعية نزعت به نحو هذا العالم الجميل جدا قدر وعورته،الذي
اعتبرته منذ وعيي بحقيقة هذا الوجود، بأنه عالمي الأوحد والأمثل و الأبقى لن أختار عنه ماحييت بديلا.
طبعا ارتبطت أولى الشرارات، بفروسية سنوات المراهقة؛وقد أطبق عليك العالم بغثة بكل
وطأته،دون هوادة؛فتحاول النجاة بجسمك الصغير والهش، وتحافظ على سلامة رأسك الآخذ
في التفتق آنذاك، من صعقات المجتمعي بهوله و فظاعته،في غياب أي محاور بوسعك الاستكانة
إليه.لقد مات أبي سريعا
جدا في عز شبابه وهو رجل متعلم، وأنا طفل صغير، بينما أمي الشابة أيضا؛لم تمتلك الحد الأدنى من مقومات
الشخصية الإنسانية،التي
يمكنها تمثل واستيعاب طبيعة شخصيتي،ليس لأنها لم تكن ذكية؛بل على العكس ومفرطة
الحساسية،لكن فقط ولأنها كباقي أغلب أمهات أطفال جيلي اللواتي ظلمهن القدر و الشجر
والحجر نتيجة قسوة المعطيات السوسيو- ثقافية المرتبطة ببنيات المجتمعات المحافظة.هكذا شكلت الروايات التاريخية لجورجي
زيدان،بالنسبة إلي،فيما أذكر- مع أني لا أذكر تحديدا كيف صادفتها أول مرة- أولى
فخاخ استدراجي نحو ملاذات عالم القراءة،فأدمنت لحقبة طويلة مختلف روايات زيدان
مثل(عذراء قريش، غادة كربلاء، الحجاج بن يوسف، فتح الأندلس، العباسة أخت الرشيد،أحداث
الفتنة الكبرى…).ثم أعقبتها روايات
تولستوي ودوستويفسكي،أكتفي
باستحضار عناوين(الحرب والسلم،الجريمة والعقاب،الإخوة كارامازوف…).دون نسيان
طبعا ألفبائيات أغلب أفراد جيلي أقصد نصوص المنفلوطي وجبران خليل جبران(النظرات، العبرات،الشاعر،الأرواح المتمردة،الأجنحة
المتكسرة دمعة وابتسامة…).شرود أضحى وعيا حينما تعرفت بداية
سنوات الثمانينات وأنا في السلك الإعدادي،على صديق بوهيمي، مختلف جدا؛ شغوف
بالكتاب والمعرفة عموما، لقبناه آنذاك صحبة باقي زملائي بكافكا نظر لعشقه الشديد
للكاتب التشيكي،وبفضله عشقت بدوري عناوين(القلعة،المسخ …)وبدأت
أكتشف أسماء كتاب الغرب وأقرأ ترجماتهم إلى العربية.
أما عن تجربة
الكتابة،
فقد دشنتها تحديدا سنة 1993 ،بمقالة تحت عنوان : بيان في الذات. ضمن سلسلة شملت ست
مقالات/بيانات؛عبرت عن وجهة نظرنا نحن الأصدقاء الأربعة، الحاملين آنذاك لهاجس
ماسميناه وقتها بفلسفة جماعة حلقة الشعراء المفقودين؛تيمنا بأطروحة الفيلم الشهير
خلال الحقبة.ثم استأنست بالكتابة في الصحف،ولم يكن
النشر سهلا؛ بالنسبة لشخص على شاكلتي يغني خارج السرب وبنيات المؤسسة الحزبية
المتحكمة في قنوات النشر،بل اقتضى الوضع صبرا ونفَسَا طويلا وشغفا؛وإلا فإن مختلف
التفاصيل تشتغل بغير ما تتوهمه سذاجة مخيلتك….
أما انطلاق الترجمة
فقد بدأت أساسا سنة 2000 ، ضمنيا بإقرار رمزي من طرف المفكر محمد
عابد الجابري،
حينما أدرج اسمي ضمن ملف خاص حول نظرية الأدب،إلى جانب باحثين مكرسين،بفضل ترجمة لمفهوم
الصورة الأدبية عند غاستون باشلار، فاكتشفت عملي صدفة ذات صباح، للمرة الثانية في مجلته
''فكر ونقد'' التي توقف إشعاعها الكبير،ومعها أفق مرحلة
بأكملها من تاريخ المغرب،برحيل الأستاذ الجابري المباغت شهر ماي . 2010ثم تواصل التحفيز مع المفكر مطاع صفدي،من
خلال مجلتيه"الفكر العربي المعاصر''و"العرب والفكر العالمي". تلك باختصار شديد، أهم التشكلات المفصلية بخصوص مسارات
القراءة والكتابة والترجمة.
س- تتناول
كتاباتك أحداثا لها علاقة مباشرة بالواقع والتحولات السياسية والاجتماعية.هل اختيارك
للموضوع ينبع من الواقع المحيط والتزامك الأخلاقي، وإيمانك بدور الكاتب في السعي إلى
الكشف عن تأثيرات العولمة وامتدادات مختلف ذلك إلى الأنساق الحياتية للشعوب؟
ج-طبعا، لكن إطار اختياراتي؛ سبق لحظة
العولمة بسنوات طويلة، بحيث تكرس وتعضد ضمن النقلات النوعية للخريطة التي أبنت
عنها أعلاه؛ فيما يتعلق بالقراءة والكتابة والترجمة.
ربما فاجأتنا العولمة، بأسئلة مختلفة نوعيا عن التي رسمت أفقي وأنا طفل ومراهق وشاب.منذ البداية؛ انشغلت بالإنسان وقيم
الخير في مواجهة مساوئ الشر.كيف أجدني منتسبا، أحيا، مزهوا بين
صفوف مجموعة بشرية، تؤمن بمرجعية مطلقة قوامها :كيف تكون إنسانا حقيقيا؟ بالتالي
المبدأ نفسه يؤرقني غاية اليوم، لا يمكن بتاتا التهاون أو التراجع عن التبشير به دائما. نعم، المهم أن
تكون إنسانا؛وتشع بنور
الحقيقة مكتسحا ظلمات نفسك، أولا وأخيرا، قبل التفكير بالتحول نحو البراني .أنا أكره، جملة
وتفصيلا، جل مظاهر
حياتنا التي تغتال جوهر الإنسان؛ أو تخطط لذلك.
س-ما الرؤى
الفكرية التي خلصت إليها سواء في كتابك "تأملات في بعض يوميات التردي العربي
وتحديات التغيير"(2016) أو كتابك
الآخر"آفاق إنسانية لامتناهية''(2018)؟
ج- نفس الخطاطة
المتطلعة إلى النموذج الأفضل، في صيغته المتكاملة بنيويا على جميع المستويات فكريا وماديا.جاءت صفحات العمل
الأول كخطاب رثائي لواقعنا، ومآلات أشكال الهزيمة التي مافتئت تقوض ممكنات ما تبقى
له من سبيل إلى الحياة، فكان لابد من استحضار أسئلة حارقة من نوع تراجيديا سقوط
بغداد، و ترسخ شر الديكتاتوريات العربية، ومتاهة الثورة السورية، والخلاف
الفلسطيني، وبيروقراطية جامعة الدول العربية، وتسيد الإرهاب و الفكر الأصولي…بينما، حاولت في
العمل الثاني؛ الإصغاء إلى أحاديث مجموعة من أعلام ثقافتنا المعاصرة، أكانوا غربيين أو غيرهم، أتذكر على سبيل التمثيل لا الحصر : هاروكي موراكامي، بوب ديلن،
غابريل غارسيا ماركيز، خورخي بورخيس، رولان بارت، ألكسندر سولجنيتسين، ميشيل فوكو،
جان ستاروبنسكي، عبد الفتاح كيليطو، شارل بودلير، نعوم تشومسكي، فاطمة المرنيسي، يورغان
هابرماس، عبد الله العروي، ريجيس دوبري، عبد اللطيف اللعبي، بيتر سلوتردايك، إدغار
موران، سمير أمين، عبد السلام بنعبد العالي، جان دانييل، فابيان فيرديي، كاترين كامو،
أدونيس، جوليان أسانج، علاء الأسواني، تزفيتان تودوروف، سلمان رشدي،عبد الوهاب مؤدب،
سفيتلانا أليكسيفيتش، محمد الناجي… حوارات وسجالات ونقاشات، تنوعت مصادر روافدها
بين أصول الفلسفة والتاريخ والاقتصاد والموسيقى والطب والصحافة والتشكيل والرواية والأدب
والتقنية وعلم الاجتماع، إلخ.
بقدر أيضا، انحدار
أصحابها وانتمائهم إلى جغرافيات سوسيو- ثقافية مختلفة،عربية وأوروبية وأمريكية وإفريقية
وآسيوية.فلا يمكننا انتشال ذواتنا، من جوف هذا
الخراب النتن، سوى
بالمناداة على العقلاء كي يقدموا طوق النجاة إلى هذا العالم.
س-برأيك
لماذا يترجم العرب المناهج الغربية مع اجتهادات فردية تمليها شخصية كل باحث
وثقافته؟ وكيف يشتغل مفهوم الهوية في خضم ذلك؟
ج-بالتأكيد
ماعاشته أوروبا ثقافيا خلال مئات السنين، اختزل لدى المثقفين العرب المجتهدين منهم طبعا، في سنوات
محدودة.مما خلق تلك الحلقة المفقودة لدينا،المتمثلة
في انتفاء تأسيسات العلاقة الجدلية بين الفكر والواقع؛أو التفاوت
الكبير بين زمنية الواقع ثم الزمن الفكري بحيث ترجمنا نصوص أغلب التيارات
الفكرية؛وعشناها هنا كمجرد موضة فقط،بينما تمثلها الأوروبي قلبا وقالبا؛من خلال
تأصل جذور مشروع الدولة في جوهر السياق المجتمعي.لذلك تحدثنا نظريا فقط وبكثير من
الانفعال وردود الفعل اللاعقلانية :
الليبرالية والاشتراكية والماركسية والاشتراكية الديمقراطية والكلاسيكية
والرومانسية والواقعية والواقعية النقدية والقومية والدولة الوطنية والفيدرالية
والكونفدرالية ولاهوت التحرير والسوريالية والدادائية والبنيوية ومابعد البنوية
والحداثة ومابعد الحداثة والعولمة….في حين يستمر الإشكال المركزي ماثلا
غاية اللحظة : إلى أي حد استوعبت بنيات
المجتمعات العربية أفق الرؤية التاريخية؟.
س-ماهي أهم
الدروس التي ألهمك غاستون باشلار،على الأقل حسب سياق اشتغالك على جانب
من فكره؟
ج-باشلار من
حكماء البشرية على امتداد تاريخها؛فلم يكن بالعالِم أو الفيلسوف الذي ربما اكتفى
فقط باستيعاب ذكي لنماذج سالفة،بل تجمع لديه ماتفرق عند العديد من نظرائه. إنه الشاعر والفيزيائي والقارئ النهم والأديب العاشق للنصوص الحالمة والمتصوف
الشغوف ببناء حواس الإنسان… والمربي والأستاذ بالمفهوم
الإغريقي للكلمة والمتواضع الذي أسس إطارا إبستمولوجيا للخطأ. بشلار، أيقونة خالدة ومدرسة هائلة،كان مبدعا منهجيا
بالنسبة لكل الحقول المعرفية.ومثلما قلت في مناسبة أخرى :"عقلانية،صاغت كل ملامح التأسيس. فاستحق
بذلك لقب فيلسوف، تدين له المدرسة الفرنسية بخصلة أساسية تتمثل في كونه وعلى امتداد
ثلاثين سنة منذ أطروحته لنيل الدكتوراه في الفيزياء (1927) وصولا إلى آخر مؤلفاته ''شعلة
قنديل''(1961)،وهي كذلك سنة وفاته. كان باشلار يبحث عن صياغة مفهوميه لشيء اسمه الانفصال/المبدع.
وكأنه النبي الذي يسعى إلى تخليص الإنسانية من أزماتها الفكرية. فأجاد للعلم فلسفة
بديلة،ومنظومة جديدة تعبر عن الثورات الفكرية بعد ما عرف تاريخيا بأزمة الأسس في الرياضيات،وكذا
ظهور نظرية النسبية مع خلخلتها لبديهيات الفيزياء النيوتونية.وعلى مستوى النص الأدبي،فقد
أعطى بالنظرية النقدية التي وضع أصولها الكبرى نفسا لانهائيا وطويلا للاشتغالات النقدية
والأدبية. ولن نبالغ إذا قلنا، بأن كل النظرية الشعرية الجديدة قد خرجت من لحية باشلار.
*عقلانية تتوخى المزاوجة والجمع بين المفهوم
بكل إحالاته المستندة على الصرامة والضبط النظريين.ثم الصورة البلاغية بكثافتها الشاعرية،والتي
ربما تختزل التجربة الإنسانية في مجملها.
*عقلانية أوجدت للحقول المعرفية أدوات إجرائية
للبحث والتفكير. والمفهوم الباشلاري، استثمره فوكو وألتوسير وكانغليم وبارت وجينيت
وبوبر....
*عقلانية باشلار،قمة إنسانية بامتياز. ولا
أدل على ذلك من أن الخيط الرابط لكل كتاباته من الفيزياء إلى الكيمياء، مرورا بالخيمياء
والشعر والفلسفة وكذا أبحاثه الميتافيزيقية والأنطولوجية،ثم العلم ومكونات المادة سواء في بعدها الفيزيائي
أو الحلُمي، النقطة المشتركة لكل ذلك، تتمثل في لعبة الحلم. مضمون الدرس الباشلاري:
أن الذي يسعى إلى إدراك هندسة القنبلة الذرية، يلزمه كذلك استحضار الخصوبة المجازية
والبلاغية لصور شعراء كبار أمثال: بودلير، شيلي، نيتشه، ريلكه، نوڤاليس، رامبو، لوتريامون،
فيكتور هيغو....
ظلت الهواجس العلمية لفيلسوف كـباشلار؛موضوع
نقاش وجدال مستمرين،نظرا للتأسيسات المفهومية المتينة التي صاغتها وهي تقارب بنظرة
وأُفق جديدين الممارسة العلمية.وبالفعل،شكلت المقاربة الباشلارية مسوغا نظريا ومنهجيا
لنحت أدوات منهجية وتفكيرية مكنت صيرورة العلم من خلق سبل غير معهودة".
س-هل عَكَس
الأدب المترجم لديك صورة واضحة عن ثقافة الآخر؟
ج- بدون شك، فبقدر
احتكاكك بنصوص أجنبية إلا و تكرست لديك في المقابل قيم أخلاقية وسلوكية؛ قبل
المتعة المعرفية.يصير اكتشاف العالم والسفر عبر
الأزمنة والأمكنة،من
خلال تلك النصوص والجلوس افتراضيا إلى أصحابها، شعيرة وعبادة في غاية الطهر
والنقاء والروحية الخالصة،كي تفهم أكثر فأكثر الذات قبل الآخر،و تستوعب أسئلة
أعماقك. فالترجمة،إعادة
صياغة للثالوث''المحرَّم'' في نظر المنظومات الواحدية الدوغماطيقيات والأصوليات
العدوانية،
التي تعتبر
مصدرا أوليا لكل شرور الحياة :الذات، الآخر، الهوية.
س- ماهي
المعايير المطلوبة لاختيار عمل قصد ترجمته؟
ج- يظل الشغف
والافتتان،
معيارين مطلقين لإنجاز ترجمة معتبرة.لذلك لا
أترجم سوى النصوص التي تشعرني بألفتها، وتظللني بوافر محبتها.فأبادلها نفس الحب وأكشف لها عن
مشاعري بكل شفافية.إنها صداقة
إغريقية،
تقتضي مني قدرة إتيقية في غاية التمدن والتحضر،على الإصغاء والتأويل بكل صدق
وأمانة.
س – إلى أي
حد يمكن أن تساهم الترجمة في التلاقح الثقافي؟
ج- بل في إعادة
العالم إلى صوابه ورشده،مادامت الترجمة تبدع الجسور وتلغي المسافات وتستوعب جميع
اللغات وتفكك شفرة مختلف الأنساق التأولية و الترميزية.
أعتقد بأن أصل جل مساوئ العالم،يكمن في أسِّ اختلال مستويات التناغم بين المتكلمين
والمستمعين،ثم حينما يأخذ المستمعون بدورهم موقع المتكلمين.
بمعنى ثان،انتفاء التواصل،ومن ثمة تسيد أنانية الصمم،يشكل بداية للانهيار: عليك أن تتواصل مع
نفسك والغير والطبيعة والأشياء،إلخ. علمتنا دروس التاريخ،أن جل
الحضارات القديمة والحديثة،ولدت في مهد الترجمة وترعرعت بين أحضان الانفتاح على ثقافة
الآخر ثم اكتسبت شبابا وقوة ونضجا بحسب القدرة على التفاعل والسجال. أخيرا،هرمت
واندثرت لحظة إصابتها بفيروس اللامبالاة وعدم الاكتراث.
س- ماهو
الجوهر أو الدرس الأساسي الذي تتوخى إبلاغه للقارئ، عبر
ترجماتك؟
ج-أود أولا، أن أتقاسم
معه متعة نصوص نظرية أو سردية.بالطبع،استلهام
مضامينها ورؤاها،التي غالبا
ما تكون عميقة جدا.نصوص، تقدم لنا
إجابات عن مواجهات حياتية مختلفة، تمدنا بسند
روحي وحافز؛ كي نفهم حيثيات محيطنا الخاص على نحو أكثر توقدا وانفتاحا من الأنماط
الجاهزة والقوالب السلبية القائمة ونستمر في
المقاومة.لذلك،أحاول دائما
استثمار نصوص تكرس هذا المبدأ وتنزع نحو هذا المصب.
س- متى يكون
للترجمة دور،في تغيير
الصورة النمطية والكليشيهات الغربية نحو الشرق؟
ج-الترجمة
مشروع معرفي هائل،ترتهن
مدى فاعليته بطبيعة النظام العام الذي يؤطر موضوعيا مجال اشتغاله،أقصد بالتأكيد المشروع
المجتمعي ككل؛في سياقاته المتكاملة سياسيا واقتصاديا وفكريا وقيميا.هكذا، نخلص نحو معادلة
بسيطة، مفادها
مساءلة هذا المشرق نفسه قبل غيره، بخصوص مستويات اجتهاده الدؤوب؛ حتى يتخلص من رمزية تلك
الكليشيهات المترسخة على امتداد السنوات مثل :الاستبداد، البداوة، القمع، الكبت، العبودية، الغباء، التطرف الديني، العنف، فضاءات الحريم….جميعنا استأنس بأطروحات المستشرقين منذ القرن التاسع عشر
ويوميات الرحالة الغربيين إلى الشرق.إذن، ماذا تغير
بعد مضي كل هذه السنوات؟ الجواب لم يعد مدهشا لأحد،بحيث ازدادت
الهوة التاريخية،بين تحضر
الغرب ومستنقع الشرق،والترجمة
بهذا الخصوص تتجاوز كثيرا وظيفة المترجم إلى كونها قضية قومية وورشا مؤسساتيا.
س – ماهي في
رأيك أهم التحديات التي تعترض طريق مترجم الأدب؟
ج-موضوعيا،أظنها نفسها
بحيث يصعب على المترجم الاشتغال بعطاء وإبداع ضمن نطاق واقع مجتمعي يفتقد للحس
المعرفي،
غير مهتم أو مبال بما يجري، في دنيا عالم الأفكار، كما الشأن
حاليا بالنسبة لمحيطنا العربي.أما ذاتيا، فهي تحديات وصعوبات تختلف باختلاف
المترجمين من حيث تكوينهم واجتهادهم وثقافتهم وتمكنهم من آليات اشتغالهم.
س-يعاني
عالمنا العربي،انغلاقا
ثقافيا بحيث تتسيد المشهد دعوات العودة إلى التراث وغير آبهة بتحديات الحاضر
والمستقبل.ماذا تقول
بهذا الخصوص؟
ج-أقول ما لم
يقله مالك في الخمر،
فالنكوص المرضي لهؤلاء، يجسد باستمرار انتفاء الرؤية
التاريخية التطورية،
لدى فئات عريضة في مجتمعاتنا، نتيجة كوننا لم نختبر فعليا؛ ثورة ثقافية بالمعنى
النوعي للمفهوم، تشكل قطيعة مبدعة مع البنيات العميقة؛ المتكلِّسة،جراء تراكمات
عقود طويلة من التنميط المطلق والحروب الهمجية الشاملة؛ماديا ورمزيا،سعيا اجتثاث
أصول العقلانية والنزوع الأنواري، بحيث وجدت في الاستبداد السياسي مرتعا خصبا جدا.
س-أنتج المغرب العربي أقلام نسوية
مهمة على صعيد الكتابة الإبداعية والنقدية.كيف تقيمون
هذه التجارب؟
ج-نعم،و بذات القوة
الإبداعية باللغتين العربية والفرنسية.يكفي، في هذا
المقام، التذكير على
السبيل التمثل لا الحصر، ببعض الأسماء المنتمية لأجيال مختلفة، التي تجاوزت
رمزيتها البعد المحلي أو القومي، كي تعانق بفضل العدة المعرفية المتينة لمضامين كتبها،حضورا
كونيا : آسيا جبار، فاطمة المرنيسي،
ليلى السليماني، زكية داود، أسماء لمرابط، سمية نعمان جسوس، ليلى صبار، كوثر حرشي،
مليكة مقدم، ليلى مروان، أحلام مستغانمي، ليلى أبو زيد… تجارب كتابية مهمة جدا،لازال الاهتمام بها محتشما، قياسا
إلى طبيعة الوعي الثقافي الذي تطلعت إليه مشاريع هؤلاء المبدعات الرائدات.
س-ماهي
مشاريعك المستقبلية في حقل الكتابة والتأليف؟
ج-هناك،مشاريع قريبة المدى كشفت
عن جانب من ملامحها مؤخرا،بواسطة الموضوعات التي شرعت في نشرها قبل فترة؛عن نصوص لألبير
كامو أو جوليا كريستيفا،ثم مشاريع أخرى مستقبلية تتعلق أساسا بالمتن الباشلاري؛لازلت
عند حدود تصور ممكنات خطاطتها النظرية.