-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

المسرح في حياتي نصوص على هامش التجربة نص (1)بوسلهام الضعيف

(أغنية التم )أو عودة البحث عن الزمن الضائع
...............
قدمت جمعية خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط مؤخرا مسرحية (أغنية التم ) للكاتب أنطوان تشيخوف،سينوغرافيا وإخراج :

محمد من بار،تشخيص: عبد الصمد مفتاح الخير ومحمد بن بار، ديكور:عبد الصمد الكواكبي ، الإنارة نعيمة الزياني ، العلاقات العامة : أمين بنيوب . ونقدم فيما يلي ورقة حول هذا العرض :
.............................................


كاتب التضاريس النفسية :
لاشك أن إرث تشيخوف الإبداعي سيبقى خالدا معبرا عن عمق الشخصية الإنسانية بنبلها وابتذالها بطموحها ومحدودية أفقها وبتوزعها بين ماضي يجرها إلى الوراء ومستقبل يدفعها للأمام.هذا الكاتب الطبيب القادر دوما على تشريح الجسد النفسي بكل كيميائهو على إذهالنا والاستمرار عبر الزمان والمكان. لم نستطع بعد أن نكشف عن كل تضاريسه الخفية،وكما يقول ستانيسلافسكي : ( فإن فصل تشيخوف لم ينته بعد ولم يقرأكما يجب ) .
في أعماله نجد دائما داخل التداخل بين الذاتي والمتخيل.إن (تريبليف) في النورس الكاتب الشاب الحالم بالتغيير ماهو إلا صورة من تحولات تشيخوف النفسية يقول : (مطلوب أشكال جديدة،أشكال جديدة مطلوبة فإن لم تكن موجودة فالأفضل لاشيء ) ثم يغير فكرته في الفصل الرابع : ( إنني أقتنع أكثر فأكثر بأن المسألة ليست في الأشكال القديمة والجديدة وإنما في كون الكاتب يكتب دون أن يفكر في أية أشكال ،يكتب لأن ذلك ينساب من روحه بسلالة ) هذه الروح التشيخوفية لم تبالغ في التأنق للبحث عن أسلوب بارع وتقنية جديدة ،وإنما تحمل بناءا خفيا لا يجعل مثلا من حدث كإطلاق النار بمثابة فعل لتطوير الأحداث ولكن إعلانا عن نهاية النص.إنها نصوص تشتغل على الحياة الطبيعية في تلقائيتها،انسيابها العادي المبتذل والروتيني ولكن كذلك الطافح عشقا للحياة بزخمها وعنفوانها.
ليس هناك بطل مركزي واحد عند تشيخوف ولكن كل الشخصيات هي محورية ضمن عالمها.شخصيات حالمة تختنق ببطء منسحقة تحت وطأة واقع آني متطلعة إلى غذ بعيد، لاتتعامل مع بعضها كما هي ولكن مع تخيلاتها وانطلاقا من ركام المرجعيات التي كونتها ، ف ''نينا'' لا تحب الكاتب '' تريغورين'' كما هو ولكنها تعشقه انطلاقا من صورة الكاتب في خيالها والتي تجعلها تنظر إليه بعين الحقيقة كما هو بسرواله ذي المربعات وجواربه المثقوبة.
الحياة الداخلية للشخصيات تحضر مستقلة عن الحوارات ، كما لو أنها تفكر في شيء آخر (على الخشبة في وسط الحوار أتركي نفسك متداعية مع أفكارك ) هكذا ينصح (تشيخوف ) الممثلة (أولغا كنيبر) وفي بعض الأحيان تصمت هاته الشخصيات كما لو أن الكلام انتهى أو بتر أو أنها لم تعد تحتمله لأنه وصل إلى الحد الذي لايمكن أن يعبر فيه عن أعماقها القصية.
شخصية أساسية في مسرح تشيخوف ولكنها من نوع آخر وهي الزمن.هذا العنصر نجده حاضرا بقوة في نصوصه، منسابا جاثما على أجواء الفضاءات ببطئه الرتيب، وسرعته المنفلتة وتواليه يعطينا الانطباع باللامتحقق، باللامعبر عنه.
نص (أغنية التم ) :
كتب (أنطوان تشيخوف) مسرحية (أغنية التم ) سنة 1886 وهي نص مسرحي قصير في فصل.استلهم موضوعه من إحدى قصصه. المكان هوفضاء المسرح،شخصيتان تنتميان إلى هذا العالم، ممثل وملقن.فهل هو نص حول المسرح ؟ أم أن موضوعه يتعدى ذلك إلى الحياة الإنسانية بكل أبعادها؟
للوهلة الأولى يبدو مايطرحه النص هو مشكلة ممثل في علاقته بمهنته،هذا الفن المقدس الذي أصبح يراه مجرد خداع وهذيان وأن الجمهور الذي يصفق له ويبتاع رسمه هو جد غريب عنه بل إنه يتحكك به فقط لإرضاء خيلائه فهو غير قادرعلى الاعتراف له بالزواج من إحدى بناته،مثل هذه المضامين تبدو سطحية إذا اكتشفنا أن الأساسي هو أعمق من ذلك.
يقول الممثل (فاسيلي ) : ( إنني ليمونة قد عصرت،إنني أسطوانة من جليد،إنني مسمار يعلوه الصدأ) معان كثيرةجد مكثفة في هذه الكلمات المختزلة،فماذا نأخذ من الدنيا ؟بل ماذا تهبنا هذه الحياة بكل تفاعلاتها؟ ماذا نجد أمامنا في النهاية ؟لاشيء. هذا الكائن الخفي الرهيب الذي هو الزمن أخذ منا كل شيء .أصبحنا نحمل ثقله ورائنا (كنت شابا قويا جميلا؟ أمينا بريئا متحمسا ؟ رباه أين ذهب ذلك كله وأي ممثل كنت فيما مضى من الأيام ؟ ) .إن اندماجنا في عيشنا لمهن الحياة يجعلنا لانتفقد أنفسنا إلا ساعة العزلة القصية لتراكم السنين على تجاعيد نفسنا المترهلة ، آنذاك ندرك خوائنا وأن لاشيء أخذناه من حرفنا التي كنا نمارسها وأن الزمن هو الذي مضى فينا،وعبرنا إلى لحدنا.
من النص إلى العرض :
إن التعامل مع نصوص تشيخوف يتطلب تسلحا بحساسية إبداعية للفهم،ثقافة مدركة بمغاليق الإرث المسرحي العالمي،حذقا ماهرا بالطبيعة الإنسانية وكذلك امتلاك تقنيات الحرفة المسرحية.لأن كتابته بالغة الدقة،جد مكثفة،مجرد أبسط تغيير في توالي الكلمات وارتباطها بالنقط والفواصل قادر على تغيير عدة معان ،وهذا ماجعل (بيتر بروك ) حين تعامله مع نص (بستان الكرز) يقول : ( كتابة تشيخوف كتابة بالغة التركيز، تستخدم الحد الأدنى من الكلمات وهي على نحو ما تشبه كتابة بنتر أو بيكيت .ومثلهما أيضا فإن المهم في أعماله هو البناء والإيقاع والشعر المسرحي الخالص الذي لايصدر عن استخدام كلمات جميلة ، بل عن استخدام الكلمة الصحيحة في اللحظة الصحيحة ) . فكيف تعامل المخرج (ابن بار) مع نص أغنية التم ؟ إلى أي حد كانت عمليات المحو والإضافات التي مارسها المخرج في صلب مسار النص ؟ ألا تشكل محاولة تقديم عرض من هذا النوع للجمهور الواسع خطوة قد تخلق انزياحات لطبيعته ؟
- حذف مقطع من رواية (بوريس غودونوف) وتعويضه بخطبة (بروتس) دراميا لم يضف أي شيء وقد كسر التصعيد النفسي الذي تعيشه الشخصية .
- ماهي دلالة توظيف مقاطع باللغة الروسية؟ إلى أي حد كانت وظيفية ومرتبطة بعمق النص ؟
- مشهد الحلم الذي جاء في البداية كانت فكرته جيدة، إلا أن الطريقة التي تم بها وكذا توظيف بعض المؤثرات الخاصة جعلته يظهر بشكل مستهلك.
- (الفلاش باك ) لم يكن ضروريا لأن ما أضافه كنا نعرفه ثم إنه كسر إيقاع العرض الذي نحس من خلاله بالزمن الحاضر وثقله.
- توظيف بعض الأشياء كان مهما وأثرى العرض بعدة دلالات كاستعمال آلة الكمان واستغلالها بعدة طرق .
- تغييرات اللباس بالنسبة للممثل (فاسيلي) لم تكن ضرورية ويمكن الاستغناء عنها.
- توظيف الموسيقى بطريقة مفرطة جعلها في بعض اللحظات لا تخلق لغة لها لوحدها وإنما تكرر مايقوله النص،فكان من المطلوب التعامل معها بنوع من الاقتصاد الفاعل.
التشخيص :
إن التعامل مع شخصيات تشيخوف لا يجب أن يرتبط فقط بما تقوله اللغة ولكن بتلك الحياة الداخلية التي تحياها الشخصيات، بعمق ما تفكر فيه، بتناقضاتها ولايجب أن نركزعلى أنها شخصيات كسولة لامبالية فقط، بل كما حاول (بروك) في بستان الكرز أن يفعله من خلال البحث عن تشيخوف المرح ويعبر عنهم ( أناس ذوو حيوية فائقة في عالم لامبال،مرغمون على أن يحولوا أصغر الأحداث إلى دراما، لأن بهم توقا عارما للحياة ، ولأنهم لا يستسلمون).
وبخصوص (أغنية التم) نجح التشخيص في تحيقق هذه الازدواجية، إلا أن هناك بعض المشاكل التي خلقت انزياحا للنص :
- البكاء بشكل مفرط في حالات نفسية لاتستدعي ذلك.
- المبالغة في الحركة .
- عدم الاهتمام بلحظات الصمت .
مجرد تساؤل :
لماذا لم يتم تعامل المخرجين المغاربة مع كاتب مسرحي كتشيخوف؟ هل هذا راجع لطبيعة الكتابة المسرحية عنده والتي يقال إنها لاتنسجم مع المجتمع المغربي ؟ فحتى وإن تعامل معه بعض المخرجين فإن ذلك لم يتم من خلال احتكاك مخرج مع نص مسرحي ، وإنما بقي رهين استغلال حكاية النص فقط .كما أنه ليس هناك تفكير على مستوى الكتابة يجعل مخرجا ما يشرح اختياراته الفنية والجمالية والفكرية والإيديولوجية . وهذا مايجعلنا نقول إننا لانتوفرعلى مخرجين قادرين على التعامل مع نصوص مسرحية من مختلف الاتجاهات .
(1) نشر هذالنص بجريدة العلم بتاريخ23 فبراير1997الموافق ليوم الأحد 15 شوال 1417
بوسلهام الضعيف

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا