-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

استلهام التراث الأمازيغي في أعمال المغربية لطيفة بعوي لحسن ملواني

ستظل العلاقة بين الفنون وتراث الأمم قائمة، مادام الحاضر مبنيا على الماضي، والمستقبل مبنيا على الحاضر، وسيظل التراث قائما في ذواتنا مهما تغير وطال الزمن.
هذا الامتداد العاشق للتراث، نجد له صداه في مجال الفن التشكيلي. ومن تجليات ذلك ما نلاحظه على المنجز الإبداعي للفنانة المغربية لطيفة بعوي، التي اختارت التفرغ للفن التشكيلي، مسخرة له جهودها في علاقتها بالتراث المغربي عامة، والأمازيغي بالخصوص. أيقونات فنية تحمل من القيم الجمالية الشيء الكثير. وهي بذلك جديرة بأن يستمر تخليدها ضمن إبداعات تشكيلية، بملمح جديد يعزز قيمتها.
استلهام التراث
يرتكز مُنجز لطيفة بعوي التشكيلي على مفردات التراث، مُستلهمة أعمالها الفنية مما يزخر به التراث الأمازيغي، بدءا بالمعمار وانتهاءً بالأثاث المنزلي وحلي وملابس النساء والرجال. لوحات لا تخلو من زرابٍ أو جزءٍ من معمار أو أقواس. وفي كل ذلك خدمة أساسية للتراث، عبر تفعيل الأواصر الجمالية معه، وهو المعين الذي سيظل مفتوحا يستقي منه المبدعون والمبدعات ما يؤثثون به إبداعاتهم في كل الفنون.
الحِس الإبداعي
وإذا كان كل فنان يحاول أن تكون له لمساته وبصمته الخاصة في المجال الإبداعي، فإن بعوي تتميز أعمالها برونق خاص، مبني على دقة الاختيارات اللونية التي تقربها إلى النقل الأمين للمفردات، مع فوارق تفرضها نظرتها الإبداعية الخاصة بالدلالة والترميز المستهدفة، وهي علاوة على ذلك، تعتني بنقل التفاصيل المضفية للجمال على أعمالها مما يحيل على فلسفتها الجمالية إزاء المحاكى. فهي لا تسعى إلى التدوين الحرفي للتراث بالقدر الذي تحاول أن تبديه ضمن أيقونات تعبيرية رائعة. فهي تشتغل على مفردات التراث بإيقاعات خاصة تمنح أعمالها ابتكارات تختلف من عمل إلى آخر، فلا تستنسخ الموضوعات والمفردات وإنما تموضع وتضيف، وتستوحي وتستلهم ما يقودها إليه حسها الفني الخاص.
التقنية
تعنى بعوي بالظلال والإضاءة محققة التوازن بين التركيبات الفنية، التي تنجزها بغية بلوغ الدينامية التي توحي بها أعمالها الفنية. فهي تدفع البصر ليحيط بالشكل العام لما يملأ أطراف اللوحة للوقوف على الحركة المحيلة إلى التوازن والانسجام التركيبي بين المعطيات. ولا يمكن إنجاز لوحات بالشكل الذي تنجز به لطيفة بعوي بعيدا عن دراسة مظاهر الثقافة البصرية بكل أبعادها، فالتراث أمام المبدع يكون مفتوحا أمام هواجس وإغراءات فنية، تدفع للتفكير في المدخل الجمالي اللائق للتعبير النافذ والعميق. وفي هذا المنحى تمكنت الفنانة من تجسيد رؤاها الجمالية، بالشكل الذي يبعدها عن النقل المباشر للمفردات، ويبعدها عن تكرار المنجز ضمن المفردات نفسها، فالسر في الفنون التشكيلية يكمن في القدرة على التكوين والتركيب وهما مهارتان مرتبطتان بطول التجربة والحرفية الفائقة في التجسيد وترتيب عناصر العمل الفني.
حداثة تراثية
وتطبيقاً على أعمال الفنانة نجد مثالاً في إحدى اللوحات مفردات تراثية مختلفة ذات تكوين فني، برجا منتصبا يعلو جسرا فوق نهر جارٍ، وبجانبه فارس يحمل سيفا، وهو على ظهر حصان جامح يوحي بالدفاع والمواجهة، وأمامه كتاب مفتوح يحمل حروف اللغة الأمازيغية، وتؤطر مفردات اللوحة خلفية غير فارغة ففيها أعمدة وأقواس بألوان باهتة. لوحة متحركة المفردات تحمل الذاكرة لتغوص في عمق التاريخ والتراث الأمازيغي العريق. وفي لوحة أخرى، نجد حليا وأدوات للزينة، التي تستعملها الفتاة والمرأة الأمازيغية في أفراحها، وفي حياتها اليومية أحيانا، مرآة مزخرفة الإطار، وعِقدا وحقيبة تحمل من أدواتِ ودُهاناتِ التجميل الشيء الكثير، إلى جانب دملج موضوع بعناية، ويقابله في الجهة الأخرى منديل جميل الألوان. مؤثثات موضوعة عبر تركيبة فنية تزيدها الخلفية العاكسة لنافذة، وجزء من جدار جمالية خاصة. وفي لوحة أخيرة نجد المعطيات نفسها تقريبا، ولكن ملمحها وترتيب مفرداتها مختلف، قُلَّةٌ مزخرفة الجوانب بزخارف تراثية معروفة في الثقافة الأمازيغية، وهي ملفوفة في منديل نسائي جميل، تزين به المرأة الأمازيغية رأسها في بعض المناسبات. وتحت المنديل يظهر العقد نفسه الوارد في اللوحة الأولى ولكن بوضع خاص يفرضه التكوين العام للوحة.
بهذه الملامح الإبداعية تقدم الفنانة تجربتها، محاولة المساهمة في الحركة التشكيلية المهتمة بالاستلهام من التراث كخدمة له، وتقديمه في حلة جديدة تبين عمق جماليته للجيل الجديد، وهي في ذلك تشارك مبدعات ومبدعين في المنحى نفسه، كمحمد بوصابون، حليمة الفراتي، و إبراهيم بوزير وغيرهم.
٭ كاتب وتشكيلي مغربي
القدس العربي

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا