-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

ابق في بيتك: صيحات في واد. عبد العالي عبد ربي البقالي


أينما وليت وجهك في ظروف الجائحة التي تجتاح العالم اليوم، إلا ووجدت من يدعو الناس إلى أن يلزموا منازلهم، ويتجنبوا الاختلاط بالآخرين، إضافة إلى التقيد بالإجراءات الاحترازاية التي توصي بها السلطات لوقف اجتياح مرض كوفيد 19 الناتج عن فيروس كورونا.

القنوات الوطنية التي استعادت بعضا من ألقها المفقود، بعودة الجمهور إليها أخيرا. لا تني عن تقديم كبسولات في هذا الاتجاه. وموازاة مع ذلك، هناك كم هائل من البرامج الحوارية والتوعوية لا هم لها إلا التأكيد على ضرورة ملازمة البيوت: ابق في بيتك، لا تخرج إلى للضرورة... الرسالة ذاتها، تواجهك وأنت تبحر في الفضاء الأزرق. الكل يناشد الكل عدم الخروج، والكل متفهم لدواعي هذه الدعوات، على ما يبدو من درجة التفاعل معها، إلا أنه في المقابل، ما أن تضع رجلك، مرغما خارج بيتك، حتى تُفاجأ بالكم الهائل من البشر الذين يجوبون الشوارع ذهابا وإيابا. كما لو أننا في يوم من أيام الله العادية. لا يتهددنا الوباء. ولا نهدد الآخرين من جراء تهورنا هذا. وحتى بعد إقرارا إلزامية وضع الكمامات، فإن الناس يتعاملون معها تعامل السائقين مع حزام السلامة في مشاهد شبيهة بلعبة القط والفأر مع حواجز الأمن والدرك.
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في هذه الظروف، لما ينعدم التجاوب مع دعوات الالتزام بالتوجيهات الرسمية، والإصرار على الاستهتار بها. بل والاستهزاء بالملتزمين بها.
أول ما يتبادر إلى ذهن المرء وهو يحاول تفسير ما يحدث. هو طبيعة الخطاب الموجه للمغاربة في هذه الظروف. سواء ذلك الذي يتم تمريره عبر وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية من تلفزة وإذاعة ما استُحدث منها، أو ذاك الذي فضل الاشتغال على القرب، وبثه مباشرة داخل الأحياء والشوارع من طرف رجال السلطة مثلا. خطاب اقل ما يمكن أن يُقال عنه أنه موجه إلى غير أولئك الذين يُنتظر منهم التجاوب والتفاعل. وبالتالي أن يلازموا منازلهم ويضعوا الكمامات ويطبقوا باقي التوجيهات، خاصة ما ارتبط منها بالتباعد الاجتماعي، رغم اني أنفر من هذا المصطلح، وأقترح بدلا عنه التباعد الجسدي. ذلك اننا في هذه الظروف نكون أحوج ما نكون إلى التقارب الاجتماعي، والذي ليس بالضرورة جسديا، في أجواء الحجر الصحي التي تفرض على المرء عزلة استثنائية.
من عُهد إليهم بالتواصل معنا وحثنا بالمقابل على البقاء بمنازلنا، واتباع قواعد النظافة، وتجنب الاختلاط. لا يتحدثون لغتنا. ويجدون، أحيانا، صعوبة حتى في نطق دارجتنا بالشكل الذي تُنطق به في أحياء الهامش، داخل الأسواق. ناعيك عن الدواوير والمداشر والقصور. كل هذا يكون مصحوبا بحركات فيها من التمثيل أكثر مما فيها من إحساس بالكلمة. هذا طبعا ليس طعنا في قيمتهم العلمية والمعرفية، وما يحملونه من تجارب ميدانية. بل هذا واقع لا يرتفع. ذلك أن غالبيتهم، وعلى ما يبدو من خلال اللكنات، من القادمين من خارج المدرسة العمومية، إن لم يكونوا حاملين لشهادات من مدارس البعثات  أو على الأقل لم يخبروا لغة الهامش، بأزقته ودروبه كما وُصفت في أعمال شكري، واﻷشعري والجويطي. وحتى أولئك الذين تبدو مساراتهم معروفة لدرجة تجعل المرء يجزم بقدومهم من فضاءات قريبة منا، إن لم تكن ناشئة بيننا. على ما يطبع خطاباتهم من تكلف تجعلهم خارج سياق الهامش. لا حظ تلاميذ في حداثة سنهم، يتوجهون للمواطن بلغة أبعد ما تكون عن لغة المواطن في الدوار. يبدون كما لو أن أيديهم مقيدة وحركاتهم أشبه ما تكون بالروبوات.
هذا يجرنا إلى موضوع اساسي هو أن المغربي بشكل عام، متعلما كان أو غير متعلم، يفتقد القدرة على ما نسميه بالشفوي. أي الحديث بسلاسة وإقناع. نحن شعب قد نتحدث في جماعة، لمن لا قدرة لنا على التحدث لها. وهذه إحدى أعطاب الشخصية المغربية التي لا نوليها كثير اهتمام. الكثيرون يتذكرون فيديو تم تداوله في وقت سابق عن فتاة من غزة تتحدث فيها عن العدوان الإسرائيلي على مدينتها بلغة أبلغ من الكثير من مفكرينا، مصحوبة بلغة الجسد والصوت، وهذا هو الأهم ومما نفتقد إليه كثيرا.
لهذا السبب، ولأسباب غيرها ربما، فكرت بعض وسائل الإعلام في الاستعانة بالمشاهير من رياضيين وفنانين وكذا إعلاميين. لكن حتى هذا الحل لم يتم استثماره على الوجه الصحيح. تخيلوا معي لو تم في بلد آخر اللجوء إلى هذا الحل. وليكن ذلك في مصر، مثلا. لكم أن تتخيلوا مستوى الكلام وانسيابه ونسبة التأثير فيه. عندنا. نجومنا يتحدثون لغة غير لغتنا. منهم من يجد صعوبة في أن يقنع المتلقي بأنه لا يمثل. وذلك بفعل إضافات ذهبت بالغاية: الخطبة العصماء لرشيد الولي، وصبيانيات ممثل يطلب من شخص في غير ظاهر في الإطار، وهو غير موجود طبعا، يطلب منه العودة إلى البيت بحركات شبيهة بتفاهة سيتكومات رمضان الحامضة. هل هذا ما لدينا لإقناع المواطن بأن يلزم بيته، وأين شخصية كبور مع حسن الفذ التي استطاعت أن تنفذ لكيان المغربي بعفويته القريبة من إنسان الهامش...
هذه الخطابات لا تعني أولئك التي يقضون سحابة يومهم في التسكع، ووضع الكمامات بطريقة لا معنى لها، ويقتحمون على الراغبين في التسوق في احترام تام للإجراءات الاحترازية، خصوصياتهم فارضين عليهم خرق التباعد الاجتماعي والجسدي معا. ومما يزيد اﻷمر صعوبة، رواج خطاب ديني قدري. يردد في كل حين "ما يكون غير اللي بغاه الله" كيف سنواجه هذا الخطاب؟ ونقنع الناس بأن "لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة". وهنا نستحضر دور خطاب الواعظين وشكله ولغته. ونستحضر كذلك البلاغة اللغوية والجسدية المصحوبتين بالنبر المناسب لدى خطباء ووعاظ بكاريماتهم جعلوا فئات عريضة من الناس تتلقى ما يقولنه برضى واقتناع. وأصبحت الناس تتهافت على المساجد التي يعتلون منابرها، وتحضر لقاءاتهم، بل وتحرص على متابعتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. مثل هؤلاء ممن لا تنقصهم المعرفة والانفتاح الفكري والقدرة على الإقناع. غائبون عن التواصل المباشر مع الناس.
المطلوب الآن خطاب عقلاني يذهب إلى لب الموضوع مباشرة، بلغة تكون هي ذاتها لغة المستهدف بالرسالة. مستحضرة مختلف الجوانب التي لها ارتباط بالموضوع. واستثمار الوجوه التي استطاعت أن تجد لها موطئ قدم لدى قلوب المتتعبن، في احترام تام لما توصلت إليه نظريات التواصل من تقنيات وطرق. من أجل تمرير رسائل أقرب إلى الاستيعاب....



عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا