يعيش العالم العربي الإسلامي، وخصوصا بعض الدول
منه، بؤسا جنسيا عارما. والمقصود بالبؤس الجنسي عدم إشباع الرغبة الجنسية وعدم
إرضائها، رغم حضورها
الملحّ والمستمر. ويكمن ذلك البؤس تحديدا في الانعدام الكلي
للنشاط الجنسي المتعوي، أو في ضعف تكراريته، أو في عدم تحقيق ممارسات جنسية متعوية
مرغوب فيها نظرا "لشذوذها"، أو في الملل الجنسي مع عدم التمكن من تغيير
الشريك أو من تغيير الممارسات الجنسية معه، وذلك مع شعور دائم بالحرمان.
عوامل
البؤس الجنسي ومحدداته
بالنسبة إلى بعض الأفراد، يعود البؤس الجنسي إلى
عوامل عضوية ونفسية تمنع الفرد من بلوغ المتعة الجنسية. على رأسها الاختلالات
الجنسية الوظيفية، مثل الشعور بالألم أثناء الجماع (dyspareunie) والتشنج المهبلي
(vaginisme) والبرود الجنسي (frigidité) والقذف المبكر (éjaculation précoce) والاختلال الانتصابي (dysfonction érectile). من ثم ذهبت المقاربة الطبية والسيكولوجية إلى الاقتصار على علاج الفرد
المصاب بأحد تلك الاختلالات (sexothérapie) وإلى
الوقوف عند هذا السقف.
لكن، وبالنسبة إلى الأكثرية في معظم الدول
العربية الإسلامية، يكمن البؤس الجنسي في المفارقة بين الإقدام على الجنس بتكرارية
عالية في سن مبكرة دون أية تربية جنسية حامية من مخاطره، وبين تأخر سن الزواج
لأسباب مادية مع الاقتناع بمبدأ الزواج وبأفضليته؛ وهي المفارقة التي تؤدي إلى
ممارسة الجنس مع السهر على الاحتفاظ بغشاء البكارة، وفي تعويض الممارسة الجنسية
الكاملة بممارسات سطحية أو من الخلف أو بممارسات فمية أو استمنائية متبادلة. وفي
حالات الافتضاض غير المتبنى، الإقدام على ترميم غشاء البكارة أو وضع غشاء اصطناعي
ليلة الزفاف لإيهام الزوج وأسرته بأن العروس عذراء، وهو كذب يشرعنه المجتمع
وفقهاؤه تجنبا للفضيحة وقصدا للستر، مما يدل على أن العذرية الحقيقية لم تبق قيمة
اجتماعية، وأنها عوضت بعذرية زائفة تخون الأخلاق الأبيسية والأخلاق المدنية معا.
ويكمن البؤس الجنسي العربي في بدء النشاط الجنسي مع عاملة جنسية مقابل مال ودون
استعمال غشاء واق من الأمراض. وفي حالات أخرى، يقع حمل غير مقصود وغير مرغوب فيه،
مما يخلق مآسي متعددة (إجهاض سري خطير، أم عازب، طفل غير شرعي معرض للضياع). وبشكل
عام، تتم الممارسة الجنسية في أي مكان وبأية طريقة كانت بالنظر إلى عدم توفر مكان
مناسب للعزاب، شبانا وشابات، بل وللكثير من الأزواج الذين لا يتوفرون على غرفة نوم
مستقلة. باختصار، يكمن البؤس الجنسي في سرقة لحظات متعة خاطفة غير مرضية في إطار
ما سميناه "ترميقا جنسيا- مجاليا" سنة 2000.
بالاستناد على التشخيص السوسيولوجي للبؤس الجنسي
بهذا المعنى الاصطلاحي، لا بد من ربطه بالقمع الجنسي الذى يمارسه المجتمع العربي
على الفرد من خلال مختلف مؤسسات الدولة القمعية الهادفة إلى إخضاع الجنس للغائية
الإنجابية عبر سجنه في الزواج والأسرة باسم الدين والقانون (الفصول 489 و490 و491
من القانون الجنائي المغربي مثلا). كل ذلك على حساب المتعة التي تشكل الهدف
الأساسي والأول للرغبة الجنسية. من ثم تحريم وتجريم كل جنسانية متعوية، قبل زوجية
أو خارج زوجية غير المسموح لهما بالإنجاب. وبخصوص الرغبة الجنسية قبل الزواج مثلا،
فقد حث الإسلام على التسامي بها؛ أي إلى تحويلها إلى هدف روحي أنبل بفضل الصوم: "يا
معشر الشباب من استطاع منكم الباء فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له
وجاء". فالصوم كسر للشهوة الجنسية وتحرر منها. وفي هذا الاتجاه، يضيف الفقهاء
المعاصرون الجدد ممارسة الرياضة وغض البصر من أجل مقاومة الرغبة الجنسية وقهرها.
لكن الفقهاء أصبحوا اليوم عاجزين عن الاحتفاظ بالتسري (الرق الجنسي) لصالح الرجل،
وبزواج المتعة (بالنسبة إلى فقهاء السنة) كآليات لاجتناب البؤس الجنسي. وأصبحوا
أيضا محرجين في الدفاع عن الزواج المبكر. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكاثوليكية
مثلا أكثر تشددا من الإسلام في قمع الجنس، حيث تقول بتحريم الجنس قبل الزواج
وخارجه وبتبخيس المتعة في الجنسانية الزوجية نفسها وبتحريم الطلاق وبتثمين الرهبنة
والإعلاء من شأنها كتسام مهدئ للرغبات الجنسية.
اقترح فرويد التسامي بالرغبة الجنسية كحل في
مواجهة البؤس الجنسي الذي كان يعم المجتمعات الغربية نفسها
صحيح أن البؤس الجنسي يمس المجتمعات العربية
بأكملها، نظرا لكونها تُجْمِع على تحريم وتجريم كل جنسانية غير زوجية وكل جنسانية
مثلية. لكن المستوى الشرعي والقانوني شيء، والواقع الجنسي شيء آخر؛ بمعنى أن
التوفر على رأسمال ما يُسَهِّل اختراق القانون والتقليص من شدة البؤس الجنسي.
وبالتالي، يتوجب علينا مقاربة سوسيولوجية أكثر دقة للبؤس الجنسي من خلال الفرضيات
التالية: 1) كلما انخفض مستوى الطبقة الاجتماعية كلما ارتفع معامل البؤس الجنسي،
2) كلما ارتفع معامل البؤس الجنسي كلما كانت الفئات الاجتماعية هشة (أمثلة فئة
الشباب غير المتزوج مقابل فئة الكهول المتزوجين وفئة النساء مقابل فئة الرجال)، 3)
كلما ارتفع المستوى التعليمي كلما انخفض معامل البؤس الجنسي. بتعبير آخر، يشكل
التوفر على رأسمال مالي (ثروة) أو رأسمال جندري (رجولة) أو رأسمال اجتماعي
(كهولة-زواج) أو رأسمال رمزي (تعليم عالي) أداة فعالة للتحايل على القمع الجنسي
المؤسساتي. لكن، وبخصوص الفرضية الأولى بالضبط، يصعب الرهان عليها عند ما يتعلق
الأمر بالمقارنة بين الدول العربية النفطية الغنية، وبين الدول العربية اللانفطية
الفقيرة، إذ من المتعذر جدّا أن نقر أنه كلما كانت الدولة العربية غنية كلما كان
البؤس الجنسي فيها أقل. فالغنى ليس عاملا كافيا لوحده لتجاوز البؤس الجنسي والتخلص
منه. وبالتالي هل يجوز الخلوص إلى أن البؤس الجنسي قاسم مشترك بين الدول العربية
الغنية (بكافة طبقاتها الاجتماعية)، وبين الطبقات الاجتماعية العربية الفقيرة (في
كافة الدول العربية الفقيرة)؟
الثورة
الجنسية، طوباوية جميلة
في مواجهة البؤس الجنسي الذي كان يعم المجتمعات
الغربية نفسها، كان فرويد قد اقترح التسامي بالرغبة الجنسية كحل، لأنه اختزل البؤس
الجنسي في الاختلالات الجنسية الوظيفية، العضوية منها والنفسية. فهو لم ير قط في
البؤس الجنسي إنتاجا بنيويا للمجتمع الأبيسي التسلطي الذي يستهدف قمع الفرد الحر،
بل وإعاقة ميلاده. وبالتالي لم ينتبه قط للبعد السوسيولوجي للبؤس الجنسي. خلافا
لفرويد، ذهب رايش إلى ضرورة تسييس قضية البؤس الجنسي، لأنه رأى فيه نتاجا للقمع
الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والديني والثقافي المميز لكل مجتمع رأسمالي المسلط
بالأساس على الطبقة العاملة. فالرأسمالية تحد من إرضاء الجنسانية المتعوية (دون
الإعلاء من الجنسانية الإنجابية) من خلال تحويل الطاقة الجنسية إلى قوة عمل
والتركيز على العمل المنتج، المستلَب
(aliéné) بالطبع. وهو في ذلك، قارب البؤس الجنسي من
منظور سوسيولوجيا ماركسية يلعب فيها الصراع الطبقي دورا مهما وأساسيا. في هذا
الإطار، ذهب إلى أن الغائية الأساسية للغريزة الجنسية هي المتعة وليس الإنجاب،
وخير دليل على ذلك جهل الإنسان البدائي للعلاقة بين الجنس والإنجاب، إذ كان هدفه
الرئيس تهدئة التوتر الناتج عن الرغبة. وقد لاحظ رايش من خلال ممارسته
التحليل-نفسية وانتمائه للحزب الشيوعي معا، أن القمع الجنسي يؤدي إلى العُصاب أو
إلى الشذوذ، وأن عدم إرضاء الجنسانية المتعوية يقود إلى تنامي العدوانية والعنف،
وإلى الرغبة في الهدم. لذا خلص إلى ضرورة الاعتراف بالمتعة الجنسية كهدف أسمى
للدافع الجنسي، وإلى تحرير الجنس من الإنجاب ومن التناسلية. وبشكل أدق، دعت
النظرية الفرويد-ماركسية التي وضع إلى القضاء الكلي والنهائي على الزواج وعلى
الأسرة، باعتبارهما مؤسسة أبيسية محافـظة تخضع الجنسانية إلى غائية الإنجاب على
حساب غائية المتعة لصالح الطبقات السائدة. بفضل الأسرة ومأسستها كإطار أوحد
لممارسة الجنس، يتم تمرير التحريم الديني لكل أشكال الجنسانية المتعوية في أوساط
الشباب، ومن بينها تحريم الاستمناء نفسه على الشباب كمتنفس بديل. فالأسرة إذن هي
الوسيط الذي يمرر الإيديولوجيات السلطوية المضادة للجنسانية المتعوية، وهي الوسيط
الذي يغرس القمع الجنسي في نفسية الفرد منذ الطفولة، والذي يجعل منه كبشا سياسيا
طيعا يخاف الحرية. إن الأسرة هي المُمَرِّر والمُنْقل للموانع الإيديولوجية
المضادة للجنس، فتجعل الفرد يستبطن رفض المتعة الجنسية إلى درجة الشعور بالإثم عند
الإقدام عليها. ويشكل تحرير الجنسانية من الزوجية تحريرا للمرأة بالخصوص، فالمرأة
تتحرر من قيود الأسرة كوحدة إنتاج أبيسية تحتل فيها موقع البرولتاري المستغَّل
والدوني.
في هذا الإطار النقدي، غدا الصراع الجنسي أولوية
سياسية عند رايش من منظور فرويدي- ماركسي، ومن ثم دعا من خلال نشاطيه المهني
(كمحلل نفسي) والحزبي (كمناضل شيوعي) إلى ثورة جنسية شاملة من خلال المطالبة
بتحرير الجنس من الزواج (في اتجاه الحب الحر) وبإباحة الإجهاض وبالاعتراف بالطفل
"الطبيعي" وبالأم العازب وبالتربية الجنسية للأطفال وبحقوق المثليين.
وتقتضي الثورة الجنسية حسب رايش ثورة اجتماعية ضد الاستغلال الرأسمالي وضد التسليع
من أجل إمكان تحرر فردي وجمعي شامل.
الإصلاح
الجنسي الليبرالي: الجميل القبيح
على الرغم من مطالبته بالقضاء على النظام
الرأسمالي الذي يستغل الطاقة الليبيدية في العمل والمردودية الإنتاجية عوض تفريغها
الطبيعي في المتعة؛ رفض الحزب الشيوعي السوفياتي طروحات رايش الجنسية الثورية. وفي
الوقت ذاته، قاومت البورجوازية والرأسمالية الثورة الجنسية من خلال رفضها
للماركسية وللفرويدية معا، باعتبارهما يعارضان معا أخلاقها الجنسية الأبيسية
والاستلابية، وباعتبارهما يهددان معا استغلالها لجنسانية الإنسان في الحفاظ على
مصالحها وأرباحها.
انطلاقا من هنا، تم الانتقال تدريجيا إلى أنموذج
الإصلاح الجنسي من خلال استغلال مكاسب التحليل النفسي الرايشي (الملتزم)
والماركسية الداعية إلى إنهاء استغلال الإنسان للإنسان (واستغلال الرجل للمرأة).
وبفضل التقدم الطبي أيضا الذي مكن من إبداع وسائل منع حمل فعالة حققت تفكيك
الارتباط بين الجنسانية والإنجاب؛ فالثورة الجنسية التي تمت في نهاية الستينيات
داخل المجتمع الرأسمالي ثورة داخل منظور إصلاحي يقبل باستمرار مؤسستي الزواج
والأسرة مع الإعلاء من الوظيفة الجنسية المتعوية للأسرة الزوجية. في هذا الإطار،
يعني الإصلاح الجنسي التحويل القانوني للزواج إلى عقد حر لا إكراه فيه بين راشدين،
ويعني أيضا المساواة الجندرية في الحقوق الجنسية بين الرجال والنساء (والميميون
الثلاثة، المثلي الجنسي، المزدوج الجنسي، المتحول الجندري في بعض المجتمعات التي
قطعت أشواطا بعيدة في الإصلاح الجنسي). ويعني تأسيس المساواة بين المرأة والرجل في
كافة الحقوق التوقف عن التمييز التفاضلي بينهما على أساس الجندر، وهو ما يؤدي إلى
التوقف عن اعتبار المرأة عورة واختزالها في جسد آلي يقوم بوظائف ثلاث: جسد مغري
يؤجج رغبات الزوج، ويستجيب لطلباته الجنسية، جسد-رَحِم يضمن للزوج استمرار سلالته،
جسد يعمل في البيت قصد تمكين الزوج من استرجاع قوته على العمل. إن الإصلاح الجنسي
تحرير للمرأة من البيت والمطبخ وإشراكها في اقتسام الفضاء العمومي على قدم
المساواة مع الرجل؛ أي في ولوج حقول المعرفة والمال والسلطة.
أصبح الإصلاح الجنسي ضرورة عمومية في العالم
العربي الإسلامي، رغم كونه يبدو للبعض بمثابة ثورة جنسية جدرية
ومن بين التمظهرات الأخرى للإصلاح الجنسي، إباحة
الحق في الجنس الرضائي قبل الزواج وإعداد وتطبيق برامج للتربية الجنسية تسعى إلى
تمكين الفرد من التعرف على مختلف وسائل منع الحمل وعلى طرائق الحماية من الأمراض
المنقولة جنسيا، وإلى تحقيق الصحة الجنسية الفردية والجمعية والحفاظ عليها. وتقوم
التربية الجنسية الشاملة على تثمين جنسانية راضية ومتراضية كشرط ضروري للتوازن
النفسي، بل وللسعادة الفردية والجمعية، أيضا، يكمن الإصلاح الجنسي اليوم في اعتبار
الإنجاب اختيارا والإجهاض حقا، وفي الاعتراف القانوني بالأم العازب وفي شرعية
الطفل خارج إطار الزواج.
طبعا، أدى الإصلاح الجنسي في إطار النظام
الرأسمالي الليبرالي المعولم الوحشي إلى جنسنة عالية (hyper sexualisation) لكل المجتمعات
المعاصرة، وإن بنسب متفاوتة، وتعني تلك الجنسنة إشعال الرغبات الجنسية بمختلف
الوسائل وتحويلها إلى طلب دائم؛ أي إلى بحث مستمر عن الإشباع الجنسي من خلال شراء
سلع وخدمات جنسية مُسَوَّقَة. إن العمل الجنسي (مع أو دون سياحة جنسية)
والبورنوغرافيا والجنس الرقمي والإشهار (المُسَلِّع للجسد) تحريف للإصلاح الجنسي
وخيانة لمقاصد الثورة الجنسية ومؤشرات دالة على ما سماه ماركيوز
(Marcuse) لا تساميا قمعيا (désublimation
répressive). كل ذلك تجاوز لا تسمح به الحقوق الجنسية
والإنجابية ولا يتم باسم التحرر الجنسي. إن الفرق بين الحرية الجنسية واللبرلة
الجنسية المُسَلِّعة للجنس هو الفرق نفسه بين الإباحة الجنسية والإباحية الجنسية.
فالإصلاح الجنسي قول بالحرية الجنسية بمعنى إباحة جنسانية متراضية راشدة غير
تجارية ورفض للإباحية الجنسية التسليعية والتسويقية.
نحو
إصلاح جنسي عربي دون ليبرالية جنسية
أصبح الإصلاح الجنسي ضرورة عمومية في العالم
العربي الإسلامي، رغم كونه يبدو للبعض بمثابة ثورة جنسية جدرية، رغم أنه لا يطالب
بالقضاء على الزواج والأسرة. ولكي يتقدم، يحتاج الإصلاح إلى خطوة أولية جريئة تكمن
في الحياد القانوني للدولة، انطلاقا من المبدأ التالي: ليس للدولة الحق في تجريم
الفرد الممارس للتحريم الديني للجنسانية غير الزوجية، وليس للدولة الحق في تجريم
الفرد الممارس للجنسانية غير الزوجية الرضائية غير التجارية بين الراشدين.
والواقع أنه رغم عدم تبني الدول العربية لهذا
الحياد القانوني المؤسس للإصلاح الجنسي، فإن معظم تلك الدول تمارس إصلاحا جنسيا
غير مكتمل، لكن دون الاعتراف الصريح أنها تعمل فعلا على الإصلاح الجنسي في حدود
معينة، ودون استعمال مصطلح الإصلاح الجنسي نفسه. من تمظهرات الإصلاح الجنسي العربي
المحتشم عدم متابعة كل مقترفي الجنح الجنسية (جنس قبل زوجي، جنس خارج زوجي، جنس
مثلي) وعدم متابعة كل حالات الإجهاض السرية اللاقانونية، وتمكين النساء غير
المتزوجات من وسائل منع الحمل (في القطاع العمومي في بعض الدول) ومحاربة العنف ضد
النساء ومحاربة الأمراض المنقولة جنسيا، كل ذلك بفضل تنفيذ تربية جنسية لا تقول
اسمها بدورها وغير كاملة بدورها.
وتتم تلك الخطى العربية الخجولة في طريق الإصلاح
الجنسي بفضل ضغط الواقع الجنسي العربي البئيس (حيث تُحَوِّل بعض الدول العربية
دولا عربية أخرى إلى سوق جنسية، وهو عنف جنسي، بالإضافة إلى كل ما سبق قوله بصدد
تمظهرات البؤس الجنسي الأخرى) من جهة، وبفضل تبيئة وتوطين بعض الحقوق الجنسية
والإنجابية باسم الإسلام من خلال التركيز على المتعة الجنسية كحق للزوجة، وعلى
إباحة العزل اعترافا بشرعية المتعة في ذاتها ومن أجل ذاتها، وعلى إباحة الحنفية
والحنبلية للاستمناء عند شدة التوتر الجنسي تفاديا للزنا من جهة أخرى. فبعض الدول
العربية أصبحت تعي أن الكثير من المشاكل الجنسية والعاطفية تنتج عن اللامساواة وعن
التسلط والقمع، وفي الوقت ذاته أصبحت أكثر وعيا بخطورة وقع تلك المشاكل على
الاستقرار الاجتماعي، بل والسياسي. فالبؤس الجنسي من عوامل العنف اليومي المؤدي
إلى عدم الشعور بالأمن، ومن عوامل تحويل المسلم إلى إسلاموي إرهابي يكفر الدولة
ويحاربها من خلال جهاد مقدس أعمى. من ثمة أصبح الإصلاح الجنسي العربي ضرورة
عمومية، بل أولوية، لأن القضية الجنسية في العالم الإسلامي مسألة صحة ومسألة تنمية
ومسألة سلم اجتماعي ومسألة استقرار سياسي، وهي قبل هذا وذاك قضية حرية وسعادة.