الرواية نت – لندن تؤكّد الروائية الفلسطينية هناء عبيد أنّ إقامتها في شيكاغو أثرت تجربتها، فتشكلت لديها بعض وجهات النظر وإلمام كبير بطبيعة الحياة في شيكاغو اجتماعيا وسياسيا، وتشكلت لديها رغبة في إطلاع القراء على هذه التجربة من خلال كتاب في السيرة الذاتية والرحلات..
وتصرّح مبدعة “هناك في شيكاغو” في حوارها مع الرواية نت أنّه لا يوجد نقد عربي موضوعي منهجي في عصرنا الحالي، ولهذا نرى التخبط الحاصل في مستوى الأدب المنشور. وتلفت أنّ النقد حاليًّا يخضع إلى المجاملات، والمحسوبيات، وساهمت بعض الجوائز وتوجهاتها السياسية أيضًا إلى تنحي دور النقد الجاد، وهذا ما يتبين لنا بوضوح من خلال بعض الروايات الفائزة والتي تفتقر أحيانا إلى أبسط عناصر ومقومات الرواية الناجحة..
– كيف تقيّمين تجربتك مع القراء؟
لا شكّ بأنّ كتبنا دومًا تتوق إلى أن تكون بين يدي القراء، فإليهم نكتب تجاربنا ورؤيتنا، وتطلعاتنا، ومنهم نأخذ انطباعنا عن مدى تقبلهم لأفكارنا وأعمالنا من عدمها. ونظرًا لتأخّري في طباعة أعمالي الأدبّية التّي بدأتها في نشر أوّل رواية لي هذا العام، فقد انحسر قرائي في مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع النشر الإلكترونية فقط، لهذا لا أعتبرها تجربة متكاملة، ولكن رغم محدوديّتها إلّا أنّني أستطيع اعتبارها تجربة ايجابية فقد استطعت أن أتعرّف من خلالها على توجّهات القرّاء الّذين يختلفون بتنوع ثقافتهم وبيئتهم وظروفهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فهناك مثلًا من يستطيع قراءة ما بين السطور، والخروج بالفكرة المنشودة، بينما هناك من يبتعد عن المغزى المراد، فقد تتحدث الفكرة بالشرق وما يتم استيعابه قد يحلق نحو الغرب. كما أن الاختلاف يبدو جليًّا حين إبداء آرائهم في موضوع ما، فهناك من يدلي برأيه بأسلوب يشابه أجواء ما شبّ عليه، بل وقد يرفع أحدهم سيفه أمام عنقك لاختلافه بالرأي معك، بينما يناقشك آخر بكل هدوء ورقي، وأظنّ أن في هذا التّفاعل بتنوّعه إثراء للتجربة الكتابيّة.
– ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟
لا شك أن هناك العديد من الأعمال التي أعجبتني وجعلتني أتنقل في رحاب عوالمها، فسلبت روحي ونقلتني إلى أجواء من المتعة أو الحزن أو الألم حين عشت مع أبطالها بمدنهم وأزمانهم، وقد يكون لكتاب بأعينهم وقع كلماتهم على روحي، حيث أجد نفسي معهم وكأن كلماتهم تحدثّني، وكأنني عشت تجاربهم، لكن رغم ذلك لم تتأثر تجربتي الروائيّة بأي عمل منهم، فقد كانت تجربة كتبتها ذاتي وروحي ومشاعري المتفردة.
– ما الرواية التي تتمنين لو كنت مؤلفتها؟
أعجبتني روايات كثيرة، لكني لم أتمنى يوماً أن أكون مؤلفتها، فأنا لن أخط إلا بخوالج روحي ومداد مشاعري وخبرة تجاربي الذاتية، لأنها برأيي ستكون أكثر صدقا، فجميعنا له زاوية رؤية تختلف عن الآخرين.
– هل من رواية تندمين على كتابتها أو تشعر أنك تسرعت في نشرها؟ ولماذا؟
إلى الآن صدرت لي رواية “هناك في شيكاغو” لا أعتقد أنني تسرعت بنشرها، وإن شاء الله لن أندم على نشرها يوماً، فقد أخذت مني مجهودًا كبيرًا، وكتبت فيها كل ما وددت قوله عن وجع الغربة والبعد عن الجذور بكل صدق مشاعري وبكل ما يرضي ضميري.
– كيف ترين مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟
أعتقد بأن الرواية ستطغى على كل الفنون الأدبية مستقبلًا كما هو الحال حاضرًا، فطبيعة الإنسان الاجتماعيّة تجعله دومًا في شوق للتعرف على تجارب الآخرين، ومعرفة صراعاتاهم الداخلية، وتنقلاتهم، وكيفية مواجهتهم للمصاعب، والرواية بخصائصها وعناصرها الفنيّة هي أنسب وسيلة أدبيّة لنقل هذه التجارب، خاصة في زمن تراجع فيه الشعر واحتلت الرواية مكانه لتصبح ديوان الأدب. لهذا سيظل للرواية بريقها الخاص على المدى الطويل، وستستطيع الوقوف بثبات أمام ثقافة الصورة التي لا تختلف عنها كثيرًا؛ فأحداث الرّواية يمكن أن تشكل صورة تخترق فكر المتلقي إن استبدلنا المفردات بمهارة لتحل مكان عدسة الكاميرا.
– كيف تنظرين إلى واقع النقد في العالم العربي؟
لا يوجد نقد عربي موضوعي منهجي في عصرنا الحالي، ولهذا نرى التخبط الحاصل في مستوى الأدب المنشور، فالنقد حاليًّا يخضع إلى المجاملات، والمحسوبيات، وساهمت بعض الجوائز وتوجهاتها السياسية أيضًا إلى تنحي دور النقد الجاد، وهذا ما يتبين لنا بوضوح من خلال بعض الروايات الفائزة والتي تفتقر أحيانا إلى أبسط عناصر ومقومات الرواية الناجحة، وبالرغم من ذلك نجدها الروايات الأكثر حظًّا بالتصفيق من قبل النقاد.
– إلى أيّ حدّ تعتبرين أنّك تجربتك أخذت حقها من النقد؟
نظرًا لأن روايتي حديثة العهد بالنشر فلم أتعرض بعد لأي تجربة نقدية جادة، تلقيت فقط بعض الآراء الشخصية من الأصدقاء الذين تناولوا العمل بنقد بسيط مشجع.
– كيف تجدين فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟
في ظل ما نعيشه من محسوبيات وتوجهات سياسيّة، فإن هناك روايات تظلم من حيث فرصة تواجدها بين يدي القارئ، لهذا كان لا بد من تواجد وسيلة تساند الكتّاب حديثي العهد بالنشر، وتمكن القارئ من التعرف على الروايات الجديدة، ورغم أنني ضد تسويق الرواية لأن مضمونها هو الكفيل بنشرها إلا أنني أجد أن السبيل الوحيد لنشر الأعمال الروائية للكتاب المستجدين هو براعة التسويق الذي يتحمل مسؤوليته الناشر كما تبرم معظم العقود المكتوبة بين الكاتب والناشر، لكن للأسف يظل التسويق والدعاية منوطين بمسؤولية الكاتب الذي يعتمد على علاقاته الشخصية مع بعض النقاد الذين يمكن أن يلقوا الضوء على إنجازه، ويتمثل ذلك في بعض المجاملات واهداءات الكتب التي يهديها الروائي لمن سيقوم بهذه المهمة. أما بالنسبة لدور النشر فكثير منها يخفق للأسف في هذه المهمة التي تعتبر اللبنة الأولى لبناء جسر بين الكاتب والقارئ.
– هل تحدّثيننا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟
إقامتي في شيكاغو أثرت تجربتي، فتشكلت لدي بعض وجهات النظر وإلمام كبير بطبيعة الحياة في شيكاغو اجتماعيا وسياسيا. تشكلت لدي رغبة في إطلاع القراء على هذه التجربة من خلال كتاب في السيرة الذاتية والرحلات، وقد كنت أجمع العديد من القصص والتجارب التي واجهتها واختزنها في ذهني، لكن بسبب ظروفي الأسرية أرجأت الموضوع إلى الوقت المناسب الذي بدأت شرارته حين كتبت قصة قصيرة عن فتاة فلسطينيّة تعيش قصة حب مع زميل لها من القدس التقته في الجامعة بالأردن، جمعتهما علاقة حب الوطن لكن ارتباطها قوبل بالرفض من قبل والدها، تتوالى الأحداث لتقرر فيما بعد الهجرة إلى شيكاغو، بعد إتمامي للقصة وجدت أنها تستحق أن تحول الى رواية تجمع أوجاع الغربة في هجرة الوطن وعذاب البعد عن الجذور في بلد يختلف في عاداته وتقاليده، مشيرة إلى طبيعة الحياة في شيكاغو وظروف الجالية العربية وما تتعرض له من ألم شوق وحنين للجذور، وبهذا تشكلت فكرة روايتي الأولى “هناك في شيكاغو”..
– إلى أيّ تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟
الجوائز لها دور كبير في تصدر الروايات الفائزة، حيث يصبح تسليط الضوء سخيًّا على الأعمال الفائزة، فتظلم الروايات الأخرى التي قد تكون أكثر إتقانًا من تلك الفائزة بالجوائز، وبعد أن تكون الرواية قابعة تحت الغبار، تلمع فجأة وتجد التصفيق من النقاد، ويتهافت القراء على انتقاء الروايات الفائزة وتتعالى أصوات الثناء ويتسابق النقاد في مديحها، رغم أن الكثير من الروايات لا ترقى إلى مستوى الرواية المتكاملة العناصر، بل وإن بعضها يشوبه الأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية.
الجائزة لأي عمل روائي هي قفز من الدرجة الأولى في سلم الصعود الى آخر درجة في قمته دون عناء المرور ببقية الدرجات، الجائزة بريق يلمع كاتبه؛ مع التنويه طبعًا أن هناك بعض الروايات تستحق هذه الجوائز.
– كيف تجدين واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟
لعل من الأمور المهمة لوصول كلمة الأديب العربي إلى العالم الآخر أن تحظى أعماله بالترجمة فلولا الترجمة لما تعرفنا على الأدب العالمي، لكن للأسف كل العوامل تصب في نهر واحد، فالترجمة كثيرًا ما تتبع الاسم اللامع أو صاحب الجوائز، لهذا لا تخضع الأعمال الروائية إلى العدالة في هذه العملية الحيوية، وبالتالي فإن بعض الروايات لم يحظ بالانتشار في بلدان أخرى بسبب المحسوبيات والشللية والأسماء اللامعة.
– يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعرين بهيمنتها على أعمالك؟ أوهل تحدّ من إيصال رسالتك الإبداعية وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟
أرى بأن هناك سلطتين للرقابة، الأولى تتجسد في أنفسنا والثانية في سلطة الأنظمة، فنحن ولدنا ضمن عادات وتقاليد معينة ونشأنا على احترامها وصب أفكارنا في قوالبها وتقييد تحركاتنا في أصفادها، لهذا أقولها بكل صدق بأن لنفسي سلطة رقابية على قلمي الذي يحاول تحاشي مواضيع معينة خاصة الاجتماعية منها، وأحيانا تكون رقابتنا تلقائية دون قصد منا، بالنسبة لي لا تزعجني هذه الرقابة فهي اختيارية بحته، أما رقابة الأنظمة فبالطبع مزعجة، فهي تحد من التعرض لمسائل عويصة، وتمنع القلم من أريحية الولوج في قضايا شائكة يعاني منها المواطن المسحوق، لهذا تجد الكثير من الكتاب يلجؤون إلى تلك القضايا من خلال أرضيّة خيالية، أو رسم زمان ومكان لا وجود لهما على خارطة الواقع، بل وصل الأمر ببعضهم إلى إنطاق الموتى للتحدث فيما يخشون الشروع في الإفصاح عنه، بالنسبة لتجربتي الشخصية، فقد بنيت في روايتي الثانية مدنًا وأوطانًا لن تجدها على خارطة الواقع حتى يتسنى لهذا العمل أن يجد طريقه بين يدي القارئ ولا يقف أمام الحواجز الّتي ستمنعه حتمًا من دخول بعض البلاد التي قد تفرض قيودًا عليه.
– ما هي رسالتك لقرّائك؟
أثروا تجاربكم بقراءة الكتب المتنوعة، ولا تعتمدوا فكرًا معينًا قبل التعمق في وجهات النظر من مختلف الزوايا، واحذروا تلك الأفكار التي تحاول غسل الأدمغة وإبعادكم عما فيه خير لهذه البشرية، كما لا تنبهروا بكل ما يلمع؛ فليس كل ما يلمع ذهباً.