عندما يفكّر المرء بالنسوية يستدعي إيديولوجيا شاملة وجذرية تحتوي الأنوثة بكافة أشكالها دون إطلاقِ أحكامٍ على المرأة المعنية، إذ لا تنطوي النسوية في جوهرها على
مساءلة المرأة عن خياراتها، ولهذا عندما تقرر المرأة أن تستخدم مساحيق التجميل للتبرّج أو تدلل نفسها بشراء حذاء جديد لاينبغي أن تكون ضحية لأحكام المجتمع ومدى ملاءمتها للنمط المرسوم لها مجتمعياً.أقول هذا لأنني خبِرت طرفي النقيض في هذه المسألة فقد قابلت أناساً قلّلوا من مدى جدّيتي لمجرد أنني أرتدي ثوباً نسائياً أو أضع أحمر الشفاه وحكموا عليّ بأنني أهتم بالمظاهر فقط، وقابلت أيضاً من وصمني بـ” اللا نسوية” لأنني أولي اهتماماً لشكلي. والسؤال هو لماذا يحدث هذا وهل هو من العدلِ بشئ؟ دعونا نستكشف الأمر.
هلّا نعيش وندع غيرنا يعيش أيضاً؟
دعونا لا ندخل في ” السياسة” ونقع في مطبّ تبريرأحقّيتنا في التبرّج واتّباع الموضة وجدارتنا بالاحترام من وجهة نظر” قوانين النسوية”، ففهمي للنسوية هو أن النسوية لاتشتمل بالتأكيد على إشعار المرأة بالعار من أجل أمرٍ أعملتْ خيارها فيه، ومن غير المقبول سلوكياً أن تُذَمّ المرأة لأنها تستمتع وتسعد بالموضة وبالماكياج، وهنا نرسم نقطة على السطر. ففي نهاية الأمر ما يرتديه الآخرون وما يفعلونه في أجسادهم هو اختيارهم وهكذا تقضي أبسط قواعد اللياقة أن يُعطى المرء حقه في صنع هذه الخيارات بحرية، فلا يوجد امرأة تحب الانتقاد على ما تختاره من ملابس ولا على ماتضعه على وجهها فلماذا ننتقد الأخريات إذاً؟
في الحقيقة إن اختيارنا لما نلبس أو ما نجمّل به وجوهنا هو أمر مهم للغاية.
الحجّة الأولى التي يسوقها من يصنّف النساء اللواتي يتبرّجن ويتبعن الموضة كَ “غير نسويات” هي أن المرأة تفعل ذلك لأنها تشعر بالحاجة لأن تبدو جذابة في نظر المجتمع. وتنبع هذه الفرضية من الاعتقاد بأن جميع النساء مبرمجات اجتماعياً على فكرةِ أنهنّ غير جذابات بما يكفي إلا إذا زيّنّ وجوههن وارتدين الملابس وفق خطوط الموضة.
قد يكون هذا صحيحاً في بعض الحالات لكنه لا ينطبق على جميع النساء، فهذا غير منصف للصوت المتمرّد وللإرادة الحرة للمرأة في حق اختيار ما تتبرج به أو ترتديه وذلك بفضل التنوّع الذي تقدمه الآن مساحيق التجميل وخطوط الموضة. ولهذا فمن الإجحاف أن نفترض بأن كل النساء يتزيّنّ لأنهنّ ينئنَ تحت ضغط اجتماعي يجبرهنّ على أن يكنّ “دمى للزينة”.
بصراحة، إن انتقاد المرأة لأنها ترتدي ملابس حسب الموضة هو مجرد نفاقٌ صِرف.
من المفترض وكما ذكرتُ آنفاً أن تكون النسوية عاملاً تحرّرياً ودعوة لحرية الاختيار ومن هذا المنظور فإن السخرية من امرأةٍ متبرّجة هو خطأ كبير مثله مثل السخرية من امرأةٍ لا تتبرّج، وأما الذي يسخر من هذا الأمر فلا يمكن له أن يدّعي بأنه يتماشى في حكمه على مظهر الآخرين مع قواعد ومبادئ النسوية.
لطالما كنتُ أنا محطّ انتقادٍ لكلا الأمرين إما لأنني ” أبالغ” في تأنّقي أو لأنني “في مستوى متدنّي من التأنّق”، ولكنني أقول بأن ما أزيّن به وجهي أو ما أتلفّع به لايعكس بالضرورة معتقداتي وبالتالي الحكم من خلال ذلك عليّ ليس في محلّه.
بصراحة، أجد هذا الانتقاد يقترب من حدود الكراهية ضد النساء.
كثيراً ما نشعر بالغضب عند سماع أنباء عن لباس يُفرض فرضاً على النساء بحجّة أن اللباس والاهتمام به هو عاملُ إلهاءٍ عن أمور أكثر أهمية مثل عقل المرأة وليس مظهرها الخارجي. ولكن ومن ذات هذا المنظور ألا نستطيع القول بأن من يسمّين أنفسهن نسويّات يفعلن ذات الشئ عند سخريتهنّ من امرأةٍ متأنقة المظهر؟ إذاً كيف للنسويين أن يحكموا على المرأة فقط من خلال مظهرها الخارجي وماترتديه وليس من خلال ذاتها، مع العلم بأنه لطالما كان شغل النسوية الشاغل هو محاربة هذا النوع من الوصم والانتقاد المجاّني لخيار المرأة في ارتداء نوع الملابس الذي يناسبها وتفضّله، مما يجعلنا نتقهقر عقدين من الزمان إلى الوراء!
جدير بالذكر بأنه لاتوجد طريقة واحدة بعينها لكي تكوني نسوية بحقّ، ولهذا فإن الماكياج والموضة هما مسألة حريةُ تعبيرٍ عن الذات فقط.
بينما يبدو الماكياج بالنسبة للبعض وكأنه فرض إلزامي نجد أن الابتعاد عنه بالنسبة لآخريات يعني تحرّراً من ربقته، لكن شراء الملابس ومواءمتها للذوق الشخصي هو بنظر بعض النساء أيضاً حرية مماثلة، ويرين بأن مسحةً من أحمر الشفاه أو ارتداء بلوزة قطنية خفيفة هو عملياً نوع من الاختيار الواعي وحرية شخصية.
وبعدْ، ليس على الدنيا بأسرها أن تستحسن تبرّجي أو تتفهمه، وفي المقابل ليس عليّ أن أبدو مثل صورة ناطقة طبق الأصل عن أنوثة حسية صارخة من أجل إرضاء الآخرين وتصوّراتهم وأنا بصراحة لا أشتري مساحيق تجميلي أو ملابسي وفقاً لتصوّراتهم. كل ما في الأمر أنني أشتري ما أشتريه من أجل ذاتي فعندما أنظر إلى مرآتي أحبّ ما أراه وأتماهى مع تلك التي أراها فيها. أما بالنسبة للماكياج والموضة فأعتقد أنهما أتاحا تنوّعاً لملايين من النساء لا حصر له عبر العالم لكي تختار كل امرأة ما تريد وترغب من المنتجات، والقول بأن هذا ليس من النسوية بشئ هو قولٌ سطحي وفيه الكثير من التبسيط المبالغ به.
http://www.idiva.com/news-the-daily-agenda/does-wearing-make-up-and-loving-fashion-make-someone-a-bad-feminist/17071488