تلقت الكاتبة الكندية ميلان جيلبرت العشرات من رسائل الرفض من دور نشر عديدة قبل أن تتلقى رداً سخياً من إحداها ينصحها ببعض التعديلات قبل نشر كتابها الأول. والغرابة ليست هنا، ففي الرابع من شهر نوفمبر سنة 2000 نالت "جائزة روبير كليش" التي تقدمها المكتبة الوطنية، وفي اليوم التالي أي في الخامس من نفس الشهر تلقّت رسالة رفض قاسية من ناشر آخر بشأن نفس الكتاب الفائز.
جيلبرت التي جمعت كل رسائل الرفض التي تلقتها في بداياتها، ثابرت على استرداد مخطوطاتها من دور النشر التي أرسلتها إليها، وقامت بتفحص الأوراق بعناية لتتأكد أن المخطوطات قُرِئت فعلاً. فاكتشفت أن لجان القراءة في دور النّشر قد تقرأ أول عشر صفحات من المخطوط وعلى أكثر تقدير قد تقرأ عشرين صفحة، فالأمر مرتبط بذائقة من قرأ، وبمزاجه، وبحظ المخطوط في ذلك اليوم.
هذا لم يحبطها، بل جعلها تكتشف أن مفتاح الوصول إلى القارئ يكمن في العشرين صفحة الأولى، خاصة بعد أن وصلتها رسالة متأخرة جاء فيها اعتذار رقيق من إحدى تلك الدور، بسبب تأخر قارئة المخطوط التي مرضت فجأة، أمّا المفاجأة فكانت في الرد الإيجابي الذي ركز على جمال القصة، وجاذبية أغلب عناصرها السردية، شرط العمل على إعادة صياغة بعض الفصول، والتقليل من الحشو الوارد فيها.
في الحياة السرية للكُتّاب هناك الكثير من رسائل الرفض المخبأة في زوايا الذاكرة، رسائل بعضها جارح، أنهى حياة كتاب في مهدهم، وأخرى رغم قسوتها كانت حافزاً قوياً للاستمرار في الكتابة وتحقيق النجاح.
الكاتب الأميركي فرنسيس سكوت فيتزجيرالد تلقّى مئة واثنتين وعشرين رسالة رفض ورد في بعضها نصائح له بالتوقف عن الكتابة. ج.ك.رولينغ تلقت عدداً لا بأس به من رسائل الرفض، ستيفن كينغ، وآخرون، أشهرهم مارسيل بروست الذي تلقى رسالة رفض عنيفة من أندريه جيد بشأن روايته "الزمن الضائع" تبعتها رسالة ندم بعد سنة يقرُّ فيها أن ما حدث غلطة.
الفرنسي غيوم ميسو صادف هذا المصير أيضاً، وثابر حتى نشر كتابه الأول الذي لاقى استقبالاً فاتراً من طرف النقاد والقراء، إلاّ أنه ظلّ مقتنعاً أن هناك ما يجب فعله، حمل حقيبة ظهره، وطار إلى نيويورك على طريقة شبان أوروبا المغامرين. وشارك في دورات للكتابة الإبداعية.
الشاب العشريني آنذاك، فجّرت فيه نيويورك ما لم يتوقعه، فعاد بذخيرة كتابية مذهلة، نقلته نقلة صاروخية في الوسط الأدبي الفرنسي، ليصبح نجم الرواية الأول. تربع على عرش المبيعات على مدى عشر سنوات، أكثر من تسعة عشر مليون نسخة أصبحت تسكن مكتبات محبيه، تُرجم لأكثر من ست وثلاثين لغة، وقد حقق مؤخراً نجاحاً كبيراً في العالم العربي بعد ترجمته إلى اللغة العربية. عن رسائل الرّفض قال "لم أتوقف عندها بكل بساطة".