-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

لوحة «طقس» لمحمد القاسمي: الحلم بتجاوز لعنة الزمن - حسن الحداد


 قبل ولوج متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر، كان للبناء المعماري الخارجي لهذه المَعْلَمة تأثير، بل مفارقة جمالية للعين، بعدما انتزعها من روتين البنايات الإدارية والعسكرية، التي تجثم على محيط المكان. وبعد هذا العبور المؤطر بثقل الزمن، كانت بوابة المتحف عتبة على فضاء سيخلص الجسد من خارج قاس حتى على الإسفلت.

بعد اجتياز الطابق السفلي والصعود إلى الطابق المخصص للمعرض الدائم للأعمال الفنية المغربية، كان اللجوء إلى المكان منقذا للروح من إكراهات الخارج بفضل حساسيات إبداعية مختلفة تتمثل في أجيال أغنت الساحة الفنية المغربية، منذ بن علي الرباطي إلى الآن. ومن بين الأعمال التي أثارت الانتباه لوحة «طقس»، للتشكيلي المغربي الراحل محمد القاسمي.

حضور يحرر النظرة

أمام لوحة «طقس» لمحمد القاسمي، لم تعد عينيّ ملكي، بل سهت حتى عن تاريخها، لأنها في حضرة هذا العمل الفني تتعرض للأسر تارة، وللتيه تارة أخرى. وسيلة العين للتأمل هي النظر، وهذه الأخيرة ليست ثابتة بل متحررة، هي لمحة لكنها ليست خاطفة، لأن سلطة الأشكال والألوان تبطئ الزمن، بل تؤبده، تغري اللمحة وتتمنع أمام تهورها وتجرح كبرياءها. سلطة الفنان هنا، تصاحب نظرتي الخدرة وتسحبها من زمني إلى حاضر عمله الفني، تستفز تاريخي ثم تتخلص منه في قاعة انتظار، حتى فضاء المتحف، حيث تنتصب رجلاي تلاشى لأن حضور العمل كان جليلا. أتراجع إلى الوراء بضعة أمتار، أحس باللوحة تدعوني إلى الاقتراب أكثر، هل هو استدعاء فعلا؟ أم فضول ورغبة طفولية، وربما بدائية يمليها احتشام الألوان، أم هو صوت خفي يحرضني على الاحتكاك بالمادة بعدما اقتحمت ذاكرتي رائحة الصلصال.

ثنائية الأصل
أو الأسود والأزرق

إذا كان الأزرق هو الأصل، بل الامتداد في الزمن وفي الفضاء، فإنه هنا محاصر بالإطار، وشاحب يخترقه الأسود ويشوش على عزلته التي يفرضها الحصر. هل هذا الأسر الذي صار ضحيته الأزرق، مجرد وهم في ذاكرة الجسد المسرنم؟ هل هو النسيان آفة الزمن وصُدف التاريخ، أم خدر الجذبة، أم هو الزمن جذبة الإنسان الأبدية؟ أما الأسود هل هو الكابوس أم الظلم الذي يصارعه الجسد المنخرط في طقس الجذبة؟ هذا الجسد المسافر في الزمن وفي الأرض، ربما هو جسد محمد القاسمي، ألم يقل «أنا الآتي من اللون الأزرق»؟

الأثر والدم والتراب

الجسد المسرنم هنا ليس مركز الكون، هو فقط أثر منذور لطقس العبور، من الأزرق إلى الأزرق، من الماء إلى الأفق، أو من الطوفان إلى الطوفان. الجسد أثر تحميه آثار أخرى مجبولة بالتراب والدم، تؤثث مساره وتيهه. الأثر ترابي اللون. الأثر موطئ قدم الإنسان ووجهه. الأثر رغبة القائف ودم المقتفى.
الجسد «الدمدومة» هنا (يعني له وجه بدون ملامح) يخطو نحو صنوه، أي نحو الأثر الترابي، الأثر الملاذ والبوصلة، الأثر الإنسان، الإنسان الأثر. الجسد «الدمدومة» منذور لطقس الشبيه من أجل الحماية وتصريف الخوف ومجابهة الزمن بوهم تأجيل الحياة وتجاوز الموت.

«طقس» الوداع

وأنا أودع اللوحة، عجزت قدماي عن حملي بعيدا عن الفضاء المحيط بها، وحتى ذاكرتي كانت تعاكس تركيزي وتمنعني، من اتخاذ قرار العبور بعيدا عن «طقس» اللوحة. هذا الأسر، هل هو من صميم الانتظار الذي يفرضه كل عمل فني؟ بحكم أن المهتم يمشي أمام اللوحة، يبتعد قليلا، يقترب منها، ثم يقف مجربا كل الأوضاع وكل ما يسمح به المكان، مستغيثا بالزمن عله يمطره بطبقات المعنى، لأنه «إذا لم يكن هناك زمن، فليس هناك انتظار وبالتالي ليس هناك معنى» كما يقول المفكر الفرنسي نيكولا غريمالدي.

٭ كاتب من المغرب


عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا