تفتح رواية "أجراس القبار" لمجدي دعيبس المجال لمجموعة من الأسئلة التي تتعلق بالتاريخ والخيال، مثلًا: أين ينتهي التاريخ ويبدأ الخيال؟ هل البداية والنّهاية ما حدث فعلًا وما كان بينهما من إبداع الكاتب؟ هل الرواية التاريخيّة - كما هو شائع - تأتي لقول ما لم يُقل في المراجع؟ هل الشخصيات والأحداث ومسار الحكاية هي تمامًا كالمدوّن في الكتب؟ هل الرواية التاريخيّة مجرد حوار ينقل الحدث من السرد التاريخي إلى السرد الروائي؟أسئلة كثيرة تطرحها الرواية الصادرة عن "الآن ناشرون موزّعون" هذا العام في مئة وثمانين صفحة من القطع المتوسط. وقد اختيرت لغلافها لوحة من أعمال الفنان خالد بيروتي تحمل التفاصيل الجغرافية لفيلادلفيا (عمّان) خلال الحقبة الرومانية، فيظهر جبل القلعة ومعبد هرقل والدرج الذي يربط المدينة السفلى بالمدينة العليا، وهو من الجغرافيا المنسيّة من تاريخ المدينة المعماري؛ إذ طوى النسيان هذا المعلم إلى أن ظهر في رسومات الرحّالة الأوروبيين الذي زاروا المنطقة في القرن التاسع عشر.
في "أجراس القبّار" يتداخل التاريخي بالمتخيّل بشكل متشابك لخدمة البناء الفني للرواية، فالتاريخ أحد روافد هذا البناء، وهو المادة الخام التي يستخدمها الروائي لإنتاج العمل النهائي الذي ليس بالضرورة أن يتقاطع مع الحدث الحقيقي أو الحدث المروي. ربما يقترب منه أحيانًا وأحيانًا يبتعد عنه بشكل مباغت، وأحيانًا يختلط التاريخي بالمُتخيّل لصياغة الحدث الروائي. ويبقى السؤال الذي يرواد الكاتب والقارئ على حد سواء: "كيف لك أن تتأكد أن هذا ما حدث فعلًا؟". ويأتي السؤال المقابل للردّ من بنية السؤال نفسه: "كيف لك أن تتأكد أنّه لم يحدث فعلًا؟". وهنا يبرز السؤال الشائك: "هل ولاء الرواية التاريخيّة للتاريخ أم لفن الرواية؟".
تتحدث "أجراس القبار" عن القرون الثلاثة الميلادية الأولى ومعاداة الدولة الرومانية للمسيحية باعتبارها نظام حياة جديد سيقوّض النظام السائد. القسوة والاضطهاد يؤكدان على أنه لا وجود لأي مسوّغ يبرر تخلّي الإنسان عن إنسانيته. تنقل الرواية الأجواء التي سادت في الإمبراطورية وتعرض وجهات نظر متعددة؛ وثنية ومسيحية.
ورغم هيمنة الجغرافية العمّانية على الرواية إلا أن أحداثها امتدت في إحدى المراحل لتبلغ أنطاكية؛ وذلك من أجل خدمة الرؤية العامة للعمل والإشارة إلى امتداد المعاناة وشمولها جميع ولايات الإمبراطورية الرومانية.
ومن المشاهد الحية التي تصف فيلادلفيا ذلك الزمان: «أمواج بشرية في المدينة تموج وتلوج. تنشأ في القاع وتبدأ بالارتفاع شيئًا فشيئًا، تصعد الجبل المقابل للمدرج حتى تصل إلى المعبد. هناك على القمة التي اتسعت وانبسطت اجتمع خلق كثير من أهل المدينة. الجنود تموضعوا في أماكن منتقاة على الطريق لحفظ النظام. الشمس أيضًا اتخذت موقعها في السماء وأخذت تلفح الوجوه وتعرّق الأجساد غير مبالية بالأطفال أو كبار السن».
ويصف دعيبس مواسم الفرح والأعياد فيها: «عيد هرقل مناسبة خاصة للمدينة إذ إنها تميّزت عن غيرها من مدن المنطقة بمعبد لإله الربح والكسب. موكب الحاكم ابتدأ من المدرّج. الجنود ساروا أمامه وخلفه لمنع العامة من التقرّب منه أو الوصول إليه. الحاكم ومن معه من الضباط والأعوان ارتقوا الدّرج الذي يصل المدينة السفلى بالعليا. سبيروس ويوليانوس لم يشعرا بالتعب على خلاف الحاكم الذي اشتدّ احمرار وجهه وتتابعت أنفاسه بتسارع مضطّرد وبدا كأنه سيسقط على وجهه في اللحظة التالية».
ومما جاء في وصف الدرج الذي يربط المدينة السفلى بالمدينة العليا: «الدّرج مرصوف من حجارة مشذبة بعناية فائقة، عريض ليتسع لعشرة رجال في الوقت عينه. يبدأ من البوابة الثلاثية ويبدو كأنه أفعى عملاقة تتلوّى بين المدرّج والمعبد. يتّجه نحو الشمال ثم ينحرف باستدارة مريحة إلى الغرب. يكمل شكله الأفعواني ويتجه بشكل حادٍّ إلى الشمال مرة أخرى، وفي المرحلة الأخيرة ينحرف بحدة نحو الغرب حتى يصل إلى القمة. الربع الأول منه متوسط الانحدار على عكس الجزء المتبقي الذي يشتدُّ ويصبح متعبًا. كميات كبيرة من الحجارة الصّمّاء التي لا تثير في الرائي أيّ شيء لو كانت منفردة لكنها أصبحتْ على هذا المنظر الجميل بعد أن تجمّعت. مدن كثيرة لديها مدرّج ومعبد؛ لكنّ فيلادلفيا امتازت عنها بهذا الدّرج الذي أصبح علامة فارقة للمدينة وليس أي شيء آخر. هناك من ينظّم الحركة على الدّرج ويذكّر الصاعد ليمشي على اليمين والهابط على اليسار، كما أنّه يمنع الجلوس حتى يظلّ التدفّق انسيابيًا وبدون اختناقات».
يذكر أن مجدي دعيبس حصل على جائزة كتارا للعام 2019 عن رواية "الوزر المالح"، وهو مهندس اتصالات وعميد متقاعد في سلاح الجو الملكي. حصل على درجة الماجستير في تخصص "علوم وهندسة النانوتكنولوجي" من جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، وصدر له قبل ذلك: "الوزر المالح" رواية (2018)، "حكايات الدرج" رواية (2019)، "بيادق الضالين" قصص (2019)، "الدهليز" مسرحية (2020)
https://middle-east-online.com/
ورغم هيمنة الجغرافية العمّانية على الرواية إلا أن أحداثها امتدت في إحدى المراحل لتبلغ أنطاكية؛ وذلك من أجل خدمة الرؤية العامة للعمل والإشارة إلى امتداد المعاناة وشمولها جميع ولايات الإمبراطورية الرومانية.
ومن المشاهد الحية التي تصف فيلادلفيا ذلك الزمان: «أمواج بشرية في المدينة تموج وتلوج. تنشأ في القاع وتبدأ بالارتفاع شيئًا فشيئًا، تصعد الجبل المقابل للمدرج حتى تصل إلى المعبد. هناك على القمة التي اتسعت وانبسطت اجتمع خلق كثير من أهل المدينة. الجنود تموضعوا في أماكن منتقاة على الطريق لحفظ النظام. الشمس أيضًا اتخذت موقعها في السماء وأخذت تلفح الوجوه وتعرّق الأجساد غير مبالية بالأطفال أو كبار السن».
ويصف دعيبس مواسم الفرح والأعياد فيها: «عيد هرقل مناسبة خاصة للمدينة إذ إنها تميّزت عن غيرها من مدن المنطقة بمعبد لإله الربح والكسب. موكب الحاكم ابتدأ من المدرّج. الجنود ساروا أمامه وخلفه لمنع العامة من التقرّب منه أو الوصول إليه. الحاكم ومن معه من الضباط والأعوان ارتقوا الدّرج الذي يصل المدينة السفلى بالعليا. سبيروس ويوليانوس لم يشعرا بالتعب على خلاف الحاكم الذي اشتدّ احمرار وجهه وتتابعت أنفاسه بتسارع مضطّرد وبدا كأنه سيسقط على وجهه في اللحظة التالية».
ومما جاء في وصف الدرج الذي يربط المدينة السفلى بالمدينة العليا: «الدّرج مرصوف من حجارة مشذبة بعناية فائقة، عريض ليتسع لعشرة رجال في الوقت عينه. يبدأ من البوابة الثلاثية ويبدو كأنه أفعى عملاقة تتلوّى بين المدرّج والمعبد. يتّجه نحو الشمال ثم ينحرف باستدارة مريحة إلى الغرب. يكمل شكله الأفعواني ويتجه بشكل حادٍّ إلى الشمال مرة أخرى، وفي المرحلة الأخيرة ينحرف بحدة نحو الغرب حتى يصل إلى القمة. الربع الأول منه متوسط الانحدار على عكس الجزء المتبقي الذي يشتدُّ ويصبح متعبًا. كميات كبيرة من الحجارة الصّمّاء التي لا تثير في الرائي أيّ شيء لو كانت منفردة لكنها أصبحتْ على هذا المنظر الجميل بعد أن تجمّعت. مدن كثيرة لديها مدرّج ومعبد؛ لكنّ فيلادلفيا امتازت عنها بهذا الدّرج الذي أصبح علامة فارقة للمدينة وليس أي شيء آخر. هناك من ينظّم الحركة على الدّرج ويذكّر الصاعد ليمشي على اليمين والهابط على اليسار، كما أنّه يمنع الجلوس حتى يظلّ التدفّق انسيابيًا وبدون اختناقات».
يذكر أن مجدي دعيبس حصل على جائزة كتارا للعام 2019 عن رواية "الوزر المالح"، وهو مهندس اتصالات وعميد متقاعد في سلاح الجو الملكي. حصل على درجة الماجستير في تخصص "علوم وهندسة النانوتكنولوجي" من جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، وصدر له قبل ذلك: "الوزر المالح" رواية (2018)، "حكايات الدرج" رواية (2019)، "بيادق الضالين" قصص (2019)، "الدهليز" مسرحية (2020)
https://middle-east-online.com/