العملية النوعية، التي نفذتها القوات المسلحة الملكية في معبر الكركرات استفزت الحكم العسكري في الجزائر، لينضح الإناء بما فيه.فجأة أصبحت قضية الصحراء قضية أمن قومي بالنسبة لحكام الجزائر وهم الذين ظلوا يرددون لسنوات لازمة أنهم ليسوا طرفا في النزاع.
بالاعتراف بكون الجزائر طرفا محوريا في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، يكون جنرالات الجزائر قد أكدوا ما كان يقوله المغرب من البداية، وما فطن له المنتظم الدولي أخيرا، من كون هؤلاء الجنرالات يتخذون من الصحراء المغربية حصان طروادة الذي يعتقدون أنه سيمكنهم من أن يكونوا الدولة المحورية في شمال إفريقيا.
هو صراع جيو استراتيجي يفصح عنه حكام الجزائر بعد حوالي نصف قرن من الزمن. وهو أمر استعملت فيه الجزائر العسكر وليبيا معمر القذافي كل الوسائل من أجل خلق وسيلة استنزاف للمملكة المغربية.
طبعا المغرب منذ البداية فطن إلى المؤامرة وكان يعرف جيدا نوايا حكام الجزائر. وعلى الرغم مما كان يروجه الديبلوماسيون الجزائريون من أكاذيب لسنوات، إلا أن المتتبع لشؤون المنطقة يعرف جيدا أن الذين يمسكون ملف الصحراء المغربية في الجزائر هم الجنرالات وليس سياسيي الواجهة. وقد سبق للعربي بلخير لما عين سفيرا للجزائر في الرباط، أن أسر لمسؤولين مغاربة بأن التعليمات التي أعطيت له في قصر المرادية قبل قدومه للمغرب هي أن كل المواضيع مخول له مناقشتها مع المغرب إلا قضية الصحراء وهذا يبين بالملموس الطرف الحقيقي الذي يتحكم في الملف بالجزائر.
المغرب كان يعلم من البداية نوايا حكام الجزائر. ويعلم بالخصوص أن جبهة البوليساريو وما يلوكه البعض من لفظ الشعب الصحراوي وغيره لا يهم حكام الجزائر سوى من حيث استعمال مخيمات تندوف كدروع بشرية للضغط والتلاعب في سبيل تحقيق ما أفصح عنه الجنرالات أخيرا من كون الأمر يتعلق بالأمن القومي للجزائر، بمعنى أن لحكام الجزائر أطماعا في الصحراء المغربية لخدمة أجندتهم الجيواستراتيجية.
لا يمكن طبعا إغفال الشروط، التي دفعت مجموعة من الشبان خريجي الجامعة المغربية من أبناء اليسار، إلى الارتماء في أحضان عساكر الجزائر أولا، ثم نظام القذافي ثانيا. غير أن هؤلاء المغاربة الصحراويين سقطوا في الكماشة ولما حاول الولي مصطفى السيد مؤسس جبهة البوليساريو التمرد على خطة المخابرات العسكرية الجزائرية أدى ثمن تمرده في حياته في كمين على مشارف نواكشوط.
ماذا يريد حكام الجزائر إذن؟ هذا السؤال سبق للراحل الحسن الثاني أن اقترح بخصوصه على عبد العزيز بوتفليقة لما أصبح رئيسا للجزائر حلا يتمثل في أن المغرب مستعد لتمكين الجزائر من ممر إلى المحيط الأطلسي. طبعا بوتفليقة لم يعط جوابا لمبعوث الراحل الحسن الثاني، وهذا يؤكد أن تعليمات العربي بلخير التي تلقاها وهو يعين سفيرا للجزائر في الرباط هي نفس التعليمات التي أعطيت لعبد العزيز بوتفليقة وهو يدخل قصر المرادية في انتخابات رئاسية قيل فيها الكثير.
قد تكون هذه الوقائع من التاريخ حدثت في ظرفية دولية يطبعها صراع المعسكرين في ما كان يعرف بالحرب الباردة. لكن الظروف تغيرت اليوم.
جزائر هواري بومدين وليبيا القذافي اعتقدتا في سبعينيات القرن الماضي أن قضية الصحراء المغربية هي قضية القصر الملكي، أو على الأقل كانتا تطمعان في أن يكون الأمر كذلك. لكن الذي لم يفطن له حكام الجزائر السابقون والحاليون هو أن القضايا الوطنية الكبرى للمملكة المغربية لا نقاش فيها ولا حياد، وقد شهد العالم كيف رفض عبد الرحيم بوعبيد قبول الراحل الحسن الثاني بالاستفتاء في الصحراء وانتقد قرار الملك بقوة. وتأتي أزمة الكركرات لتؤكد مرة أخرى علاقة المغاربة بوحدتهم الترابية وإجماعهم في الدفاع عنها بكل الوسائل.
الرحلة اليوم ليست هي مرحلة السبعينيات والثمانينيات، وكل مطامع حكام الجزائر تكسرت بحكم الشرعية وبحكم عدالة القضية المغربية وأيضا بحكم وصول المنتظم الدولي لحقيقة النزاع وخلفياته. ينضاف إلى كل هذا، التغيرات التي تشهدها الجارة الجزائر من خلال الحراك الذي سيحقق مسارا جديدا في الديموقراطية على الرغم من ممانعة الحرس العسكري القديم.
لكن يبقى للعملية برمتها ضحايا، هم أولئك الذين تم اختطافهم من الأقاليم الجنوبية في سبعينيات القرن الماضي وتم تكديسهم في خيام بتندوف في ظروف إنسانية مأساوية. وهؤلاء عليهم أن يأخذون القدوة من الولي مصطفى السيد ويرفضوا أن يكونوا ذروعا بشرية لصالح نظام عسكري يقوم على فكرة الهيمنة والنهب والاستغلال.
https://ahdath.info/628273