يشكل الفنان محمد بديع البوسوني ذاتا متعددة الأجناس الفنية، فتقاسيمه الموسيقية، وتشكيلاته الفنية، وتوظيفاته الخطية، وترانيمه الحروفية، ومنجزاته الفوتوغرافية، تجعل منه بؤرة للإبداع المتعدد في الواحد، لأنه غالبا ما تتقاطع لديه كل هذه المسالك، ويؤثر بعضها في بعض، برمزية وإيحاء في قالب فني متوهج، ليقدم بلاغة فنية جديدة متكاملة المعالم الجمالية. فهو يتخذ من الفن ركيزة لتوزيع إبداعاته، وفق ما يتطلبه كل مسلك من مقومات جمالية، وتأثيرات مسلكية.
ولا غرو في ذلك، فهو يتوخى إحداث قفزة فنية، متجاوزة للجاهز بأسلوب متفرد، فاختار هذا المنهج في التعبير ليرسم عالما فنيا جديدا بخطوط مغربية متباينة، ورسومات مبهجة، وحروفيات ذات جماليات نادرة، وإيقاع موسيقي مبهج. وهو ما يكشف عن مشروع فني ذاتي ضخم، تتبدى فيه تصوراته الجمالية ورؤاه الفنية العالمة، وقدرته على الإبداع في نطاق متعدد المعالم الفنية والأوصاف الجمالية. لتتحقق في أسلوبه المتفرد مواد جديدة، تطلق سراح الفن وتبعده عن كل القيود، بأعمال فارقية تكتنز عددا هائلا من المفردات الفنية، والعناصر المكونة للقاعدة الجمالية، في شمولية تجعل من إبداعه خزانا لتصاميم رائقة في مساحات مناسبة، بلمسات جمالية تتجسد من خلالها سحرية الخط المغربي، وجودة فن الرسم وفن التصوير الفوتوغرافي، وقدرة المزاوجة الفنية بإيقاعات لحنية وسمفونية موسيقية ذات دلالات ومعان سامية.
إن التثبيت المحكم لمفردات الخط المغربي من جهة، والقدرة التحكمية على تنظيم مجال الرسم، وفق وهج حروفي متعدد الأشكال من جهة أخرى، يدلّ على تجربة عالمة في التدبير الحروفي والتوظيف الشكلي، ويحقق توليفا بين وحدة الشكل والبناء والتصور والأسلوب. ما يفصح عن استيعاب المادة الفنية برمتها لجميع مستلزمات الفن المعاصر، والعناية الشخصية للمبدع بآليات التوظيف الفني المنظم، واحترام خصوصيات وضوابط كل مسلك فني، وهو ما يُحيل إلى أن المبدع يتقصد التوظيف الجمالي المحكم لكل المفردات الجمالية في كل الأجناس الفنية، فتضحى عمليات المزج بين التشكيل والخط والحروفية وفن الرسم ذات نغمة موسيقية حية، خاصة أن المبدع متبحر في عالم الموسيقى وخبير بحيثياتها، فينعكس ذلك في أعماله الفنية. فيتجلى هذا التأطير في سياق تجارب فنية وخبرات عالمة تروم التجريد الحروفي المعاصر، والخط المغربي بضوابطه، والرسومات التشكيلية بعناية العالِم بفن الرسم، والتصاميم الهندسية باستعمالات مائزة؛ كل ذلك له تأثيره في الواقع الفني المعاصر.
إنها تجربة تبصم سحرية الخط والتشكيل والموسيقى في الفن المعاصر، بكل تجلياتها ونبضها وقيمها الجمالية، إنها خاصيات في أعمال المبدع في المجال الفني عموما، فهو يتناول حزمة من المفردات الجمالية، والعناصر الفنية بنوع من التنوع في التوزيع داخل الفضاء، مع الاعتناء بقيم السطح، واختزال المساحة وفق منهج إبداعي ناضج، يتمتع بمقومات الأسلوب الفني الرائق، المتشبع بالمفاهيم الفنية المتجددة، والرؤى الفلسفية العميقة الدلالات، والممارسة البحثة، ما يجعل هذا الأسلوب المنتهل من مشارب متنوعة يحظى بأهمية بالغة في عمق الفن المعاصر المرصع بنشوة الجمال المعاصر، والثقافة الفنية ذات المعرفة الشاملة المفتوحة على كل العوالم، وذات النهج العلمي القويم، وذات التداعيات الوجدانية؛ ما نم عن معجم فني دلالي متنوع، يحكمه التأطير الجمالي المتفرد الذي يتراءى ضمنيا، في الدال الخطي والشكلي المتوازن، علما أن الجمع أحيانا بين مجموعة من المسالك الفنية في أسلوب واحد ليس بالأمر اليسير، وإنما في ذلك ما يؤشر إلى أن أقلام المبدع تترصد سحرية الخط والحروفية من جهة، وجماليات الفن التشكيلي من جهة أخرى بتوظيفات تقنية معاصرة، وبَين هاتين الخِلتين تتمظهر جماليات إضافية تمنح المنحى الدلالي تحويلا إبداعيا آخر يتمثل الجمال الفني الإضافي، وهو يأتي في سياق عدد من التفاعلات الفنية التي تستجلي المستبطنات التعبيرية، في نطاق إبداع مفتوح على رزمة من الجماليات وعلى الأبعاد القيمية، التي تنتج العديد من الدلالات البصرية. وبذلك تتبدى هذه التجربة ناطقة بمشروع فني قويم له وزنه في صفوة الفن المعاصر