-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

بين الكيف والحشيش..... والتبوحيط السياسي:عزيز رزنارة


لم أندهش لتهديد عبدالإله بنكيران باستقالته من حزب العدالة والتنمية بقدر ما امتعضت من ربطه لهذا التهديد بمشروع تقنين زراعة القنب الهندي الذي أعلنت الحكومة أنها بصدد دراسته. التهديد بالاستقالة يدخل في إطار التجاذبات والنزاعات الداخلية لدى الحزب، الذي عرف مؤخرا استقالات ونزوحا من بعض منخرطيه في أفق الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

وإذا كانت دوافع التهديد بالإستقالة من الحزب يمكن إيجاد مبررات وتفاسير لها، فإني تعذر علي بالفعل إيجاد أي مبرر منطقي وعقلاني لمعارضة بكيران لمشروع تقنين زراعة القنب، وهو الأمر الذي تأخر كثيرا حسب المطلعين على هذا الملف.

عبدالإله بنكيران ليس فقيها بالمفهوم التقليدي أو خريج إحدى كليات الشريعة والفقه، بل هو خريج كلية العلوم بجامعة محمد الخامس بالرباط، وكان زميلي في الدراسة في السنتين الأخيرتين من الإجازة حيث كان طلبة التخصصين فيزياء وكيمياء يلتقون في حصص المواد الفيزيائية المشتركة. بعد الليسانس في الفيزياء، اختار بنكيران المدرسة العليا للأساتذة، بينما اخترت أنا طريقا أخرى بعد الليسانس كيمياء لمتابعة دراستي خارج الوطن.  أوردت هذه المعلومة لكي أؤكد أن بنكيران أتى من فضاء علمي عقلاني يمحص الأمور بميزان موضوعي لا سبيل فيه إلى التخمين والتأويل عندما يتعلق الأمر بمواضيع علمية. كما أن المؤسسة التي درس بها، كلية العلوم بالرباط، كانت تعج بالبحوث والدراسات عن الأعشاب  والنباتات العطرية وطرق الاستفادة منها صناعيا في مجالات عديدة منها الصيدلة، الطب الشعبي، التجميل وغير ذلك، وبدون شك فإنه كان على علم بالجانب العلمي لعملية تطوير واستغلال هذه الأعشاب والنباتات، بما في ذلك القنب الهندي. كما أنه كان من بين زملائنا في ذلك الفوج طالب يشتغل على هذا الموضوع وأصيح بعد ذلك مديرا لمعهد متخصص في تطوير واستغلال النباتات والأعشاب العطرية. وللتذكير فقط، فإن صادرات المغرب من الأعشاب والنباتات الطبية ومستحضراتها خلال الموسم 2013 – 2014 درت على خزينة الدولة ما يناهز 560 مليون درهم مغربي.   

وبالتالي، وبناء على هذه المعطيات، فإني أتساءل عن المبررات والدوافع التي ارتكز عليها السيد عبدالإله بنكيران في رفضه لمشروع تقنين زراعة القنب، وتوجيه محصوله نحو المعالجة الصناعية.  

هل دوافع الرفض عند بنكيران دينية؟ أم أخلاقية؟ أم سياسية؟

قبل الخوض في حقيقة هذه الدوافع، يبدو أن بنكيران سقط في نفس اللبس الذي انتاب العديد من عامة الناس وهو الخلط بين القنب الهندي أو ما يعرف عامة بالكيف وهو منتوج فلاحي  وبين الحشيش الذي هو نتيجة عمليات معالجة يخضع لها الكيف، ويعتبر بحكم القانون ضمن المخدرات وهناك عقوبات معروفة ضد منتجيه ومستهلكيه. نص المشروع يتحدث عن تقنين القنب الهندي أي زراعة العشبة، وليس عن الحشيش المستخلص منها. نفس اللبس والالتباس يحيط أيضا بمفهوم "التقنين" الذي فسره العامة بأنه السماح بتعاطي الحشيش بكل حرية وبالتالي توفيره للاستهلاك العام وإلغاء الحظر القائم على تحضيره وتوزيعه واستعماله.

التقنين المقترح يتعلق بتنظيم زراعة القنب الهندي بشكل مظبوط وصارم وتوجيه محصول هذه الزراعة نحو استعمالات أخرى غير تحضير الحشيش أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية والتجارب التي سبقتنا إليها دول أخرى أنها تساعد كثيرا في معالجة بعض الأمراض المستعصية والمزمنة. كما أن السي بنكيران نسي أو ربما لم يكن في باله مثل الكثيرين من المغاربة أن هناك سابقة في تاريخ المغرب تتعلق بتقنين زراعة الكيف والتي نظمها ظهير شريف صدر في الرباط بتاريخ 5 نوفمبر 1919، أي قبل ولادة بنكيران وكل أعضاء حزب العدالة والتنمية. هذا الظهير كان يحدد العلاقة بين المزارعين والسلطة التي كانت تمنحهم من خلاله رخصة قانونية إدارية، وتستخلص منهم ضرائب عن ذلك. كما نه كان حدد نوع العقوبات في حق المخالفين لمقتضيات الظهير الشريف.

وبالعودة إلى دوافع موقف بنكيران الرافض لمشروع تقنين زراعة القنب الهندي، فهو لم يشرح ولم يفسر موقفه، ولعله توارى وراء الخلفية الدينية لحزبه مثل الكثيرين من أتباعه. وإذا كان يأمل بإيراد تبريرات دينية أو أخلاقية للدفاع عن موقفه فإنه سيرتكب خطأ جسيما لأنه، من جهة، ليس هناك دينيا أو أخلاقيا ما يمنع زراعة القنب الهندي لاستعمالات علمية وطبية، ومن جهة أخرى ما الذي كان يمنعه أن يقوم بذلك عندما كان في السلطة لمدة طويلة ولم يصدر عنه ما يفيد بتحريم زراعة الكيف والذي كان كل محصوله يذهب لتحضير الحشيش. بل الأدهى والأمر أن في عهده تربع المغرب، وما زال، على عرش أكبر منتج للكيف والحشيش في العالم بشهادة المنظمات الدولية المختصة، ولم يعرف آنذاك عن بنكيران وحكومته أي موقف صارم تجاه زراعة الكيف وإنتاجه وتحويله إلى حشيش ثم توزيعه داخل المملكة وتصدير الكمية الأكبر الى أوروبا أكبر سوق للحشيش.  وإذا كانت فعلا دوافع بنكيران دينية أو أخلاقية لماذا لم يصدر عنه طيلة عهدته الطويلة أي رفض للمداخيل المحصلة عن بيع الخمور رغم وجود نص قرآني واضح بتحريمها بل وحديث نبوي يدين العديد ممن يحومون حولها. هذه الخمور كانت تضخ للميزانية العامة مبالغ كبيرة، يكفي أن نذكر منها أنه خلال سنة 2018 كان مداخيل الخمور لخزينة الدولة تفوق مليار ونصف من الدراهم، وهو مدخول يصعب على أي حكومة سواء كانت اسلامية أو مجوسية أن تتجاهله.

وقد نشرت جريدة لوموند الفرنسية في عددها بتاريخ 02 ديسمبر 2020 مقالا بعنوان: "الأمم المتحدة تعترف رسميا بالفائدة الطبية للقنب الهندي". كما أن العديد من مراكز العلاج في أوروبا بدأت في تطبيق برامج علاجية بمشتقات من القنب لبعض الأمراض المزمنة خصوصا لدى كبار السن.

هل يعلم السي بنكيران كل هذه المعلومات، سيما وأنه كان على رأس السلطة التنفيذية لمدة طويلة؟

هل اطلع السي بنكيران على الترحيب الذي عبرت عنه عدة فعاليات جمعوية وحقوقية ومدنية تنتمي إلى المناطق التي عرفت تاريخيا بزراعة الكيف، بمشروع الحكومة لتقنين هذه الزراعة مئكدة على ضرورة تحديد المناطق المستهدفة بهذا المشروع بما يضمن أحقية المناطق التاريخية لهذه الزراعة ؟

شخصيا، لا أعتقد ذلك. موقف بنكيران هو بكل بساطة يندرج ضمن الحرب الداخلية الضروس التي تجري بين أقطاب الحزب والتي اشتعل أوارها باقتراب الاستحقاقات الانتخابية، خصوصا بعد المؤشرات الكثيرة عن تآكل التأييد الشعبي لحزب العدالة والتنمية في العديد من المدن التي يتولى تسييرها.

أخيرا، أقول للسي بنكيران وباللسان الدارج المباشر: "إلى عينيك في صاحبك العثماني، اخرج ليه كود".

عزيز رزنارة

دبي في 06 / 03 / 2021

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا