-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

الصفات في العربية - ذ. رشيد سكري


هل تحتاج اللغة العربية إلى مركبات اسمية ذات بناء وصفي ؟  أم بمجرد ذكر التقابلات التعبيرية ، في الصرف و الوزن ، كاف بأن تخلق لذاتها ذلك الانسجام التوزيعي للصفات . تعمل هذه الأخيرة  في التركيب ، بل تعمل أيضا في توزيعية الإيقاع التعبيري . فمهما حاولنا أن نتخلى عن طبيعة الصفة ، في اللغة العربية ، نجد أنفسنا مجبرين على تمحيص هذه الصور الناتجة عن فك شفرات التعبير. بمعنى أن كلمات العربية في جوهرها صفات ، تدخل في التركيب من أجل إنتاج الدلالة . يرى الباحثون أن موقع الصفات في العربية بعدية ؛ أي تأتي بعد الموصوفات ، لكن بنيويا الصفات تسبق الموصوفات  . هذا ما أقره الفاسي الفهري عندما تحدث عن الرتبة بين الصفة والموصوف . وبما يضمن اتساق الكلام وانسجامه في العربية ، فإن البناء السطحي ، حسب الفهري ، تأتي فيه الصفة بعد الموصوف ، أما في الرتبة الأصلية فالعكس  هو الصحيح .

  ففي قائمة بأسماء اللغات ، التي تستعمل النمطين معا ، نجد : اللغات الرومانية والفرنسية والإيطالية  والإسبانية ، باستثناء اللغة الإنجليزية ، التي تكون فيها الصفة قبلية ـ أي أنها تسبق موصوفها . علاوة على ذلك ، فالتركيبة البعدية للصفات تفرض إيقاعا خاصا على البناء ككل ، ولا يغادر البناء العربي البتة التوازن الموسيقي ، بهدف حمل اللغة على تركيز المعاني . إننا هنا على حمل التطابق الكلي بين الصفة و موصوفها ؛ تذكيرا وتأنيثا وإفرادا وتثنية وجمعا . ففي هذه العلاقة التركيبية السياقية فالكلمة المصدرية ، التي تتصدر الكلام تفرض إيقاعها على باقي الكلمات ، التي تأتي من بعدها سياقيا وترتيبا . وبهذا كان المسعى حثيثا ، للدكتورة نادية العميري ، إلى تجديد الوظائف الوصفية ، وذلك عندما ربطت بين المصدر والهدف . فعندما نقول " وردة حمراء " ، فالصفة هنا هي الهدف ؛ لأن على غرار الوظيفة التي تقوم بها داخل المنظومة ، تولد الكثير من السياقات خدمة لإطار المصدر . وبهذا التساوق ، تكون توليدية نعوم تشومسكي قد حطت رحالها على خط مواز للصفة البعدية في العربية ؛ لأن هذه الأخيرة ذات ميسم توليدي ـ انفجاري . إلا أن بُعد التوليدية عند تشومسكي تتمأسس على مبدأين اثنين هما : الكفاءة اللغوية و الأداء . فالكفاءة اللغوية ، هنا ، مرتبطة بسلسلة عميقة من التحويرات في البناء اللغوي ، ومن ضمن هذه الشبكات ، التي تعنى بتوليد طاقات تجددية للغة ، نجد الصفات وعلاقتها بموصوفاتها . ومن هذه الزاوية وجهت التوليدية سهامها وطعناتها للسلوكية والبنيوية ، كإطارين سطحيين في تعاملهما مع المعرفة والدلالة .

من هذا الباب كان المقترح ، الذي جاء به الفاسي الفهري ، بخصوص الصفات في اللغة العربية القبلية منها البعدية ، يسعى نحو تفسير التباين الموجود في ترتيب الصفات ، وأثره البليغ في إنتاج المعنى و توليده . فالصفة القبلية غير ملزمة بالمطابقة الفعلية للموصوف، وهذا ما يدفع إلى اختبار دور الإضافة في سياق الوضوح والتجلي. نقول :

" لذيذ المذاق " ، فالصفة هنا حكمها الرفع ، بينما الاسم المضاف حكمه الجر . في هذا التركيب يرى الفاسي الفهري من الواجب الموازنة بين الصفة القبلية و البعدية ، من حيث إن هذه الأخيرة تكون بمثابة أسماء مملوكة ، تظهر في بداية التركيب .

ف" مذاق هذا الطعام لذيذ " أو " هذا الطعام مذاقه لذيذ " تبقى الصفة، في كل الحالات، خالية من التعريف، وفي ذلك مسعى لغوي يهدف إلى البحث عن التوازن بين الصفات  وتراكيب الملكية . فضلا عن ذلك نطل على توزيعية الصفات بحسب متوالياتها ، فالتوزيعية ، هنا ، تقضي ذكر التقييم والحجم والشكل واللون والجنسية أيضا . ففي مثال " الكرة المغربية الصفراء المستديرة الجميلة " نلاحظ مدى ارتباط الرأس الاسمي بكل صفة من الصفات المتوالية . فالرأس الاسمي محمول مع كل صفة صفة ، فالكرة المغربية  والكرة المستديرة و الجميلة ... فتوزيعية الرأس الاسم يتدخل في تراكيب جديدة تغني البناء اللغوي ، من هذه الزاوية تدخل توليدية نعوم تشومسكي ، و توزيعية هاريس في متواليات صوتية ورمزية ، تسعى نحو تفجير اللغة من الداخل ؛ لأن شكلها ، حسب تشومسكي ، ذو بنية قاعدية ، مرتبطة شديدا بالمتواليات التعبيرية .

  إلا أن الإشكال ، الذي يطفو على السطح ، من خلال توزيعية الرأس الاسمي على الصفات ، التي تعنى بالشكل و اللون و غيرها ، متمثل في عدم استكمال دورة المعنى ، ليظل هذا الأخير معلقا . مما دفع بالفاسي الفهري إلى أن يرتب بين الاسم والصفة ، بيـْد أن المركب الاسمي المعرف يعتبر من مسوغات الابتداء في العربية .

 فهل الصفة ، في هذا المقام الجلل ، قادرة على أن تشغل المحل بالإخبار ، وتساهم في رفع ستار اللبس عن المعنى ؟

  غير أن اختلافا يسود الحد و الطرف في علاقة توتر ، فالأسماء المؤنثة لفظا تستدعي صفة أو صورة للمذكر . الحد والطرف متنافران . فمعاوية ، وطلحة ، وعنترة ، وحمزة ،  وعميرة تستدعي صفاتا للمذكر ، كما أن صفاتا للمذكر لها إحالة على المؤنث ؛ حامل وطالق .

  أخيرا ، تعد الصفة في اللغة العربية مجالا خصبا للتركيب و التأويل . وبذلك تفتح الصفات الباب على مختلف المدارس التي تعنى بالأسلوب اللغوي . فالرأس الاسمي يتحكم في باقي المحمولات الأخرى ، لا لشيء إلا من أجل خلق توزيعية تغني التركيب والدلالة . فالدور إذن ، للصفة يحضى بالأهمية القصوى في بناء اللغة و تداولها .  

      

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا