ملخص المهدي المنْجرَّة (1933-2014) واحد من أهم المفكرين في تاريخ العالم العربي والإسلامي المعاصَر، عُرف عنه تَفرده وذكاءَه وثقافته الواسعة، عمل في مؤسسات دولية في مراكز مرموقة، له قدرة فائقة على الغَوص في أعماق الواقع واستشراف للمستقبل، مما أعطى لإنتاجه الفكري تَميّزاً ونكهة خاصة تليق به كَفيلسوف ملتَزم بشؤون أمته ومستقبلها.
يرى المهدي في مؤلفه ” الإهانة في عهد الميغَا إمبريالية” بأن الذُلّ شرّ قديم يعودُ لِيُبسط هيمنته على العالم، وإن المهانة غَدت شكلاً للحكم ونَمطاً لتدبير المجتمعات وطنياً وعالمياً. ذلك أن القوى العالمية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تُمارس الإذلال على بلدان العالم، حيث تَنصاع لذلك كثير من الدول من غير اعتراضات، قبل أن تُمارس هذه الدول الإذلال بِدَورها على جماهيرها ذاتها، لهذا فإن الأخيرة تُعاني من ذُلّ مُزدوج يَنضاف إليه ذُلّ ثالث هو الذُلّ الذاتي ويتمثل في الامتناع عن الفعل. ويرى المهدي بأنّ الإهانة تنبع من إرادة واعية في التعدّي على كرامة الآخرين، وليس فقط من الهيمنة، ويشير إلى أن هذا الشَطَط الميغا إمبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتحالفاتها ذات الهندسة العولمية المتنوعة، يُعدُّ شكلاً جَديداً من أشكال الفَاشيّة، التي لا تترك حيزاً كبيراً للتسامح واحترام الآخر، بل ولا تترك حيّزاً للعدالة أيضاً، وهو سلاحاً مدمراً مُوجّهاً ضد الكرامة الإنسانية.
ويرى المهدي بأن هذا هو إرهاب الدولة الذي يُمثّل الأداة الجديدة للدولة الفَتّاكة، الذي أصبح يُسمَّى النظام العالمي الجديد. وأن هذا الإرهاب بِنِظَامه العالمي الجديد قد مَارس أعتَى أنواع الإذلالِ على شعوبِ العالم العربي والإسلامي في الوَقت الراهن، وأن مليار و 600 مليون شخص مسلم قد تعرّضوا للمهانَة، وقُضيَ على ملايين المسلمين. وأن حاضر الأمة عبارة عن سلسلة لا متناهية من المَهانات والمَذّلة. فعلى المستوى السياسي ظل تحت وطأة النزاعات الجهوية وغياب المؤسسات الديموقراطية، وفي المستوى الاقتصادي نُلاحظ فشلاً شاملاً لِنَماذج التنمية التي فرضتها المحافل الدولية في أغلب بلاد العالم الإسلامي، وهذا الانهيار هو المستديم وليس التنمية.
ويشير بأنه يأتي بعد ذلك الاستلاب الثقافي الذي يمكن اعتباره الذلّ الأكثر خطراً على المستوى البعيد، لأن الأمر يتعلق بعدوان على أنظمة القيم. يَنضاف إلى ذلك أزمةٍ أخلاقيةٍ ناجمةٍ عن الفقرِ والأمّيةِ وغياب العدالةَ الاجتماعية وخرق حقوق الإنسان في معظم بلدان العالم الإسلامي، وهذه العوامل الخارجية والداخلية تتجلى للعيان وتختل المجتمعات إلى حد الانفجار وهذا ما اسماه انتفاضات، فالانتفاضات حتمية في العالم العربي والاسلامي.