-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

لغة الجسد في أعمال التشكيلية التونسية غادة بن عامر- محمد البندوري

 


إن مختلف الصور الجمالية في أعمال الفنانة غادة بن عامر تتبدى محملة بمقومات جمالية مستقاة من الواقع، لتملأ المساحات التشكيلية بمفردات فنية ذات ثنائية تتقصد البروز والغموض، أو الظهور والتخفي، وهو تأثير ينتج عن مهارتها الكبيرة وتقنياتها العالية في تحويل المادة الواقعية، عبر رؤية فنية وعبر الشكل، إلى مسلك تعبيري مليء بالبؤر التشكيلية ذات الدلالات القوية والمعاني المضمرة وراء حجب المضامين المتنوعة. ولا شك في أن لذلك مرجعيات تمتح منها المبدعة مقوماتها الفنية والجمالية، باعتبارها متخصصة في علوم وتقنيات الفنون، وأستاذة في المعهد العالي، ما يجعل من أعمالها خزانا لبحوث فنية ذات قيمة معرفية وثقافية وعلمية وتقنية، ولذلك فعملية التشخيص البنائي لديها تلامس الجسد في تفاصيله وحركاته وتعابيره، وتحاكيه من منظور فني ورؤيوي، إذ تحرك الأشكال المباشرة بالألوان، وتوفر جملة من المواد الفنية، بتصورها المخالف للمألوف، عن طريق إنشاء أجساد تشكيلية تخترق الخامة، وتبرز التقنية العالية. إنها محاكاة عملية وفق رؤى وتخييلات المبدعة الرائقة، حيث تتخذ من عملية التوظيف الشخوصي أشكالا جمالية تتيح للبناء البصري صياغة تصاوير تتفاعل مع مقومات العمل، وتستنطق مكنوناته الإبداعية، وأسلوبا فنيا ممنهجا يختزل قيما جمالية بأبعاد غير محدودة. فهي تعبر بمفردات تشكيلية وتصبيب لوني سلس تخصب به مادتها الفنية، بتدرجات جمالية تنسجها وفق بناء فضائي، بإضافة عناصر فنية جديدة، بما تحمله تقنياتها العالية من تغيرات وتجديد، تجعل من المجال الشكلي الجميل، بناء فنيا يختزل ملامح جسدية ذات استخدامات فنية، في انسجام تام بين كل المكونات التشكيلية، يعكس ذلك المزج بين ملامح الألوان الراقية، تبعا لنسق الأجساد المفعمة بالحركة والموتيفات الشكلية، التي تبعث سمفونيتها بين المفردات والأشكال والكتل، التي تحرك الفضاء بأكمله. فيتجلى حسها الفني في التخفيف والجودة اللونية، والدقة في التشكيل، وفي الوصل بين مختلف العناصر والتكوينات الفنية، فيتحقق في أعمالها التجاور والتنوع، وتحقيق تواشج عبر وحدة الشكل والبناء، والرؤية والأسلوب، فيفضي ذلك إلى مضامين تكسب أعمالها الفنية قيمتها الجمالية والفكرية، التي تسعى من خلال لغة الجسد، ومن خلال حوارات داخلية؛ تمييز خطابها التشكيلي، وتفعمه بشحنات من الأشكال التعبيرية المفتوحة، تقارب بها بين المبنى والمعنى، لتوليد مجموعة من الدلالات بإمكانات فنية هائلة، تجد لها طرقا تأويلية متعددة. كما أن توظيفها لجملة من العناصر التي تنبذ الشكل الواحد للمعنى، يجعل من فنها الراقي أداة مصدرية للفهم والإدراك الجمالي داخل المنظومة التشكيلية، وضمن علاقات فنية مغايرة لا تنتهي عندها أعمالها في حد معين، وإنما تنبئ بدلالات ومعان مختلفة، تساهم في تكثير المعنى وإطلاقه في بنية الخلود بمنهجية دقيقة ووسائل ومواد فنية وتقنية رائقة، تبعا للشروط الفنية الجمالية والمعرفية. إنه اشتغال مثير على لغة الجسد بكل المقاييس والأدوات التشكيلية المعاصرة، التي ترتكز أساسا على الرؤية الجمالية في التشكيل بقوة في الإبداع والإتقان، وإحالة العمل الفني في عمومه إلى أعمدة الدلالات.

فاتخاذها لعناصر التوليف والتكامل والدقة في التنفيذ وفي الأداء الفني، وإخراج الشكل البارز من الشكل المضمر؛ يجعل أعمالها تستنطق المكنون، وتغوص في أشكال الجسد بكل تمظهراته الفنية والجمالية، بتفكير قويم تعبر عنه مختلف التجليات التي تروم الجسد في تشكلاته المتنوعة، فتوظفه بسيل من الألوان ذات المعنى الجمالي والقيمي، لتصنع بذلك فنا مرئيا تتذوقه الرؤية البصرية بصيغة حسية على اختلاف أشكال الجسد التعبيرية المُستخدمة في العملية الإنتاجية، التي تعضدها المفردات التشكيلية الجديدة بمقوماتها الفنية وأدائها المعاصر، إذ تتخذ منه مسلكا جماليا ومادة فنية لبناء جسد متنوع المضامين ببعد فني رائق، وهي توظف للارتقاء بالجسد تجربتها العالمة بتحويل أبجدية الشكل إلى لغة جسدية تعبيرية غزيرة المعاني والدلالات، خاصة وأنها تعتمد طرائق متعددة لصنع مجموعة من العلاقات داخل الجسد الواحد، فتسخر رصيدا من الأشكال والألوان والتقنيات العالية. إنه مسار قويم تتخطى به الجاهز، بوجدانية وإيحائية، تدعم القوة التعبيرية المعاصرة، ما يجعلها في صفوة الفن التشكيلي العالمي المعاصر.

ناقد مغربي

غادة بن عامر

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا