-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

معضلة أبي طالب: مقاربة للمنظومة العقابية في الفكر الديني – عبدالله الحميدي


المنظومة العقابية: مقدمة

ثمة حديث يرويه مسلم عن ابن عباس عن الرسول أنه قال (إن أهون أهل النار عذابا أبو طالب وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه). لم تكن هذه النهاية التي يرسمها هذا الحديث وغيره بالنهاية السعيدة في نظر كثيرين. خصوصاً حول رجل وقف جل حياته في خدمة تلك الدعوة الناشئة وحمايتها، متعرضاً في ذلك لمقاطعة جل قبيلته له، بل ومحاصرتهم إياه .1 بدا مثل هذه الحديث وغيره مثار إشكالية أخلاقية ونفسية عميقة تتعلق بمدى عقلانية وأخلاقية العقوبة والخلاص النهائي في الفكر الديني. إذ يبدو أن ثمة “لا اتساقية” ما بين تلك الصورة الأخلاقية التي نجدها في المدونات التاريخية لأبي طالب وبين عدم استحقاقه للخلاص النهائي. سأحاول هنا مقاربة المنظومة العقابية في الفكر الديني، وتحديداً في شقها الأخروي واستعراض الإشكال الفلسفي والأخلاقي الذي تثيره تلك النصوص ومقتضياتها. متخذاً من ” مسألة أبي طالب ” نموذجاً لهذه الإشكالية، وأعني بها الصلة مابين المحتوى العقدي وبين الأخلاقي، وذلك من ناحية كون المآلات الأخروية التي تفصح عنها المدونة الدينية بعامة، تمثل تجاوزاً أو خرقاً للمنظومة المعيارية كما هي معطاة من خلال العقل العملي بشكل عام، بل وتجاوزاً حتى للمنظومة المعيارية الدينية ذاتها.

  • المنظومة العقابية: إشكالية داخلية 

 يأتي هذا الحديث ضمن سياق دعم وتأكيد للمآلات اللاهوتية المتعلقة بمنظومة العـقاب الديني في شقة الأخروي، على الأخص تلك التي تتمحور أساساً حول الموقف السلبي من الدين إنكاراً أو رفضاً. غير أن ما تثيره منظومة العقاب الديني تلك والتي يبدو هذا الحديث أحد أهم الأمثلة عليها، هو إشكالية غياب أو تهميش “الأخلاقي” في هذه المنظومة لصالح “النظري” أي المقولات العقدية المؤسسة، والتي هي مقولات نظرية في الأساس. فالمقاربات الدينية للحديث – كما سنرى – هي مقاربات من شأنها تعزيز تلك الفكرة، أعني أولوية النظري على الأخلاقي، والتأكيد بشكل غير مباشر على أن استحقاقات الخلاص من عدمه في المنظومة الجزائية في الدين غير مرتبطة – بالأساس- باشتراطات أخلاقية، بل ما يحددها هو مجموعة من شروط نظرية في مجملها.

فهذا الحديث هو نموذج واحد من نماذج عدة توردها المدونة الحديثية فيما يتعلق بعدم إيمان أبي طالب، والتي تتضمن أيضاً روايات حول عدم إسلامه رغم إلحاح الرسول المتكرر عليه 2 وتمسكه – كما تشير بعض الروايات – بالدين السائد 3.  إلا أنه وفي في مقابل هذه السردية، ثمة محاولات عديدة حاولت تدارك هذا الحكم وخلق “سردية خلاصية”، وذلك من خلال التوسل ببعض الروايات من هنا وهناك بهدف “تخليص أبي طالب” من العذاب، لكن مع مراعاة عدم مساس هذه السردية الخلاصية بالمعايير العليا التي تحكم المنظومة الميتافيزيقية للعقاب والخلاص النهائي، وذلك بإثبات أنه كان مؤمناً بالرسالة دون أن يعلن إيمانه. في الواقع لم تكن هذه المحاولات مشغولة بإنقاذ ميتافيزيقا العدالة الإلهية بقدر ما كانت مشغولة بمحاولة إنقاذ تلك الصورة الرمزية البالغة الأخلاقية لأبي طالب من الجحيم. فسقف الثيودوسيا كما يبدو من خلال تلك المحاولات محدود جداً، بل ومرتبط بشكل كبير بنزعة عاطفية تأخذ بالاعتبار قرابته من النبي في المقام الأول. بمعنى آخر، لم تكن هذه المؤلفات التي كتبت في هذا الموضوع – ومن ضمنها أيضا تلك المؤلفات المتعلقة بنجاة والدي النبي 4- تستبطن محاولات حقيقية لعقلنة فكرة الخلاص النهائي ومن ثم العقوبة الأخروية، بقدر ما كانت محاولات ذات دوافع “عصبوية” تتعلق بالقرابة من النبي. فالناظر في تلك المؤلفات” الإنقاذية ” 5 لأبي طالب يجد أن جل مهمتها إنما ترتكز في الأساس على تلمس بعض الأحاديث والمرويات التي تثبت وجهة نظر مفادها أنه مات مؤمناً. فقد كان السؤال الأساسي التي حاولت هذه المؤلفات الإجابة عليه هو: كيف يمكن أن يكون الشخص الذي كان من الدعائم الأساسية لتلك الدعوة في بداياتها والذي وفرت مواقفه حصانة اجتماعية لصالح الدعوة الناشئة والذي تعرض بسبهها لمقاطعة جل قبيلته له ألا يكون مؤمناً، بل وأن ينتهي به الحال إلى تلك الصورة التي يرسمها ذلك الحديث؟ وأن يكون مصيره معلقاً على مجرد موقفه من نظرية ميتافيزيقية، أعني الاعتقاد ببنود عقدية معينة. وإذا كنا قد وصفناها بالنهاية الغير سعيدة، فإننا نضيف أنها غير سعيدة بمعنيين، معنى عصبوي، أي أنها جاءت مخالفة للمشاعر التي تمليها الدوافع العصبوية المتعلقة بقرابته من النبي، وغير سعيدة بمعنى أنها تجيء متناقضة – وهذا ما سأحاول إثباته – مع المفاهيم الأخلاقية لفكرة التناسب ما بين الجزاء والعقوبة من ناحية، وبين التعارض مع فكرة العدالة الإلهية من ناحية أخرى.

وهذا ما جعل – فيما يبدو – مسألة أبي طالب تشكل ما يمكن تسميته بـ “أزمة نفسية” في المخيال الديني. فالصورة الأخلاقية التي تتبدى فيها شخصية أبي طالب كما ترسمها لنا المدونات التاريخية والحديثية فيما يتعلق بالمواقف الأخلاقية البالغة العمق والشفافية تصطدم بنحو صارخ بالمآلات الأخروية التي ترسمها بعض النصوص الحديثية والتي تمت محاولة ترميمها من خلال ذلك الكم الكبير من المؤلفات.

بيد أن المعضلة التي تثيرها مسألة أبي طالب هنا بحسب المقاربات الدينية لها ليست سوى معضلة “نصية”، الأمر الذي يترتب عليه أن يكون حلها هو الآخر حلا “نصياً” وذلك من خلال التفتيش في المدونات الحديثية عما يمكن اعتباره شهادة “سلامة معتقد” تؤكد إيمانه. وبمعنى آخر فإن الإشكالية التي تدور حولها هذه المؤلفات هي إشكاليةُ مروياتٍ وسجلاتٍ تاريخية مشغولة بالتساؤل ” ما إذا كان ممكناً إيجاد نص أو رواية تدعم وتعزز القول بأن أبا طالب كان في الأساس مؤمنا؟ وهو ما يجعل هذه المعضلة مرهونة بما توفره المصادر والنصوص التاريخية.


عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا