المنظومة العقابية: مقدمة
ثمة حديث يرويه مسلم عن ابن عباس عن الرسول أنه قال (إن أهون أهل النار عذابا أبو طالب وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه). لم تكن هذه النهاية التي يرسمها هذا الحديث وغيره بالنهاية السعيدة في نظر كثيرين. خصوصاً حول رجل وقف جل حياته في خدمة تلك الدعوة الناشئة وحمايتها، متعرضاً في ذلك لمقاطعة جل قبيلته له، بل ومحاصرتهم إياه .1 بدا مثل هذه الحديث وغيره مثار إشكالية أخلاقية ونفسية عميقة تتعلق بمدى عقلانية وأخلاقية العقوبة والخلاص النهائي في الفكر الديني. إذ يبدو أن ثمة “لا اتساقية” ما بين تلك الصورة الأخلاقية التي نجدها في المدونات التاريخية لأبي طالب وبين عدم استحقاقه للخلاص النهائي. سأحاول هنا مقاربة المنظومة العقابية في الفكر الديني، وتحديداً في شقها الأخروي واستعراض الإشكال الفلسفي والأخلاقي الذي تثيره تلك النصوص ومقتضياتها. متخذاً من ” مسألة أبي طالب ” نموذجاً لهذه الإشكالية، وأعني بها الصلة مابين المحتوى العقدي وبين الأخلاقي، وذلك من ناحية كون المآلات الأخروية التي تفصح عنها المدونة الدينية بعامة، تمثل تجاوزاً أو خرقاً للمنظومة المعيارية كما هي معطاة من خلال العقل العملي بشكل عام، بل وتجاوزاً حتى للمنظومة المعيارية الدينية ذاتها.
المنظومة العقابية: إشكالية داخلية