مبتدأ : بدأت الحاجة إلى التذكير بقيمة النصِّ في القصيدة الشبكيَّة تقلُّ؛ إذ إنها باتت واقعًا لا يمكن دفعه أو تجاوزه، وقلَّما تجد شاعرًا إلا وله موقع على تويتر وفيس بوك وإنستقرام.. وغيرها، ينشر قصائده عليها. هذا واقع لا أدري: هل أقول إنه مؤلم، أو أنه مبهج دفع إلى القول، ولَم يعقب ولا يخشى من عثرات التقنية أو مفاجآتها، وفي كل فنحن تجاوزنا هذه المرحلة، وربما تجاوزنا الخوف من تلاشي النصِّ، وأصبح قدرًا مقدورًا لا يمكن دفعه، ويحتاج منا فقط أن نتأمل في آليات حفظه؛ حتى لا نتفاجأ في لحظة انطفاء الكهرباء في الغرفة الشاعرة أننا أصبحنا أمام ظلام معتم يمسح من ذاكرتنا كل شيء، ونعود إلى الذاكرة الصفر أو الدرجة الصفر بمسمى رولان بارت، وأعني بها هنا ما ذكرته من قلق أروى الداوود في مقال لها عنوانه: (لماذا الكتب الورقيَّة مهمة/ بود كاست ثمانية)، إذ تقول: «الحاصل الآن، هو أن غالبيَّة المعارف والمعلومات الجديدة التي تنتج من قبل الأفراد والجامعات والهيئات والحكومات؛ لا تكون موثقة على أرض الواقع، وهذا يجعلنا نتساءل ونفكر بفرضية في حال انقطعت الكهرباء فجأة في كل أنحاء العالم...!»، إننا مضطرون للعودة إلى نقطة الصفر مجددًا، كما حصلت في أحداث مسحت الذاكرة الإنسانيَّة كلها، كحرائق مكتبة الإسكندريَّة، وتدمير مكتبة بغداد ومحاكم التفتيش في إسبانيا..» .
وفي ورقة علمية قدمتها الدكتورة كوثر القاضي ضمن أعمال ملتقى النصِّ الأدبي في نادي جدة الثقافي( )؛ ذكرت في إحصائيَّة علميَّة أن المنتديات الأدبيَّة -التي تلاشت تقريبًا- أغلب من نشر عليها لا يحتفظ بنشر ورقي، بل ينشر عليها للوهلة الأولى والختاميَّة على تلك المنتديات، وأن أغلبهم اتجه بتجاربه إلى منصَّات أخرى كفيس بوك وتويتر بعد هجرة تلك المنتديات. ولا نعلم هل ننتظر كارثة أدبيَّة أخرى تمسح آلاف النصوص من مواقع تويتر وفيس بوك وإنستقرام ويوتيوب؛ بل حتى واتس آب؟!!، وهنا تكمن مشكلة كبيرة جديرة بالاهتمام وعقد مؤتمرات لها للنظر والمدارسة في حاضر النص العربي أو الإنساني ومستقبله.
-2-
تتحرك القصيدة العربية المعاصرة على مواقع التواصل الشبكي في مسارات عدة:
* اتجاه النصِّ الذي يكتبه المبدعون على فيس بوك، وتويتر، وإنستقرام، ويوتيوب، أو غيرها، وتلك ثروات أدبيَّة ينشرها الشعراء والمبدعون بمئات النصوص يوميًّا؛ ولا تلبث بعد أيام، بل ساعات أن يزول أثرها حتى يتلاشى؛ وفقدانها هو اخترام لسجل أدبي يذهب، ومسؤوليَّة المؤسسات أن تقوم بحفظ هذا النصِّ، ومسؤوليَّة النقاد دراسته، ومقاربته، والإسهام قدر المستطاع في حفظه وتخليده. ومن نماذجها نصوصٌ شعريةٌ منشورة لعدد من الشعراء السعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي، منهم إبراهيم زولي وعيسى جرابا وإبراهيم صعابي وحسن الصلهبي، وفواز اللعبون وحيدر العبدالله،..... وغيرهم الكثير.
* الثاني: نصٌّ لا يقرأ إلا على الشبكات التقنية؛ كنصِّ مشتاق معن (تباريح رقميَّة)، وهناك دراسات وأطروحات أكاديميَّة، تناولت نصوص سناجلة، وما زالت النصوص قليلة في هذا الاتجاه تحديدًا، وما زالت الأدوات النقديَّة قاصرة عن قراءة تلك النصوص، ولعلَّ المستقبل يكون كفيلًا بتجديد الجهود في ذلك، وقد كنت قد كتبت مقالات عدة عن (أزمة النص الرقمي في فرقد يمكن مراجعتها)، وهي تخصُّ هذا النص تحديدًا، الذي يفيد من كلِّ عناصر الميديا على الشبكة.
* الثالث: نصوص عربيَّة قديمة، تمَّت رقمنتها على الشبكة العالميَّة، وهي ذات أهميَّة كبيرة، تقارب النص التراثي بأدوات تقنية حديثة؛ وهذه تلقي مسؤوليَّة أخرى على المؤسسات التربويَّة، والأكاديميَّة؛ أن تفيد من طاقة التقنية في مقاربة تلك النصوص العربيَّة القديمة، وتقريبها للطلاب، ومقاربتها التقنية، وتعزيزها كبديل في المناهج.
* الرابع: النصُّ التجريبي على الشبكة؛ وهذا مدخل لنصّ لا يمكن تحديد مآله، ولعلَّ من التجارب العالميَّة؛ النصُّ الشعري الذي تنتجه التقنية دون تدخُّل إنساني، سوى إدخال مفردات ضمن تطبيق، ولا أحد يعلم أين يقف النصُّ الأدبي، في تعاطيه مع تقنيات متجدِّدة!؛ والذي نراه واقعًا أن الورق بدأ يتراجع بشكل ملحوظ؛ فالصحيفة الورقيَّة، والكتاب الورقي نرى تراجعها، ونرى عيانًا: كيف يتعامل المثقفون، بل المجتمع الناشئ معها؛ وهذا سيجعلنا نحكم على النص الشعري الورقي؛ أنه سيتراجع تمامًا، وما لم نسارع في صنع أدوات تلقٍ جديدة لحفظ النص ودراسته؛ فستكون دراساتنا الورقيَّة خارج دائرة الزمن، وسيكون الديوان الورقي جزءًا من التراث؛ أقول هذا بقياس الواقع على الواقع؛ وأقول هذا لأن التباطؤ من المؤسسات في متابعة حفظ النصوص، وتوجيه الدارسين لها؛ سيجعل الأجيال بلا ذاكرة تدرس.. *
-3-
نشير هنا إلى القصيدة الآليَّة أو ما تعرف بالقصيدة الروبوت، قصيدة تعمل الآلة عليها، أو كما تسميها الدكتورة ريهام حسني بالشعر التوليدي( ).
في مقال لخديجة الصبار 11-12-2017 «الروبوت شاعر أم شعرور» ثمانية تنقل عن الروبوت HAL نصًّا شعريًّا آليًّا يقول:
أنا خائف/ أنا خائف يا ديف ديف
إنني أفقد عقلي
يمكنني أن أشعر بذلك
إنني أفقد عقلي
ليس هناك شك في هذا
يمكنني أن أشعر بذلك، أنا خائف
ردد الروبوت «هال» هذه الكلمات عندما بدأ رائد الفضاء ديف يزيل وحداته واحدة تلو الأخرى وهو يكررها بطريقة بشريَّة جدًّا ومؤلمة. كان هال قد امتلك القدرة على الكلام وتمييزه، ومعالجة اللغات الطبيعيَّة وقراءة الشفاه، وكان قادرًا على تذوُّق الفنِّ، والتعرف على الوجوه، تقريبًا امتلك كل شيء يؤهله لأن يكون منافسًا لنا.
وتعمل جوجل حاليًّا مع جامعة ستانفورد، وجامعة ما ساتشوس في الولايات المتحدة، لتحسين مهارات اللغة الطبيعيَّة لدى روبوتاتها، عن طريق تكنولوجيا للذكاء، بطريق الذكاء الاصطناعي تسمي النموذج الشبكي العصبي التكراري على الصور، هذا الروبوت قادر على بناء جمل بمعدل كلمة في المرة، وعن طريق تحليل الكلمات السابقة في الجملة. وجوجل عجز عن كتابة قطعة كاملة، فخرجت جمل مقطعة تشبه الشعر النثري:
لقد كان صامتًا للحظة طويلة
كان صامتًا للحظة واحدة.
كان الجو هادئًا للحظة واحدة.
كان هادئًا وباردًا
كان هناك وقفة
لقد جاء دوري
ج
الجمل التي ولدها الروبوت سليمة من الناحية النحويَّة، معظم الجمل متناسبة مع جملة البداية والنهاية.. وقد لاحظ العلماء حدوث تحسن في قدرة الآلة على توليد جمل ذات معنى إذا ما ضمت معًا( ).
هنا يمكن أن نشارك صحيفة الاتحاد الإمارات تساؤلها الذي طرحته على هامش قمة المعرفة والثورة الصناعيَّة: هل ينافس الروبوت الشعراء ويكتب القصيدة مثلهم؟( ).
-4-
- مراجع للعرض:
الأهرام تناقش سيدة المستقبل( ).
* صوفيا هي «روبوت» شبيه بالبشر صممته شركة «هانسون روبوتيكس» في «هونج كونج» خلال إبريل 2015، كي تتعلَّم وتتأقلم مع السلوك البشري، وتعدُّ الأكثر اكتمالًا من منظور الروبوتات الشبيهة بالبشر.
* تم تصميم صوفيا لتكون شبيهة بالممثلة البريطانيَّة أودري هيبورن، وهي من مواليد 1955.
* تستطيع صوفيا استقبال الكلام وتحليله عن طريق تكنولوجيا الـ Blck Chain التي تمكنها من الاستجابة لأي محادثات تقوم بها، كما أنها تستطيع القيام بأكثر من 60 تعبيرًا للوجه لمحاكاة التعبيرات البشريَّة.
* حصلت صوفيا في شهر أكتوبر 2017 على الجنسيَّة السعوديَّة، لتكون بذلك أول روبوت يحصل على جنسيَّة.
* تعدُّ هذه الزيارة أول زيارة لصوفيا لمصر والقارة الإفريقيَّة، كما أجرت العديد من اللقاءات الصحفيَّة في مختلف دول العالم، وتحدثت فيه مع بعض المضيفين.
** **
د. عبدالرحمن بن حسن المحسني - عضو هيئة التدريس في قسم اللغة العربية بجامعة الملك خالد - نائب رئيس اتحاد كتاب الإنترنت العرب
عن الجزيرة السعودية