كتبت: ليلى فريد «كنا في المعتقل أيام السادات، وهو كان بيحب واحدة، الشيخ إمام قال حبايبنا وحشونا أوي، فقلتله ولا يهمك وكتبت الأغنية»، بهذه الكلمات تحدث الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم عن كواليس أغنية يا حبايبنا فين وحشتونا التي غناها نجم ضمن عشرات الأغاني في ثنائي شهير جمع الاثنين لعقود. يضيف نجم: «أحنا في الغربة م الهوى دوبنا، وأنتوا في الغربة جوا في قلوبنا أوعوا تفتكروا أننا توبنا، مهما فرقونا ولا بعدونا ياحبايبنا».
ويؤكد نجم: «كتبتها وإحنا ماشيين من المعتقل راح ملحنها، الأغنية دي بحبها أوي»، كانت الأغنية واحدة من عشرات الأغنيات التي جمعت المبدعين الراحلين.
محطات في حياة الشيخ إمام:
الشيخ إمام، واسمه الحقيقي إمام محمد أحمد عيسى، ولد في 2 يوليو 1918، وتوفي في 7 يونيو 1995، بقرية أبو النمرس بمحافظة الجيزة لأسرة فقيرة، وكان أول من يعيش لها من الذكور حيث مات منهم قبله سبعة ثم تلاه أخ وأخت.
أُصيب إمام في السنة الأولى من عمره بالرمد الحبيبي وفقد بصره بسبب الجهل واستعمال الوصفات البلدية في علاج عينه، فقضى إمام طفولته في حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ عبد القادر ندا رئيس الجمعية الشرعية بأبي النمرس، وكانت له ذاكرة قوية.
في إحدى زياراته لحي الغورية، قابل إمام مجموعة من أهالي قريته، فأقام معهم وامتهن الإنشاد وتلاوة القرآن الكريم، التقى الشيخ إمام بالشيخ درويش الحريري أحد كبار علماء الموسيقى، وأعجب به الشيخ الحريري بمجرد سماع صوته، وتولى تعليمه الموسيقى.
تعلم العود على يد كامل الحمصاني، وبدأ الشيخ إمام يفكر في التلحين، حتى إنه ألف كلمات ولحنها وبدأ يبتعد عن قراءة القرآن، وتحول إلى مغنٍّ واستبدل ملابسه الأزهرية بملابس مدنية.
وفي عام 1962 م، التقى الشيخ إمام عيسى بأحمد فؤاد نجم، رفيق دربه، وجرى التعارف بين نجم والشيخ إمام من طريق زميل لابن عم نجم كان جاراً للشيخ إمام، فعرض على نجم الذهاب للشيخ إمام والتعرف إليه، وبالفعل ذهب نجم للقاء الشيخ إمام وأعجب كل منهما بالآخر.
وعندما سأل نجم إمام لماذا لم يلحن، أجابه الشيخ إمام أنه لا يجد كلاماً يشجعه، وبدأت الثنائية بين الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، وتأسست شراكة دامت سنوات طويلة. ويُعتبر أن الدور المباشر الذي لعب الشاعر أحمد فؤاد نجم في حَراك الشارع العربي.
ذاع صيت الثنائي نجم وإمام، واتسعت الشركة، فضمت عازف الإيقاع محمد علي، فكان ثالث ثلاثة كوّنوا فرقة للتأليف والتلحين والغناء، ساهم فيها العديد، ولم تقتصر على أشعار نجم، فغنت لفؤاد قاعود، وسيد حجاب ونجيب سرور، وتوفيق زيّاد، ونجيب شهاب الدين، وزين العابدين فؤاد، وآدم فتحي، وفرغلي العربي، وغيرهم.
حرّضت أغاني الشيخ إمام على الثورة على الظلم، فدخل السجن مرات ومرات، حتى أصبح أول معتقل بسبب الغناء في العالم العربي.
انتشرت قصائد نجم التي لحنها وغناها الشيخ إمام كالنار في الهشيم داخل مصر وخارجها، فكثر عليها الكلام، واختلف حولها الناس بين مؤيدين ومعارضين. وفي البداية استوعبت الدولة الشيخ وفرقته، وسمحت بتنظيم حفل في نقابة الصحافيين، وفتحت لهم أبواب الإذاعة والتليفزيون.
بعد نكسة 1967، غنى إمام بمرارة “ناح النواح والنواحة على بقرة حاحا النطاحة، والبقرة حلوب.. تحلب قنطار لكن مسلوب.. من أهل الدار”.
وقُبض عليه هو ونجم ليُحاكَما، لكن القاضي أطلق سراحهما، وظل الأمن يلاحقهما ويسجل أغانيهما حتى حُكم عليهما بالسجن المؤبد، ليكون الشيخ أول سجين بسبب الغناء في تاريخ الثقافة العربية.
وحكى الناقد رجاء النقاش أن سبب الاعتقال كان غضب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من قصيدة نجم “الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا”، خصوصا عندما سمع جملة “يا محلا رجعة ضباطنا من خط النار”، وسماه نجم في القصيدة باسم “عبد الجبار”.
قضى الشيخ إمام ونجم الفترة من هزيمة يوليو حتى نصر أكتوبر يتنقلان من سجن إلى آخر، ومن معتقل إلى آخر، حتى أفرج عنهما بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.
في منتصف الثمانينيات، تلقى الشيخ إمام دعوة من وزارة الثقافة الفرنسية لإحياء بعض الحفلات في فرنسا، فلاقت حفلاته إقبالاً جماهيرياً كبيراً، وبدأ بالسفر في جولة بالدول العربية والأوروبية لإقامة حفلات غنائية لاقت كلها نجاحات عظيمة.
بدأت الخلافات في هذه الفترة تدبّ بين ثلاثي الفرقة، الشيخ إمام ونجم ومحمد علي عازف الإيقاع، لم تنتهِ إلا قبل وفاة الشيخ إمام بفترة قصيرة.
ظلت أغاني الشيخ إمام حاضرة في مخيلة الشباب على مرّ العصور، هي الباعث على الحلم بالتغيير والحرية، حتى تحقق حلم الملايين في 25 يناير 2011، عندما سقط نظام المخلوع حسني مبارك.
غنى إمام (البحر غضبان ما بيضحكش، أصل الحكاية ما تضحكش)، للشاعر الكبير الراحل نجيب سرور، وغنى أيضاً: “همَ مين واحنا مين هم الأمرا والسلاطين، هم المال والحكم معاهم واحنا فقراء ومحكومين” للفاجومي.
كذلك غنى “اتجمعوا العشاق في سجن القلعة… اتجمعوا العشاق في باب الخلق، والشمس غنوة من الزنازن طالعة.. ومصر غنوة مفرعة في الحلق”، وغنى ناعياً المناضل الأرجنتيني: “جيفارا مات.. جيفارا مات.. مات المناضل المثال”.