الكتاب العربي مطالب في زمن الثورة الرقمية بالدخول الى عصر الكتابة الإلكترونية من بابها الواسع، قراءة وكتابة ونشرا وتوزيعا، إذا أراد أن يستمر في موقعه مؤثرا رمزيا، يؤدى بحامله إلى النجاة ويخلص متأبطه من الشر، دعوة أطلقها الشاعر والكاتب أحمد العمراوي في مؤلفه الأخير الموسوم ب"الكتابة وأسرار الرماد في أحوال الكتابة والكتاب.. قراءة في المكتوب الرقمي".لكي تنشئ موقعا على الإنترنيت وأنت شاعر تشعر بحس الكلام واللغة على اختراق مسام الأرواح بخلخلة الحروف من أمكنتها من نقطها من رحلة اللوح والصلصال والماء إلى الذاكرة والصدر، ما عليك إلا أن تتسلح ببعض الوسائل وبعض البرامج الخاصة بالنشر الإلكتروني، كما دبج العمراوي صاحب المجموعة الشعرية "يتجددون كأفعى" في معرض تطرقه للكتاب المادي والنشر الإلكتروني.
بين المعيار النصي في بناء نص أدبي متخيل، وبين بناء نص إليكتروني، تقاطعات واختلافات ترجع لطبيعة النصين. فهما إن كانا يختلفان في مسألة : التلفيظ فإنهما يشتركان في "التضمين"، وفق ما يرى أحمد العمراوي في كتابه الواقع في 273 صفحة من القطع المتوسط الصادر عن منشورات " دار التوحيدي".
الثقافي كفيل بالإفراج عن غمة القول والفعل
إذن لنكثر من التفاعل الافتراضي دون اغفال التفاعل الروحي والجسدي الضروريين، ولنترك العالم يسير، والحائط يتحرك، من الجدار الى الشوارع البشرية التي بدونها، لن يتحقق أي تفاعل طبيعي، استنادا على الثقافي الذي هو وحده الكفيل بالإفراج عن غمة القول والفعل، وذلك من أجل أن " ندخل الحداثة من بابها الواسع، دون خوف ولا تشكيك، ولتكن المحلية هي منطلقنا الأساسي نحو العالمية التي تسعى لخدمة الإنسان، كل انسان، هكذا كتب أحمد العمراوي في مكان ما من مؤلفه.
إن كل كتابة لا تحمل سرا دفينا مآلها التلاشي لأنها لا تترك رماداوأن أسرارها هي كأسرار المرأة والكأس والحزن والناس، بهذه العبارة يعلن أحمد العمراوي عن مقاربته للكتابة. كما نقرأ في على ظهر الكتاب أن " الرماد سر الأسرار كالنبيذ والمشي والاشتغال. كالبوح والكشف والسفر والبوح، كالنبش والجذب، كل ذلك من أجل الاحتماء من الضياع نحن نؤجل موتنا قليلا ونحتمى من الضياع بهذا المكتوب" المكتوب علينا".
الكتاب يتضمن أربعة محاور هي أولا: "في أحوال الكتاب، أو من شرفة الكاتب" وثانيا: " في أحوال الكتابة، في أحوال اللغة" وثالثا: "في حالة الوسيلة من المكتوب الرقمي" وأخيرا "في الحياة أو من شرفة الى الشرفة".
ثورة المعلوميات والنص المكتوب
ويشكل الفصل المعنون ب"الكتابة والحاسوب والإنترنيت" الذي يبدو أن الكاتب اختار عن سبق إصرار وترصد، أن يوزعه على عنوان فرعية دالة هي : " كتابة وكتابة" و" قراءة وقراءة" ونص ونص و " الإنترنيت والتفاعل النصي: Hypertexte " و "ما بين الكتاب المادي والنشر الإلكتروني"، تساءل فيها بأسلوب الصحفي المهني الذي ينشغل بطرح الأسئلة، أكثر من انشغاله بالأجوبة التي هي شأن المستجوب، هل ستقضى ثورة المعلوميات على النص المكتوب فعلا؟ وهل ستعوض ذاكرة الحاسوب الفردية الجامدة في العمق، الذاكرة الجماعية؟ يترك العمراوي الإجابة للمبدع وللقارئ والمبحر في الشبكة العنكبوتية.
وبخيال الروائي وإبداع الشاعر يكشف أحمد العمرواي صاحبمؤلف " الكتابة الإبداعية والمتخيل الشعري.."، أنه "حين تجلس وجها لوجه قبالة آلة متحركة كثيرة الصور والحركة والاغراء، تلامس بنقرة ور أشلاء العالم وعليائه، تضحك وجها لوجه مع الآلة، تتحدث معها أو قد تحزن، قد تغضب، ولكن كل ذلك سيتم في صمت وفردانية غير اختيارية فرضتها عليك هذه الآلة اللعينة".
اليد حاضرة في القلم والحاسوب
وإذا كانت الكتابة باليد هي كتابة جسدية أساسها الدم المحرك للجسد، فإن الكتابة بالحاسوب هي كتابة يدوية أيضا في أغلب الأحيان، " إلا أنها لادم فيها، ورغم ذلك فهي ضرورية". غير أن صاحب الكتاب يثير الانتباه الى أن " اليد حاضرة في الوسيلتين : القلم والحاسوب"، لكن المهم بالنسبة للعمراوي " هو المتلقى" أولا وأخيرا.
ويتساءل الكاتب، قراءة الورق وقراءة الآلة هل يختلفان؟ وبدون تردد يجيب " قد يكون الورق أهم وسيلة ساهمت في انتقال الثقافات من الذاكرة الى الشفوي إلى المكتوب والكتابي"، لأن " الثقافة الشفوية لا تعمر إلا إذا قيدت بالكتاب" وهو "تقييد قد يحد من عبث الرواة وتدليس المدلسين".
إلا أن المؤلف يستدرك بالقول أنه " من الضروري أن تتغير القراءة لأن شكل النص المقروء. نص جديد متحرك سريع، يستمد قوته من تكنولوجيا حديثة فائقة السرعة، في مواجهة نص مكتوب أو مطبوع على الورق بين دفتي كتاب" خاصة في زمن " عوضت الإنفو ميديا،الورق والكتابة التقليدية، وتسير بسرعة تشبه سرعة حاسوب فائق السرعة، وهو يبدل كلمة بأخرى في عددها يفوق مئات الآلاف في رمشة عين.." على حد وصف أحمد العمراوي الذي له إصدارات في مجالات الأدب والفكر والتربية والترجمة.
عن بيان اليوم