-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

الفلسفة مستقبل السينما! عزيز الحدادي


 بعد إحراق كتب ابن رشد في فيلم «المصير» ليوسف شاهين قامت كاميرا السينما بنقل فوضى العقل العربي من الماضي إلى الراهن، حيث تحول بهاء السينما إلى شغب فلسفي يسعى إلى تحطيم الجهل المقدس، من خلال طرح أسئلة أنطولوجية، مثل من نكون؟ وماذا نريد من هذه الحياة؟ ولماذا نصارع هذه الحياة؟ ولماذا نصارع العقل والعقلانية؟ بل لماذا إحراق الكتب بدلا من تأليفها؟ ولماذا نفي العلماء والفلاسفة؟ وإلى متى سيظل هذا البؤس الفكري والفني سائدا؟

هناك غيمة محبطة، مثل قوس قزح، تمر عبر سماء السينما العربية، التي كانت تسعى إلى تغيير الواقع فنيا، بعدما فشلت الفلسفة بواسطة الدعوة العقلانية، لأنها وجدت نفسها أمام الأصنام، ولذلك سيحاول سحر الكاميرا وشاعريتها، بدعم من تلك الوجوه المشرقة أن تتسلل إلى كينونة هذه الأصنام لتحركها، على الرغم من أنها غارقة في الظلام، بيد أن الحكاية الرومانسية مدعمة من قبل شعرية الصور ليست كافية وحدها لتحقق ثورة التنوير، لأن ما اغتصبته السياسة الاستبدادية يدمره الدين، ولذلك وضع الإرهاب نفسه رهن إشارة التطرف السياسي، وأضحى الحلم العربي كابوسا، والإنسان العربي مجرد مجرم هارب من العدالة، والمستقبل يغرق في ظلام الماضي، والآخر كجحيم.
والحال أن الأمل الوحيد الذي ظل يلمع في الأفق الغامض هو الاحتفال بزواج السينما بالفلسفة، وإلا ستسقط في الفوضى، كما تنبأ بذلك يوسف شاهين في فيلم الفوضى «le chaos» فاختياره لهذا المفهوم الفلسفي لم يكن من باب الصدفة، خاصة أن هذا المخرج كان متأثرا وعاشقا للفلسفة، فجل عناوين أفلامه تبشر بذلك: «الآخر، المصير، الفوضى، الأرض» إنه يرغب في إخراج تأملاته الفلسفية وفق منطق السينما، لأن همه هو ربط الجميل بالجمال، ولو في مجتمع الفوضى.
الفوضى هي إحدى الصفات الجوهرية للمطلق، وقد رأينا أن الحقيقة هي الوجه الآخر للمطلق، ومن المستحيل أن تستمر الفلسفة في الوجود، لو انهار المطلق، ولذلك نجده يحتمي وراء الفوضى، لأنه من خلال هذه الفوضى انطلقت الدهشة التي أبدعت الفلسفة، فأصل الفلسفة الدهشة وأصل الدهشة الفوضى، وأصل الفوضى الوجود، فسؤال ما الوجود؟ هو سؤال يسعى إلى معرفة حقيقة هذه الفوضى التي توحي بأن العدم أقوى من الوجود: إنه يتعقب خطى الإنسان.

الإنسان كما شاهدناه في فيلم «الفوضى» ملقى في صراع الشر والخير، يقضي حياته كمصارع يحمي نفسه، لا تهمه إنسانية الإنسان، بل ما يهمه هو الانتقام، فشخصية حاتم تمثل جوهر الصراع والانتقام، وبما أنه يملك السلطة، فإنه لن يفهم إنسانية الإنسان، انطلاقا من النزعة الإنسانية التي تقوم حول الحوار والفكر، فهو لن يفكر أبدا، وسيظل ينتقم من كل شيء ومن نفسه، لأنه عاش المأساة، وتحكمه في لاوعيه، فهو يجسد العدمية، بامتياز. الإنسان مات، وهذا هو المعنى الوحيد للحقيقة، كما يراها مخرج فيلم «الفوضى» ولذلك نسعى إلى قراءة واقع السينما العربية انطلاقا من هذا المفهوم المركزي الذي يتأسس حول سؤال: ما جدوى الحياة؟ وما الذي يحصل هنا؟ وهل العالم مجرد هباء وقبض الريح؟ فالإنسان بقدر ما هو إنسان يسكن في حوار الفوضى، هذه عبارة لفلاسفة ما قبل سقراط.
لعل الإنسان المعاصر قاده النسيان إلى نسيان ذاته، وبالأحرى التفكير الفلسفي، وبعبارة هايدغر: «إن التفكير في حقيقة الوجود هو نفسه التفكير في إنسانية الإنسان الإنساني، وإنسانية الإنسان كامنة في الفلسفة». من أجل الفلسفة إذن، كان يوسف شاهين يريد أن يبعث ابن رشد من جديد، ولو من رماد كتبه، لأنه لا يؤمن بموت الآراء العقلانية، لأن لها أجنحة كالطيور، فهي تطير من حضارة إلى أخرى، لعل هذا الفيلم يختلف عن سينما يوسف شاهين التي تميزت بالفوضى والصخب والعنف، والاغتصاب ومحاولة القتل والانتحار، هكذا انبثق وجه الفيلسوف العقلاني كنقطة ضوء في هذه الفوضى، ليحطم العنف بالحوار والإرهاب بالنغم، ليبين أن ما ليس بموجب فهو سالب بالضرورة، وأن القضاء على الفيلسوف من خلال إحراق كتبه هو تدمير لأمة بعينها وليس للإنسانية، لأن الأفكار لا تحرق، بل تطير.
ربما تكون هذه الرؤية النيتشوية للفن هي التي حركت المخرج المصري إلى نقد السينما بالسينما، من خلال إدخال الارتجال، واللغة العامية إلى مجال ظل أكاديميا ونمطيا، يقول نيتشه: «الفنان يعرف أنه لن يكون لعمله التأثير الكامل إلا إذا جعل المتلقي يعتقد أن فيه شيئا من الارتجال.. وعناصر الفوضى، والحلم اليقظ، وكل ذلك من أجل نشوة روح المشاهد». لقد حان الوقت للسماح للسينما بالزواج بالفلسفة، هكذا سيتم الإعلان عن ميلاد الإنسان الراقي، الذي حقق كماله في الوعي الذاتي، عندما غادر قارة الوعي الشقي، ذلك أن مطالبة الفلسفة بالمستحيل وممارسة الرقابة على السينما، عجّل بانهيار روح العصر، وأخر ولادة الإنسان، بل موته، ويوسف شاهين شاهد على هذا الموت.

كاتب مغربي

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا