ما عادت حياة الغالبية اليومية -عدا مناطق الحروب والصراعات- تتضمن صراعات دموية مع قوى موت وهلاك تطوقنا من كل جانب، ولا عادت تتضمن كذلك عناء عسيرا، وفي بعض الأحيان مميتا، لتوفير الأساسيات اللازمة للبقاء على قيد الحياة. لكن لحقب طويلة، كانت تلك التفاصيل واقعا يوميا بالنسبة للبشر. ففي أزمنة بعيدة، كان على أسلافنا العيش عُزّلا أمام وحوش ضارية تود أن تلتهمهم، وسط طبيعة نزقة لا رادع لهم ولا ملجأ أمام تقلباتها وكوارثها العنيفة.
لحسن الحظ، حالت قرون من التطور على كافة الأصعدة الممكنة بيننا وبين تلك الحياة العسيرة؛ وصارت حياتنا اليوم مختلفة كثيرا عن الحياة التي اضطر أجدادنا أن يعيشوها. وبالرغم من كل تلك التغيرات العظيمة التي اتجهت بحياتنا إلى الأفضل، فإن بعض الأشياء بقيت كما هي دون تغيّر. على رأس تلك الأشياء تأتي الروح الإنسانية. فبالرغم من أن العالم من حولنا ما عاد هو العالم، ظلت أرواحنا على حالها، هشّة وعزلاء أمام الحياة، ينهشها القلق من الداخل أمام أي تهديد أو خطر، وتكسرها مشاعر الإحباط كلّما تغيرت دفة القدر في اتجاه غير ذلك الذي تمنّت، ويرعبها الخوف من المجهول، أو مجرد التفكير في كل الأشياء السيئة التي يمكن لها أن تحدث، والقلق، والإحباط، والخوف من الأخطار والصعاب، أدواء ثلاثة من آلاف الأدواء التي قد تصيب الروح. تلك هي الأدواء، فما الدواء إذن؟
حقق الطب البشري نجاحا مذهلا في شفاء أمراض ظلت لقرون مستعصية، لكنه أمام أدواء الروح يقف عاجزا. في الحقيقة، لم يوجد بعد شيء أثبت كونه دواء ناجعا أمام كل انكسارات أرواحنا. لكن بعض الأشياء تستطيع مساعدتنا في تضميد جراحنا، وتجعلنا أكثر صلابة أمام تهديدات الحياة، وتقلبات القدر، وواحدة من تلك الأشياء هي الفلسفة.
للوهلة الأولى، قد يبدو اللجوء للفلسفة في أوقات المِحَن خيارا غريبا بعض الشيء. فالفلسفة تبقى بالنسبة للكثيرين ذلك العلم المعقد الذي يبحث القائمون عليه عن إجابات للأسئلة الكبيرة المحيطة بالوجود. لكن ذلك ليس صحيحا تماما، فكما بحث الفلاسفة في معضلات الكون، صوّبوا ناظريهم أيضا إلى داخل الروح، وحاولوا البحث عن طرق لمداواتها، والإجابة عن سؤال كيف نعيش حياتنا بأفضل شكل ممكن؟ عن العزاءات التي تستطيع الفلسفة أن تقدمها لنا كتب المؤلف السويسري آلان دي بوتون كتابه "عزاءات الفلسفة"، والذي يعرض فيه كيف من شأن الفلسفة مساعدتنا على الوقوف في صلابة أمام مصاعب الحياة، وتقديم بعض العزاء من أجل أرواحنا المتعبة.