تقديم: لم تكن صحراؤنا ،الواقعة جنوبا،يوما غير مغربية الخريطة،الهوى،المنزع ،الثقافة،العقيدة ،المذهب وطرق التصوف.
وحتى حينما
كانت تبرز بها قيادات ،دينية،جهادية وسياسية ؛لم تكن تتجاوز وضع الكواكب الدائرة
في فلك سلطان المغرب.
وهذه ترجمتي لتقرير فرنسي ،مخابراتي ؛من ثاني اثنين من أكبر الرحالة،دهاقنة المخابرات ،الذين مهدوا للاستعمار- شارل دوفوكو ،وديسوكونزاك- لا يقول غير كون قيادات الصحراء مجرد أقمار ،لاتنير بغير الشمس؛شمس سلطان المغرب.
زمانئذ لم
تكن الجزائر ،التي تُغير علينا اليوم بسفساف القول وجمر الحقد،حتى مجرد نطفة في
رحم.
الى أن قرر
المستعمر أن يزرعها في أنابيبه ،وينتجها حية تسعى ؛دولة عسكرية أنبوبية ، يكابدها الشعب الجزائري ،المغربي الهوى
بدوره.
فتحية لأبطال
الصحراء كلهم ،في عيدها المبارك هذا .
والقادم أفضل
أحب من أحب،وكره من كره.
المتن:
" ان
السمارة ،الواقعة بالساقية الحمراء ،والتي تبعد عن البحر بثلاثة أيام مشيا،هي
حاليا مقر اقامة الشيخ ماء العينين بن الشيخ فاضل،مؤسس الطريقة الفاضلية .
ولد للشيخ
فاضل أربعة أبناء:
*ماء العينين
،استقر بشنقيطي،في أدرار.
*الشيخ
الأمين بالسمارة.
*الشيخ سعد
بو ،ب"تويزيكت" ب"الانشيري"
التابعة للأراضي الموريتانية.
*الشيخ سيد
الخير ،بدار السلام ،في الحوض.
حظي الشيخ
ماء العينين بثقة السلطان مولاي الحسن ،وبعده مولاي عبد العزيز .
اعتاد الشيخ على الطواف ،كل سنة، على زواياه بالمغرب ،
لتحصيل هبات الأتباع السخية (الزيارات).
بدت له
"شنقيطي "بعيدة جدا؛والعشرون مرحلة التي تفصل بين أدرار وواد نون ،غير
آمنة لقوافله المحملة بالحبوب ،قطعان الماشية،والهدايا ؛ ولهذا استقر بالسمارة ،خمس عشرة مرحلة
،شمالا، عن شنقيطي؛وثلاث مراحل فقط عن طرفاية ،الواقعة بمصب الساقية الحمراء ؛حيث
تنزله السفن التي تقله من المغرب .
تتكون زاوية
السمارة من خمسة منازل ،تحيط بها خيام خدام الشيخ .لا سوق بجوارها عدا سوق كلميم
؛أما المراعي المحيطة بها فتكفي ،بالكاد ، مئات الجمال التي تشكل ثروة الشيخ .يحدم
الزاوية حوالي ألف عبد بئيسي الثياب.
نعرف أن
الشيخ ،الذي رحل الى فاس في غشت1907 ،كان
مخيما بجوار أسوار مراكش ، في الوقت الذي أعلن مولاي عبد الحفيظ نفسه سلطانا.
لقد حاول
اصلاح ذات البين بين الأخوين ،ناصحا بتوحيد الجهود ضد فرنسا،لكنه فشل.
صمَّ مولاي
عبد العزيز أذنيه ،فلم يأبه لعظات الشيخ؛وهذا ما دفعه الى مناصرة مولاي عبد
الحفيظ. تقديرا لهذا الموقف خصصت له مدينة مراكش جراية يومية ،من ستمائة دورو 600د،
نفقة لحاشيته.
تجلى رد
مولاي عبد العزيز في اغلاق زاوية الشيخ بموغادور، وطرد مريديه.
ان خدام
الشيخ ،وطلبته ، والذين لا يتجاوز عددهم أربعة آلاف4000،ينحدرون من قبائل شتى:
مشدوف، أولاد
غيلان بواد نون ، أولاد بوصبع ،تادجكنت ،بعض الأفراد من العائلة المالكة بأدرار
،أولاد عيدة ، وأخيرا عمال ممالح "ادجيل" .
لقد اعتقدنا
،لزمن طويل، أن أتباع الشيخ هؤلاء ،لاقيمة عسكرية لهم ؛الى أن أكدت لنا حملة
العقيد غورو GOURAU الموفقة ،أن تلاميذ ماء
العينين ،بصفة خاصة، اتصفوا بالشجاعة والحيوية.
ان الغزوة
التي حاولوا من خلالها قطع الطريق أمام رتلنا المنسحب من موريتانيا ،مُباغتةً
القبطان "بابلون BABELON
الذي لقي مصرعه ،و مُحوِّلةً لاتجاه العقيد "غورو" - وصولا الى جنوب
شنقيطي لمهاجمة نقط تجمع جمالنا – اعتبرت عملية جريئة ، أثارت اعجاب قوتنا
المنتصرة.
نستطيع أن
نؤكد أنه لولا تدخل تلاميذ الشيخ ماء
العينين ،ما كانت أدرار لتواجهنا بأي مقاومة تقريبا .
يعتمد الشيخ
المسن على أبنائه ،والأكثر شهرة منهم هم:
*نَعمة،الذي
سيخلف والده مستقبلا ؛مكلف بالأمور الروحية للزاوية.
*أحمد
الهيبة ،مكلف بالعلاقات مع السلطان ؛وقد استقبل بحفاوة كبيرة ،في فاس ،تزامنا
مع فشل السفارة الاسبانية الأخيرة.
*الشيخ
حسن الذي قاد عمليات أدرار سنة1908م؛وقد عوض سنة1909 بأخيه الوالي ،ذي الخمسة
والعشرين ربيعا؛وهو أضغر ابناء الشيخ.
*لغضف
،وهو مكلف بتدبير الممتلكات ،وبصفة خاصة قطعان الماشية.
ومن بين أصدقاء
الشيخ ماء العينين يُذكر: ولد الخادم،شيخ لعوينات ؛ولد أحمد وسالم رئيس آيت اياسين
؛ولد بلعيد شام ؛دليمان ولد بيروك ;وأبناء اخوته.
ويجد الشيخ النصرة
لدى الركيبات وأولاد دليم ،ورئيسهم "الحموايم".
أثناء رحلتي
الأخيرة في المغرب ،كان للشيخ أعداء كُثر بواد نون ،سوس،وتزروالت ؛والسبب كون
"التاكنة" الصنهاجيين الأمازيغ ،هم أصحاب الهيمنة السياسية والدينية
؛ومن هنا وقوفهم في وجه نفوذه.
تغير الوضع
الآن ،لأن انتصاراتنا بأدرار أرعبت الشيخ ،ودفعته للمضي شمالا،بخيامه وقطعانه.
آخر الأنباء
تشير الى تواجده بتزنيت ،المدينة الواقعة شمال تازروالت ؛وهي النقطة التي انتهت
فيها رحلتي سنة 1899.
لانعرف جيدا
ما هي نواياه ؛البعض يزعمون أنه سيستقر قرب مراكش ،بزاوية الشراردي ؛والآخرون
يؤكدون أن وجهته رأس الوادي ،بعالية واد سوس.
لدينا الدليل
على كون السلطان مولاي عبد الحفيظ ،شخصيا،؛هو من دعا اليه الشيخ ماء العينين
،موفرا له الضيافة ؛حدث هذا بكل دقة غداة مداهمتنا لأدرار ، حيث قاومنا أبناء
وتلاميذ الشيخ ؛في الوقت نفسه الذي وقع فيه السلطان تعهدا قطعيا بعدم دعم ماء العينين.
أنهي هذه
المعلوات "المخابراتية" بشكر العقيد "كورو"،الذي تفضل بتصحيح
،وتحيين، هذه النقط القليلة عن أراضي اسمارة ؛المجاورة لموريتانيا ،مسرح الحملة
المجيدة ،التي أنهاها للتو.
أكدت لي هذه
التصويبات أن المعلومات المستقاة من أفواه الأهالي تتضمن الكثير من الأخطاء ،وعدم
الدقة.وتؤشر أيضا على السرعة التي تتبدل بها الأوضاع في هذه الفسيفساء المغربية.
كما تقدم لي
ذريعة لألتمس تسامح كل من سيفحصون هذه
الوثائق.
هذا الاعتراف
بقصورها يوفر لي الفرصة للاعتراف مرة أخرى بروعة الأعمال المنجزة من طرف سابقي
الشهير؛ أول وأكبر مستكشف للمغرب؛ "الفيكونت" شارل دوفوكو ؛وهو اليوم
الأخ شارل ،المنقطع للمسيح ؛ناسكا في عمق الصحراء.
فليسمح لي
بوضع هذا الكتاب تحت سلطته الكبرى .
AU CŒUR DE
L’ATLAS
mission au Maroc, 1904-1905