فرحتان اجتمعتا في موعد واحد ونحن نودع سنة 2022 بحلوها ومرها ، بأفراحها وأحزانها . فرحة أمطار الخير وفرحة انتصارات منتخبنا الوطني لكرة القدم في مونديال قطر .. فامتزجت بذلك على وجوهنا قطرات المطر بدموع الفرح .
لقد سئم المغاربة من أجواء الانحباس التي
فرضتها جائحة كورونا لقرابة ثلاثة أعوام وما خلفته فينا من أعطاب صحية ونفسية
واقتصادية ..إلخ لكننا كنا دائما متشبثون بيقين روحاني مفاده أن بعد العسر يسرا
وبأننا لا محالة سنخرج من ذلك النفق المظلم ونعبر إلى نورالفرج.
منذ شهور ونحن نتطلع إلى الأفق الملتبس لعل
سحابات حبلى بالخير والعطاء تذهب عنا غم الانتظار، كما كنا نتطلع بالموازاة مع هذا
الترقب السماوي إلى ارتقاء منتخبنا الوطني لكرة القدم إلى أعلى مراتب المنتخبات
العالمية التي سيطرت وما تزال تسيطر بمشاركاتها في المونديالات السابقة مثل البرازيل
والأرجنتين والمانيا وإنجلترا وإيطاليا .. إلخ منذ أول مونديال أقيم عام 1930 في دولة
الأوروغواي في الفترة من 13 - 30 يوليو.
ومع بشائر الزخات الأولى انطلقت أيضا أقدام أسود الأطلس تسطر على صفحات
تاريخ المونديال الخضراء مجدها الكروي غير المسبوق الذي مكثنا نأمله ونتوق إلى
تحقيقه منذ مونديال ميكسيكو 1986 بعد أن حقق المنتخب المغربي بقيادة الراحل المهدي
فاريا أول إنجاز كروي متفرد على المستويين الإفريقي والعربي بعبوره للدور الثاني
بعد تصدره لمجموعته القوية التي كانت تضم آنذاك كلا من البرتغال وإنجلترا وبولونيا
.
وهكذا تكون أمة المغرب المجيدة دائما في طليعة الدول العربية والإفريقية التي
تمتلك المفتاح السحري للعبور إلى منصة التألق والإبهار وما يستتبع ذلك من عائدات
إيجابية على المستوى السياحي والاستثماري والرضى الاجتماعي.. إلخ
ومما لاشك فيه أن هذا الإنجاز الكروي الخالد لم يتحقق بمحض صدفة ركلات طائشة
حولت كرتها رياح الحظ إلى شباك أشرس الخصوم مثل بلجيكا وإسبانيا والبرتغال وإنما
هو ثمرة سياسة رياضية مندمجة انطلقت منذ عقدين من الزمن ببناء ملاعب بمواصفات
عالمية وإنشاء ملاعب القرب في الأحياء ورفع الدعم المالي للنوادي وتحويلها من
التدبير الهاوي إلى شركات احترافية وأخيرا إنشاء أكاديمية محمد السادس لكرة القدم التي
تخرج منها عشرات الشابات والشباب الذين بفضلهم إلى جانب إخوتهم المحترفين في
أوروبا حققوا أعظم إنجاز كروي في تاريخ إفريقيا والعالم العربي ببلوغهم دور نصف
النهائي ضد فرنسا وطموحهم إلى بلوغ قمة المباراة النهائية لولا مناورات الحكم
المكسيكي التي تكشفت للمراقبين بهدف إقصاء المنتخب المغربي وحرمانه من تحقيق معجزة
القرن الرياضية وهي بلوغ مباراة النهائي ضد الأرجنتين.
إن المشاركة المتألقة للمنتخب المغربي في مونديال قطر لم تقتصر فقط على
زعزعة يقينيات خبراء كرة القدم في الاتحاد الدولي فيفا الذي دأب على المراهنة على تأهيل
المنتخبات العالمية المعروفة بل لقد تدجج كل من المدرب وليد الركراكي واللاعبين بسلاح
النية ورضى الوالدين وحب الوطن والشعب المغربي حيث لأول مرة في تاريخ كرة القدم
العالمية منذ 1930 نزلت أمهات اللاعبين من المدرجات لتشاركن أبناءهن فرحة ورقصة الانتصار
على العشب الأخضر بعد هزم البرتغال في دور الربع بنجومها العالميين يتقدمهم كريستيانو
رونالدو الذي غادر الميدان إلى غير رجعة وهو يجهش بالبكاء في مشهد درامي لن تنساه
ذاكرة المونديال العالمية إلى الأبد ...
ومما لاشك فيه أنه لم يكن ليتوج هذا الفرح المغربي التاريخي بفرح أعظم
وأكبر منه لولا ذلك الاستقبال الشعبي الحاشد لحافلة المنتخب المكشوفة منذ انطلاقها
من مطار الرباط سلا حتى دخول النخبة المغربية مظفرة إلى القصر الملكي العامر
بالرباط واستقبالها من طرف عاهل البلاد الملك محمد السادس وولي العهد الأمير مولاي
الحسن.
ومنذ هذه اللحظة التاريخية الخالدة التي سطرتها أقدام أسود الأطلس على
صفحات المربعات الخضراء في مونديال قطر ، بات من الواجب على الجهات المسؤولة على
كرة القدم من وزارة الشباب والرياضة وجامعة كرة القدم ورؤساء العصب والنوادي
الاحترافية والهاوية والشركات المحتضنة والإعلام الرياضي وجماهير الإلتراس ..إلخ
التفكير السياسي والعلمي والبيداغوجي للحفاظ على هذه المكاسب التاريخية ودعمها بتعميم
إنشاء أكاديميات محمد السادس في كل جهة من جهات المملكة الإثني عشرة من طنجة شمالا
إلى الداخلة جنوبا بنفس المواصفات والمعايير العالمية التي شيدت بها الأكاديمية
الأم بمدينة سلا.
وأخيرا لا يسعني إلا أن أردد مع الناخب العبقري وليد الركراكي واللاعبين
الأشاوس
وملايين الجماهير المغربية والعربية والإفريقية : سير .. سير .. سير..
سير...