قصة قصيرة )إشارات (عادل الأمين*
ظل يجرجر قدميه كلما عسعس الليل إلى مقره الدائم عند سور المقبرة عن كثب من القصر المنيف وصاحبه المخيف...كان رفيقه الأوحد بعد رحيل الرفاق وزمن الرفاق بعد جحيم حربهم المدمرة وافتراس الذات بين الإخوة الأعداء في المدينة الأخرى عند الساحل البعيد –ديوان شعر الإعمال الكاملة لمعري اليمن "عبدا لله البرودني" ..يتوكأ عليه عند مضغ القات ويهش به عن نفسه الذكية ضجر المدينة الصاخبة وله فيه مآرب أخر من التدبر ..يقرا فيه قليلا ويستقرا وثم يرفع يديه إلى السماء"اللهم أعشنا في سلام امتنا في سلام وأدخلنا دارك دار السلام تباركت وتعاليت يا ذو الجلال والإكرام" ثم ينطوي على أسماله البالية التي هي ملابس جندي سابق متهرئة ..ويتوسد الكتاب وينام و القصر الفخم أمامه في صخبه المعهود و عرضه الممجوج للثراء ..ترتع حوله وأمامه السيارات الفخمة وتحرسه ثلة من الجنود...
*****
دارت الأيام ومرت السنوات...استيقظ فجأة مذعورا على صوت هاتف شعري لصديقه المعهود الراحل الشاعر الذي لا يتبعه الغاوين..حفيد زرقاء اليمامة المتجرد ..محطة الإنذار المبكر .. يردد أمامه أبيات شعر غريبة..
إذا قرت النفس لذ المقام
وساوى التراب الفراش الوثير
فكم مترف مبتلي بالألوف
وكم كادح هاني باليسير
*****
في اليوم التالي ..جاءت رياح الشمال الوفية بعصافير الخريف...الغرباء..الذين يصلحون ما افسد الناس...وجاسوا خلال الديار...وصمت القصر المنيف إلى الأبد بعد فرار قاطنيه..وعم الصمت المطبق المكان...نظر إلى الأفق المعتم والشعارات الجديدة ترفرف في أنحائه ..ثم انزوى يقرا الكتاب للحظات تحت ضوء مصابيح المقبرة وتثاءب.. ثم رفع كفه بالدعاء المعهود"اللهم أعشنا في سلام امتنا في سلام وأدخلنا دارك دار السلام......"....ونام وعلى فمه ابتسامة عريضة....
*****
كاتب سوداني......