دوغول
في شرق المتوسط:أمن أجل داعش فقط؟ (2) رمضان
مصباح الإدريسي
شجاعة
،لكن لاعلم لها بالفقه:
انتهيت،في
الحلقة الأولى من الموضوع، إلى القول:
http://www.hespress.com/writers/284470.html
وكما
توقعت – تأسيسا على خطاب الرئيس الفرنسي- سارع الجنرال "دوغول" ،بكل حمولته
التاريخية ونياشينه العسكرية،التي تلازم دوما ملكة البحار الفرنسية،المتربصة بالسماء؛
إلى جغرافيته البحرية القديمة ،في شرق المتوسط ؛ليؤثث مشهدا قتاليا – سورياليا كما
أسلفت- ضمن أسطول حربي دولي، تتدافع فيه الولايات
المتحدة ،وروسيا، على موقع قلب الأسد.
وأكمل اللوحة ،أو أجملها، فنان هسبريس
"الكاريكاتيريست" المقتدر بوعلى؛حينما أظهر هولاند ،كبطل من أبطال الأساطير
اليونانية( أنصاف الآلهة)وهو يعاين،مذهولا، من أعلى الحاملة العملاقة، دولة داعش البئيسة:جماجم
معلقة بأغصان نخرة..
أما
التراب الفرنسي – بدون نخوة جاندارك - فقد سيجه الرئيس بإجراءات حربية أخرى ،حتى لا
يأوي الشعب الفرنسي إلى فراشه إلا وهو مطمئن على مستقبل الجمهورية ،التي يراها دائما
ببطاريات لا تنضب ،من الأنوار ؛وبخَزانات دائمة من الحرية ،الأخوة و المساواة.
ومطمئن
أيضا إلى أن الملايين من المسلمين والعرب ،الذين يشاركونه الشرب من مياه نهر "السين " لن يُصدقوا جنسيتهم
المكتسبة- عَرَقا -ليطالبوا بكل الحقوق الشقراء؛وحينما تتمنع يُلهبون الضواحي الباريسية؛ونصوص
الفقه الدموي التي تثريها – ضمن قوى دولية أخرى - فرنسا العميقة ؛لكن خارج خرائطها؛طبعا
دون أن تدرك – ومن أين لها؟ – أن الفقه دساس.
طبعا
ليس فينا ،نحن الذين يعوزنا المشروع الحضاري،و النموذج الحداثي،فنرى أقربه في فرنسا
الأنوار؛إلا من يشفق على فرنسا المنتخَبة،والشعب الفرنسي المغرر به،كأي شعب عربي ؛مما
أصابها ويصيبها ،وسيصيبها من حرب إرهابية
- لم نعد نتحدث عن إرهاب داخلي معزول- يستعر أوارها ويتنوع شَمَطُها وتحتد أنيابُها.
مصدر
الشفقة ليس قلة ذات الفَتك الفرنسية ؛فهي دولة نووية ،ووراءها ألف سيف أوروبي وأطلسي؛بل
العوز في ذات الفقه ؛لأن إعلان الحرب
استحضر
دوغول العسكري فقط ، ولم يفكر في ابن تيمية، وكل دمويي المذهب الحنبلي،وخصوصا من المتأخرين
،الذين يؤمنون،خلافا للمذاهب المشهورة الأخرى، بأن أول الدواء الكي،وليس آخره.(اتهمني
أحدهم أخيرا بقلة ذات الذهن من العلم الشرعي الحنبلي؛وكأن المذهب يزرع الورود في العراق
وسوريا؛وكأن ابن تيمية لم يمت في سجن القلعة بدمشق ،حجزا له،لتشدده الأخرق- على غرار
ما وقع له بمصر - عن العامة والخاصة).
مع كامل
الأسف الجيولوجي:لو اكتشف الإمام مالك البترول ،ولم يكتشفه ابن تيمية وتلامذته - حتى
نوقر الإمام أحمد المحدث الورع - لكان للعالم الإسلامي وجه آخر؛يمت الى الغرب الإسلامي
وحضارة الأندلس،وليس الى صحراء نجد،بكل شظفها القديم.
فرنسا
المنتَخبة ،هي غير فرنسا العميقة ،أو الدولة الثاوية في دهاليز المخابرات.الدولة التي
تعلو حتى على الرؤساء – من اليمين واليسار -ولا أدل على ذلك من معاناتهم – ساركوزي مثالا - كغيرهم ، من استراق
السمع ؛ الذي يصُب أخيرا في آذان العالم الكبرى، التي تدير الدولة العالمية العميقة
– تشتغل عسكريا،اقتصاديا،وسياسيا – الدولة " المجرة"، لايفوتها شيء من أمر هذا الكوكب ،وكواكبه ، كما
يثبت ذلك عَلَمُها.
هذا ما عناه الرئيس الروسي "بوتين"
حينما علق على لقائه ب"ميركل" و"هولوند"،في الكريملين(فبراير2015)بما
معناه: ماذا سنقول لأشخاص يتهامسون في ما بينهم ، حتى داخل دولهم؟
" منذ 2011،عمدت بعض الدول الغربية –منها
فرنسا- إلى دعم بعض الشبكات الإرهابية في سوريا
؛بكيفية رئيسية عبر تركيا، وإمارات النفط في الخليج الفارسي. بدءا من 2012،يؤكد تقييم
سري صادر عن المخابرات العسكرية للبنتاغون
هذا الدعم السري ،من طرف الغرب وحلفائه بالشرق الأوسط ؛لفائدة جماعات جهادية
بالتراب السوري. في هذه الوثيقة تستبق الوكالة المخابراتية ،بسنتين، تأسيس "دولة
إسلامية" على خريطة عِراسورية."
" هذه الإستراتيجية التي استهدفت إسقاط بشار
الأسد ،تم تنسيقها من طرف مخابرات الولايات المتحدة، بريطانيا ،فرنسا وإسرائيل .في
هذا الإطار فعلت هذه الأجهزة ،في الشرق الأوسط،
،شبكة من قواعد الإسناد و التدريب ،لفائدة ثوار اعتُبروا "معتدلين"؛بهدف
زعزعزة العمق السوري. أفضى هذا إلى فشو فوضى عارمة في البلاد.على سبيل المثال عمد عدد
غير معروف من المرتزقة ،المدربين من طرف وكالة المخابرات الأمريكية،بالأردن ،إلى الالتحاق
بصفوف "داعش"."
" إن السياسة الغربية في سوريا ،قوت شبكات
المتطرفين ،رغم أنهم يعتبرون أعداء في وسائل الإعلام المهيمنة".
"وقد اعترف الرئيس هولاند نفسه بهذه"
السياسة العميقة " الهادفة الى زعزعة سوريا ،وإشاعة الفوضى بها ؛وتتمثل في التسليح
السري لمجموعات ثورية ،منذ 2012؛ وحسبle canard
enchainé،لم
يتوقف هذا التسليح إلا في يناير2015.
شحنات
الأجهزة الفرنسية ،من الأسلحة ،الموجهة إلى الثوار "المعتدلين"، غالبا ما
كان يتم اعتراضها ،أو حتى بيعها ،من طرف جبهة
النصرة (القاعدة)،أو (الدولة الإسلامية)."
"وفي جميع الحالات ،وبتنسيق سياستها السورية
مع دولة قطر ،ودول أخرى معادية لبشار الأسد،وفرت الدولة الفرنسية دعمها الدبلوماسي
،لثوار لم يتأكد ،من قريب ولا من بعيد،كونُهم
معتدلين .في سنة2012 صرح وزير الخاجية الفرنسي "فابيوس" لجريدة le monde؛بكون
جهاديي جبهة النصرة –أي القاعدة في سوريا-يقومون بعمل ميداني جيد.
وقتها كانت داعش جزءا من هذه الميليشيا ؛قبل الانفصال الذي حدث في أبريل
2013،بينها وبين النصرة ."
الاقتباس
عن الكاتب الصحفي ،والمترجم،MAXIME CHAIX
http://blogs.mediapart.fr/blog/danyves/300615/l-etat-profond-francais
من دعش
جيش صدام؟
هذه
هي الدولة الفرنسية العميقة التي تورطت حَدَّ عُلو برج "إيفل" – ضمن أجهزة
مخابراتية دولية ،باشتغال جيوسياسي استراتيجي – في
تسليح
الفقه ،وتلغيم متونه ؛حتى يشتغل عسكريا ،قتاليا ؛خارج مجرد إمامة الصلاة ،وتأطير باقي العبادات. لقد قيل زمن الفتنة الإسلامية الكبرى:"إن عليا
شجاع لكن لا علم له بالحرب"؛ويحق اليوم أن نقول،إزاء فتنة فرنسا لمسلميها،وليس
العكس: إن فرنسا شجاعة لكن لا علم لها بالفقه.
ولو لم تكن أجهزتها العميقة خاضعة للدولة
العالمية العميقة، لما نسيت تراثها المعرفي
الكولونيالي – خصوصا في شمال إفريقيا- الذي أسسه جهابذة الاثنوغرافيين والانثروبولوجيين
؛حينما ساروا في ركاب الجنرالات ،بل وقبلهم.
أن تخطئ
الولايات المتحدة في أفغانستان ؛وهي تجيش العقيدة الإسلامية ضد العقيدة الشيوعية السوفياتية
؛دون أدنى تفكير في المآلات( مثلا مآلات 4000 من المقاتلين العرب ؛ الذين دربتهم وكالة
المخابرات، ووضعتهم تحت قيادة رجلها ،في ذلك الوقت، أسامة بن لادن) ؛فهذا زلل خالص
الانتماء للأمريكيين ؛وليس للفرنسيين ؛حفدة نابليون؛ صاحب الحملة الموزعة بين العسكر
والعلماء.ولم يطلق عليه المصريون اسم
"بونباردي باشا " إلا حينما رأوه يتنقل بين مساجدهم،زاعما الإسلام
ومحاربة البابا ،ومقربا علماء المماليك الموغلين في الجهل .
ليس للأمريكيين شيء من هذا الدهاء – وهم
أهل هباء سياسي في العراق - حتى تنقاد لهم الدولة الفرنسية العميقة ؛وصولا إلى العبث
بطمأنينة مواطنيها من الخُلص والمتجنسين.(سبق لي أن توسعت في هذا الجانب في موضوعي
عن "شارلي ايبدو": الزمن الجميل ،جيل الباسبور لخضر)،ورابطه:
http://www.hespress.com/writers/251705.html
على
الشعب الفرنسي ،في محنته هذه – قبل أن تستبد به كراهية المسلمين ،المبررة وغير المبررة-
أن ينهض لاسترداد الدولة الفرنسية المنتخبة
،من براثن الدولة العميقة التي يعجر حتى رؤساؤه أحيانا عن فهم كواليسها ،والتحكم فيها.
لقد جربنا هنا في المغرب أن تُهين هذه الدولة
العميقة وزيرا مغربيا – وهي في كامل وعيها
-وأن تتعمد ارتكاب أخطاء ديبلوماسية وقضائية
أخرى ؛دون أن يرف لها جفن. لا أحد يحاسبها
في اشتغالها خارج السلط المنتخبة ؛حتى الإعلام
الفرنسي،المفترض أنه حر، كثيرا ما يصاب بالعي .
رُستم
وسهراب:
تحكي
الميثولوجيا الفارسية في "الشاهنامة" أن رستم الأب قتل ابنه سُهراب مدافعا
عن عرشه بإيران؛ولم يعلم ببنوته إلا في نهاية المعركة.
لقد
نشأ سهراب بأفغانستان ؛ولقوته اختير لغزو بلده إيران - دون أن يعرف- ليُنصب "والده
الأفغاني" ملكا عليها.
لعل
لهذه الأسطورة حظا في تفسير هذا التنادي الفرنسي/العالمي لمحاربة دولة الإرهاب – المعترف
بها هكذا ضدا على المواثيق الأممية - العابرة للقارات؛تماما كما تعبرها مخابرات الدول
الغربية العميقة،بدون إذن من أحد.
تحبل
الحرب الباردة وتلد "مجاهدين" في أفغانستان.حينما ينتصرون وتستبد بهم نخوة
الجهاد يصبحون "إرهابيين".
إرهابيون
نعم ؛لكن للعالم الغربي في إرهابهم مآرب أخرى،غير الجهاد –بصفتهم الدموية هذه،وبنفس
سلاحهم الفقهي- لنا أن نعددها ،وهي لا تنتهي:
*تسريع التاريخ من أجل جغرافية اثنية وعشائرية ،تقوض
أسس الدولة الحديثة ،في منطقة لا تنبغي لها الديموقراطية.
*تقويض عرش "رستم"،وتفكيك كل ترسانته النووية
؛حتى تمد إسرائيل أرجلَها على هواها ؛وحتى يعاف الجميع هذا النموذج الشيعي الذي أصبح
يطاول أكثر من المسموح به.
*إبطاء التاريخ الروسي ،المتوثب،حتى لا يلد ،من جديد ، تاريخا سوفييتيا
؛اعتبر منتهيا .
*لجم الشارع العربي ،حتى يخال كُلَّ فج يرمي إليه
بقاتل.في هذه لا بد أن نؤكد أن الحكام العرب ،وان تغربوا، يظلون من هذا الشعب الواجب
المراقبة؛والواجب القتل في الوقت المناسب.
لن تنتهي
المآرب ،ولن يجتث أحد الإرهاب؛ما دامت هذه الدول العميقة قائمة ،في الغرب كله،خارج
الشرعية الانتخابية.
وعليه
،فخلافا للنهاية الميثولوجية المأساوية ،يعاود
سُهراب ،في كل مرة ،الحياة بعنفوان جديد؛طمعا في قتل رستم الذي لا يموت.
هولاند
يخاف ،الفرنسيون يخافون:
لكن
ممن؟ أكيد أن خوفهم يجب ألا يكون من مواطنيهم
المسلمين ؛وخصوصا هؤلاء الشباب الذين فُتحت لهم ،سابقا،كل السبل الى سوريا والعراق؛حيث
انتظرهم المؤطرون الفرنسيون والأميركيون وغيرهم ،بكل عتادهم،الثقيل والخفيف. أكد رجال دولة فرنسيون أن بشار الأسد سبق أن عرض
على فرنسا،منذ البداية، تزويدها بلائحة دقيقة تضم شبابها الداعشيين فرفضت؛وكان شرطه الوحيد تخفيف وطء الدولة الفرنسية عليه،والتعاون
مع أجهزته. اليوم يؤكد هولا ند أن حربه أصبحت
على الإرهاب قبل بشار.
لا حرب
على الإرهاب ،ولا اجتثاث ،جديا،له إلا إذا كانت حربا واجتثاثا من الدول الغربية العميقة ،وراعيتها الدولة العالمية العميقة.
مادام
العالم ينحو نحو التقاطب ،في استعادة مأساوية
لحمارة الحرب الباردة؛وفي اشتغال شره على خرائط الثروة، التي تيسرها الاثنية
والحروب العقدية ؛ فلن تكون هناك حرب على الإرهاب إلا زعما وتقولا.
مادام
المال العربي أحب الى النفوس من الشعوب العربية؛فستتوثق أكثر عرى الصداقة بين قمم الديموقراطية
وقمم الديكتاتورية؛وليس دعم الإرهاب، من طرف هذه القمم، إلا بعضا من هذه العُرى التي
عرت العرب ،ونسبت إليهم كل ذميمة ،من ذميمات التاريخ.
ماعدا
هذا ،في فرنسا وغيرها، سيكون مجرد بضاعة للاستهلاك السياسي الفاضح؛فضيحة سماء سورية عسكرية، أصبحت
بحاجة الى كل شرطة الأرض، لتنظيم المرور بين مقاتلات العالم التي لم يزدد عماها إلا
استفحالا.
وأخيرا
فلن تفلح شارل دوغول لأنها ستشتغل خارج المهام المصرح بها ؛وخير دليل هو كونها بدون
تغطية فقهية،في حرب تبدو فقهية.
خطأ
هولاند سنة 2015 لم يرتكبه نابوليون سنة 1798.
Ramdane3.ahlablog.com